Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 20-20)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه ست مسائل : الأولى : قوله تعالى : { وَشَجَرَةً } شجرة عطف على جنات . وأجاز الفراء الرفع لأنه لم يظهر الفعل ، بمعنى وثَمّ شجرة ويريد بها شجرة الزيتون . وأفردها بالذكر لعظيم منافعها في أرض الشام والحجاز وغيرهما من البلاد ، وقلّة تعاهدها بالسّقي والحفر وغير ذلك من المراعاة في سائر الأشجار . { تَخْرُجُ } في موضع الصفة . { مِن طُورِ سَيْنَآءَ } أي أنبتها الله في الأصل من هذا الجبل الذي بارك الله فيه . وطورُسَيْناء من أرض الشأم وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام قاله ابن عباس وغيره ، وقد تقدّم في البقرة والأعراف . والطور الجبل في كلام العرب . وقيل : هو مما عُرّب من كلام العجم . وقال ابن زيد : هو جبل بيت المقدس ممدود من مصر إلى أيْلة . واختُلف في سَيْناء فقال قتادة : معناه الحسَن ويلزم على هذا التأويل أن يُنَوَّن الطور على النعت . وقال مجاهد : معناه مبارك . وقال معمر عن فرقة : معناه شجر ويلزمهم أن ينوّنوا الطور . وقال الجمهور : هو اسم الجبل كما تقول جبل أُحُد . وعن مجاهد أيضاً : سَيْناء حجر بعينه أضيف الجبل إليه لوجوده عنده . وقال مقاتل كل جبل يحمل الثمار فهو سيناء أي حسن . وقرأ الكوفيون بفتح السين على وزن فَعْلاء ، وفعلاء في كلام العرب كثير يمنع من الصرف في المعرفة والنكرة لأن في آخرها ألف التأنيث ، وألفُ التأنيث ملازمة لما هي فيه ، وليس في الكلام فِعلاء ، ولكن من قرأ سِيناء بكسر السين جعله فِعلالا فالهمزة فيه كهمزة حِرباء ، ولم يصرف في هذه الآية لأنه جعل اسم بقعة . وزعم الأخفش أنه اسم أعجميّ . الثانية : قوله تعالى : { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } قرأ الجمهور « تَنبت » بفتح التاء وضم الباء ، والتقدير : تنبت ومعها الدهن كما تقول : خرج زيد بسلاحه . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بضم التاء وكسر الباء . واختلف في التقدير على هذه القراءة فقال أبو عليّ الفارسي : التقدير تنبت جناها ومعه الدهن فالمفعول محذوف . وقيل : الباء زائدة مثلُ { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } [ البقرة : 195 ] وهذا مذهب أبي عبيدة . وقال الشاعر : @ نـضـرب بـالسـيـف ونـرجـو بالـفَـرَج @@ وقال آخر : @ هنّ الحرائر لا رَبّاتُ أَخْمرة سود المحاجر لا يقرأن بالسُّوَرِ @@ ونحو هذا قاله أبو عليّ أيضاً وقد تقدّم . وقيل : نبت وأنبت بمعنًى فيكون المعنى كما مضى في قراءة الجمهور ، وهو مذهب الفراء وأبي إسحاق ، ومنه قول زُهير : @ … حـتـى إذا أنـبـت الـبَـقْـلُ @@ والأصمعي ينكر أنبت ، ويتّهم قصيدة زهير التي فيها : @ رأيتُ ذوي الحاجاتِ حَوْلَ بيوتِهم قَطِيناً بها حتى إذا أنبت البقل @@ أي نبت . وقرأ الزُّهْري والحسن والأعرج « تُنْبَت بالدهن » برفع التاء ونصب الباء . قال ابن جِنّي والزجاج : هي باء الحال أي تُنْبَت ومعها دهنها . وفي قراءة ابن مسعود : « تخرج بالدهن » وهي باء الحال . ابنُ دَرَسْتَوَيْه : الدهن الماء اللين تبنت من الإنبات . وقرأ زِرّ بن حُبَيش « تُنْبِت بضم التاء وكسر الباء الدهنَ » بحذف الباء ونصبه . وقرأ سليمان بن عبد الملك والأشهب « بالدهان » . والمراد من الآية تعديد نعمة الزيت على الإنسان ، وهي من أركان النعم التي لا غنًى بالصحة عنها . ويدخل في معنى الزيتون شجر الزيت كلّه على اختلافه بحسب الأقطار . الثالثة : قوله تعالى : { وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } قراءة الجمهور . وقرأت فرقة « وأصباغ » بالجمع . وقرأ عامر بن عبد قيس « ومتاعاً » ويراد به الزيت الذي يصطبغ به الأكل يقال : صِبغ وصباغ مثلُ دِبْغ ودِباغ ، ولبِس ولباس . وكل إدام يؤتدم به فهو صِبْغ حكاه الهَروِيّ وغيره . وأصل الصِّبغ ما يلوّن به الثوب ، وشبّه الإدام به لأن الخبز يلوّن بالصّبغ إذا غُمس فيه . وقال مقاتل : الأُدْم الزيتون ، والدهن الزيت . وقد جعل الله تعالى في هذه الشجرة أُدْماً ودُهْناً فالصِّبغ على هذا الزيتونُ . الرابعة : لا خلاف أن كل ما يصطبغ فيه من المائعات كالزيت والسمن والعسل والرُّبّ والخلّ وغير ذلك من الأمراق أنه إدام . وقد نصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخل فقال : " نعم الإدام الخل " رواه تسعة من الصحابة ، سبعة رجال وامرأتان . وممن رواه في الصحيح جابر وعائشة وخارجة وعمر وابنه عبيد الله وابن عباس وأبو هريرة وسَمُرة بن جُنْدب وأنس وأم هانىء . الخامسة : واختلف فيما كان جامداً كاللحم والتمر والزيتون وغير ذلك من الجوامد فالجمهور أن ذلك كله إدام فمن حلف ألا يأكل إداماً فأكل لحماً أو جبنا حنِث . وقال أبو حنيفة : لا يحنث وخالفه صاحباه . وقد روي عن أبي يوسف مثل قول أبي حنيفة . والبقل ليس بإدام في قولهم جميعاً . وعن الشافعي في التمر وجهان والمشهور أنه ليس بإدام لقوله في التنبيه . وقيل يحنث والصحيح أن هذا كله إدام . وقد روى أبو داود " عن يوسف بن عبد الله بن سلاَم قال : رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة فقال : « هذه إدام هذه » " وقال صلى الله عليه وسلم : " سيّد إدام الدنيا والآخرة اللحم " ذكره أبو عمر . وترجم البخاري باب الإدام وساق حديث عائشة ولأن الإدام مأخوذ من المؤادمة وهي الموافقة ، وهذه الأشياء توافق الخبز فكان إداماً . وفي الحديث عنه عليه السلام : " ائتدموا ولو بالماء " ولأبي حنيفة أن حقيقة الإدام الموافقة في الاجتماع على وجه لا يقبل الفصل كالخل والزيت ونحوهما ، وأمّا اللحم والبيض وغيرهما لا يوافق الخبز بل يجاوره كالبطيخ والتمر والعنب . والحاصل : أن كل ما يحتاج في الأكل إلى موافقة الخبز كان إداماً ، وكل ما لا يحتاج ويؤكل على حدة لا يكون إداماً ، والله أعلم . السادسة : روى الترمذي من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كُلُوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة " هذا حديث لا يعرف إلا من حديث عبد الرزاق ، وكان يضطرب فيه ، فربما يذكر فيه عن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وربما رواه على الشك فقال : أحسِبه عن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وربما قال : عن زيد بن أسلم عن أبيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم . وقال مقاتل : خُصّ الطّور بالزيتون لأن أوّل الزيتون نبت منها . وقيل : إن الزيتون أوّل شجرة نبتت في الدنيا بعد الطوفان . والله أعلم .