Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 66-67)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } الآيات يريد بها القرآن . { تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } أي تقرأ . قال الضحاك : قبل أن تعذبوا بالقتل و { تَنكِصُونَ } ترجعون وراءكم . مجاهد : تستأخرون وأصله أن ترجع الْقَهْقَرَى . قال الشاعر : @ زعموا بأنهمُ على سُبُل النّجا ة وإنما نُكُصٌ على الأعقاب @@ وهو هنا استعارة للإعراض عن الحق . وقرأ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه « على أدباركم » بدل « على أعقابكم » ، « تنكصون » بضم الكاف . { مُسْتَكْبِرِينَ } حال ، والضمير في « به » قال الجمهور : هو عائد على الحرم أو المسجد أو البلد الذي هو مكة ، وإن لم يتقدم له ذكر لشهرته في الأمر أي يقولون نحن أهل الحرم فلا نخاف . وقيل : المعنى أنهم يعتقدون في نفوسهم أن لهم بالمسجد والحرم أعظمَ الحقوق على الناس والمنازل فيستكبرون لذلك ، وليس الاستكبار من الحق . وقالت فرقة : الضمير عائد على القرآن من حيث ذكرت الآيات والمعنى : يُحدث لكم سماع آياتي كبراً وطغياناً فلا تؤمنوا به . قال ابن عطية : وهذا قول جيد . النحاس : والقول الأوّل أولى ، والمعنى : أنهم يفتخرون بالحرم ويقولون نحن أهل حرم الله تعالى . قوله تعالى : { سَامِراً تَهْجُرُونَ } فيه أربع مسائل : الأولى : قوله تعالى : { سَامِراً تَهْجُرُونَ } « سامِراً » نصب على الحال ، ومعناه سُمّارا ، وهم الجماعة يتحدثون بالليل ، مأخوذ من السَّمَر وهو ظل القمر ومنه سُمرة اللون . وكانوا يتحدثون حول الكعبة في سَمَر القمر فسمّي التحدث به . قال الثوري : يقال لظل القمر السَّمَر ومنه السُّمْرة في اللون ، ويقال له : الفَخْت ومنه قيل : فاختة . وقرأ أبو رَجَاء « سُمّارا » وهو جمع سامر كما قال : @ ألسـتَ تـرى السُّمـارَ والنّـاسَ أحـوالـي @@ وفي حديث قَيْلة : إذا جاء زوجها من السامر يعني من القوم الذين يَسْمُرون بالليل فهو اسم مفرد بمعنى الجمع ، كالحاضر وهم القوم النازلون على الماء ، والباقر جمع البقر ، والجامل جمع الإبل ، ذكورتها وإناثها ومنه قوله تعالى : { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } [ الحج : 5 ] أي أطفالاً . يقال : قوم سَمْر وسُمَّر وسامِر ، ومعناه سهر الليل مأخوذ من السَّمَر وهو ما يقع على الأشجار من ضوء القمر . قال الجوهري : السامر أيضاً السُّمّار ، وهم القوم الذين يَسْمُرون كما يقال للحاج حُجّاج ، وقول الشاعر : @ وسـامرٍ طـال فيـه اللّـهْـوُ والسّـمَـرُ @@ كأنه سمى المكان الذي يجتمع فيه للسمر بذلك . وقيل : وحّد سامراً وهو بمعنى السُّمار لأنه وضع موضع الوقت ، كقول الشاعر : @ مِن دونهم إن جئتَهم سَمَراً عَزْفُ القِيَانِ ومَجْلِسٌ غَمْرُ @@ فقال : سَمَراً ، لأن معناه : إن جئتهم ليلاً وجدتهم وهم يسمرون . وٱبنا سَمِير : الليل والنهار لأنه يُسْمَر فيهما ، يقال : لا أفعله ما سَمَر ابنا سمِير أبداً . ويقال : السَّمير الدهر ، وٱبناه الليل والنهار . ولا أفعله السَّمَرَ والقمرَ أي ما دام الناس يَسْمُرون في ليلة قمراء . ولا أفعله سَمِيرَ الليالي . قال الشَّنْفَرَى : @ هنالك لا أرجو حياةً تَسُرُّنِي سَميرَ الليالي مُبْسَلاً بالجرائر @@ والسَّمَار بالفتح اللبن الرقيق . وكانت العرب تجلس للسمر تتحدّث ، وهذا أوجب معرفتها بالنجوم لأنها تجلس في الصحراء فترى الطوالع من الغوارب . وكانت قريش تَسْمُر حول الكعبة مجالس في أباطيلها وكفرها ، فعابهم الله بذلك . و « تُهْجِرون » قرىء بضم التاء وكسر الجيم من أهجر ، إذا نطق بالفحش . وبنصب التاء وضم الجيم من هَجَر المريضُ إذا هَذَى . ومعناه : يتكلمون بهوَس وسَيِّىء من القول في النبيّ صلى الله عليه وسلم وفي القرآن عن ابن عباس وغيره . الثانية : روى سعيد بن جُبيرِ عن ابن عباس قال : إنما كُره السّمر حين نزلت هذه الآية { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ } يعني أن الله تعالى ذمّ أقواماً يَسْمُرون في غير طاعة الله تعالى ، إما في هَذَيان وإما في إذاية . وكان الأعمش يقول : إذا رأيت الشيخ ولم يكتب الحديث فاصفعه فإنه من شيوخ القمر يعني يجتمعون في ليالي القمر فيتحدّثون بأيام الخلفاء والأمراء ولا يحسِن أحدهم يتوضأ للصلاة . الثالثة : روى مسلم عن أبي بَرْزَة قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يؤخر العشاء إلى ثلث الليل ويكره النوم قبلها والحديثَ بعدها . قال العلماء : أما الكراهية للنوم قبلها فلئلا يعرّضها للفوات عن كل وقتها أو أفضل وقتها ولهذا قال عمر : فمن نام فلا نامت عينه ثلاثاً . وممن كره النوم قبلها عمر وابنه عبد الله وابن عباس وغيرهم ، وهو مذهب مالك . ورخص فيه بعضهم ، منهم عليّ وأبو موسى وغيرهم وهو مذهب الكوفيين . وشرط بعضهم أن يجعل معه من يوقظه للصلاة . وروي عن ابن عمر مثله ، وإليه ذهب الطحاوي . وأما كراهية الحديث بعدها فلأن الصلاة قد كفرت خطاياه فينام على سلامة ، وقد ختم الكُتّاب صحيفته بالعبادة فإنْ هو سَمَر وتحدّث فيملؤها بالهَوَس ويجعل خاتمتها اللغو والباطل ، وليس هذا من فعل المؤمنين . وأيضاً فإن السمر في الحديث مظنة غلبة النوم آخر الليل فينام عن قيام آخر الليل ، وربما ينام عن صلاة الصبح . وقد قيل : إنما يكره السمر بعدها لما روى جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياكم والسَّمَرَ بعد هَدْأة الرجل فإن أحدكم لا يدري ما يبث الله تعالى من خلقه أغلِقوا الأبواب وأَوْكُوا السقاء وخَمّروا الإناء وأطفِئوا المصابيح " وروي عن عمر أنه كان يضرب الناس على الحديث بعد العشاء ، ويقول : أَسُمراً أوّلَ الليل ونوماً آخره ! أريحوا كُتّابكم . حتى أنه روي عن ابن عمر أنه قال : من قرض بيت شعر بعد العشاء لم تقبل له صلاة حتى يُصبح . وأسنده شدّاد بن أوْس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم . وقد قيل : إن الحكمة في كراهية الحديث بعدها إنما هو لما أن الله تعالى جعل الليل سَكَنا ، أي يُسكن فيه ، فإذا تحدّث الإنسان فيه فقد جعله في النهار الذي هو متصرف المعاش فكأنه قصد إلى مخالفة حكمة الله تعالى التي أجرى عليها وجوده فقال : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِبَاساً وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } [ الفرقان : 47 ] . الرابعة : هذه الكراهة إنما تختص بما لا يكون من قبيل القُرَب والأذكار وتعليم العلم ، ومسامرةِ الأهل بالعلم وبتعليم المصالح وما شابه ذلك فقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وعن السلف ما يدل على جواز ذلك ، بل على ندبيّته . وقد قال البخاريّ : باب السَّمَر في الفقه والخير بعد العشاء وذكر أن قُرّة بن خالد قال : انتظرْنا الحسن وراث علينا حتى جاء قريباً من وقت قيامه ، فجاء فقال : دعانا جيراننا هؤلاء . ثم قال أنس : انتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى كان شطر الليل فجاء فصلى ثم خطبنا فقال : " إن الناس قد صَلّوْا وإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة " قال الحسن : فإن القوم لا يزالون في خير ما انتظروا الخير . قال : باب السمر مع الضيف والأهل وذكر حديث أبي بكر بن عبد الرحمن أن أصحاب الصُّفّة كانوا فقراء … الحديث . أخرجه مسلم أيضاً . وقد جاء في حراسة الثغور وحفظ العساكر بالليل من الثواب الجزيل والأجر العظيم ما هو مشهور في الأخبار . وقد مضى من ذلك جملة في آخر « آل عمران » والحمد لله وحده .