Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 43-44)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً } ذكر من حججه شيئاً آخر أي ألم تر بعيْنَيْ قلبك . « يُزْجِي سَحَاباً » أي يسوق إلى حيث يشاء . والريح تُزْجِي السحاب ، والبقرة تزجي ولدها أي تسوقه . ومنه زجا الخراجُ يزجو زَجاءً ممدوداً إذا تيسَّرت جِبايته . وقال النابغة : @ إني أتيتك من أهلي ومن وطني أزجِي حُشاشة نفسٍ ما بها رَمَقُ @@ وقال أيضاً : @ أسْرَتْ عليه من الجوزاء سارِيَةٌ تُزْجِي الشَّمالُ عليه جامدَ البَرَدِ @@ { ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ } أي يجمعه عند انتشائه ليقوَى ويتَّصل ويَكْثُف . والأصل في التأليف الهمز ، تقول : تألف . وقرىء « يُوَلِّف » بالواو تخفيفاً . والسحاب واحد في اللفظ ، ولكن معناه جمع ولهذا قال : « يُنْشِىءُ السَّحاب » . و « بين » لا يقع إلا لاثنين فصاعداً ، فكيف جاز بينه ؟ فالجواب أن « بينه » هنا لجماعة السحاب كما تقول : الشجر قد جلستُ بينه لأنه جمع ، وذكّر الكناية على اللفظ قال معناه الفراء . وجواب آخر : وهو أن يكون السحاب واحداً فجاز أن يقال بينه لأنه مشتمل على قطع كثيرة ، كما قال : @ … بـيـن الـدَّخُـول فـحَـوْمَـلِ @@ فأوقع « بين » على الدخول ، وهو واحد لاشتماله على مواضع . وكما تقول : ما زلت أدور بين الكوفة لأن الكوفة أماكن كثيرة قاله الزجاج وغيره . وزعم الأصْمَعِيّ أن هذا لا يجوز ، وكان يروي : @ … بـيـن الـدَّخُـول وحَـوْمَـلِ @@ { ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً } أي مجتمعاً ، يركب بعضه بعضاً كقوله تعالى : { وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } [ الطور : 44 ] . والرَّكْمُ جمع الشيء يقال منه : رَكَم الشيء يَرْكُمُه رَكْماً إذا جمعه وألقى بعضه على بعض . وارتكم الشيءُ وتراكم إذا اجتمع . والرُّكْمة الطين المجموع . والرُّكَام : الرمل المتراكم . وكذلك السحاب وما أشبهه . ومُرْتَكَمُ الطريق بفتح الكاف جادّته . { فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } في « الوَدْق » قولان : أحدهما : أنه البرق قاله أبو الأشهب العقيلي . ومنه قول الشاعر : @ أثرنا عَجاجة وخرجن منها خروج الوَدْق من خَلَل السحاب @@ الثاني : أنه المطر قاله الجمهور . ومنه قول الشاعر : @ فلا مُزْنة ودَقَتْ ودْقَها ولا أرضَ أبْقَلَ إبقالها @@ وقال امرؤ القيس : @ فدمعهما وَدْقٌ وسَحٌّ ودِيمَةٌ وسَكْبٌ وَتَوْكَافٌ وتَنْهَمِلانِ @@ يقال : ودَقَت السحابة فهي وادقة . ووَدَق المطر يَدِق ودْقاً أي قَطَر . ووَدَقْتُ إليه دنوت منه . وفي المثل : وَدَق العَيْرُ إلى الماء أي دنا منه . يُضرب لمن خضع للشيء لحرصه عليه . والموضع مَوْدِق . ووَدَقْتُ به وَدْقاً استأنستُ به . ويقال لذات الحافر إذا أرادت الفحل : ودَقَتْ تَدِق وَدْقاً ، وأوْدَقَتْ واستودَقَتْ . وأتان وَدُوق وفرس وَدُوق ، ووَدِيق أيضا ، وبها وِداق . والوَدِيقة : شدّة الحَرّ . وخِلال جمع خَلَل مثلُ الجبل والجبال ، وهي فُرَجُه ومخارج القطر منه . وقد تقدم في « البقرة » أن كعباً قال : إن السحاب غِرْبال المطر لولا السحاب حين ينزل الماء من السماء لأفسد ما يقع عليه من الأرض . وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو العالية « من خلله » على التوحيد . وتقول : كنت في خلال القوم أي وسطهم . { وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } قيل : خلق الله في السماء جبالاً من بَرَد ، فهو ينزِّل منها بَرَداً وفيه إضمار ، أي ينزِّل من جبال البرد بَرَدا ، فالمفعول محذوف . ونحو هذا قول الفرّاء لأن التقدير عنده : من جبال برد فالجبال عنده هي البرد . و « بَرَدٍ » في موضع خفض ويجب أن يكون على قوله المعنى : من جبالٍ بردٍ فيها ، بتنوين جبال . وقيل : إن الله تعالى خلق في السماء جبالاً فيها برد فيكون التقدير : وينزل من السماء من جبال فيها برد . و « مِن » صلة . وقيل : المعنى وينزل من السماء قدر جبال ، أو مثل جبال من بَرَد إلى الأرض فـ « ـمن » الأولى للغاية لأن ابتداء الإنزال من السماء ، والثانية للتبعيض لأن البَرَد بعض الجبال ، والثالثة لتبيين الجنس لأن جنس تلك الجبال من البَرَد . وقال الأخفش : إن « مِن » في الجبال و « بَرَد » زائدة في الموضعين ، والجبال والبرد في موضع نصب أي ينزل من السماء بَرَداً يكون كالجبال . والله أعلم . { فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَمَّن يَشَآءُ } فتكون إصابته نقمة ، وصرفه نعمة . وقد مضى في « البقرة » ، و « الرعد » أن من قال حين يسمع الرعد : سبحان من يسبّح الرعد بحمده والملائكة من خِيفته ثلاثاً عُوفي مما يكون في ذلك الرعد . { يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ } أي ضوء ذلك البرق الذي في السحاب { يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ } من شدّة بَريقه وضوئه . قال الشّمَّاخ : @ وما كادت إذا رفعَتْ سَناهَا ليُبْصِر ضوءها إلاّ البَصِيرُ @@ وقال امرؤ القيس : @ يضيء سَناه أو مصابيحُ راهبٍ أهان السَّلِيط في الذُّبال المُفَتَّلِ @@ فالسَّنَا مقصور ضَوْء البرق . والسَّنَا أيضاً نبت يتداوىَ به . والسَّناء من الرفعة ممدود . وكذلك قرأ طلحة بن مُصَرِّف « سناء » بالمد على المبالغة في شدة الضوء والصّفاء فأطلق عليه اسم الشرف . قال المبرّد : السَّنَا مقصور وهو اللمع فإذا كان من الشّرف والحسب فهو ممدود ، وأصلهما واحد وهو الالتماع . وقرأ طلحة بن مُصَرِّف « سَنَاءُ بُرَقِه » قال أحمد بن يحيـى : وهو جمع بُرْقة . قال النحاس : البُرْقة المقدار من البَرْق ، والبَرْقة المرّة الواحدة . وقرأ الجَحْدَرِيّ وابن القَعْقاع « يُذْهِب بالأبصار » بضم الياء وكسر الهاء من الإذهاب ، وتكون الباء في « بالأبصار » صلةً زائدة . الباقون « يَذْهَبُ بالأبصار » بفتح الياء والهاء ، والباء للإلصاق . والبَرْقُ دليل على تكاثف السحاب ، وبشير بقوّة المطر ، ومحذّر من نزول الصواعق . { يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } قيل : تقليبهما أن يأتي بأحدهما بعد الآخر . وقيل : تقليبهما نقصهما وزيادتهما . وقيل : هو تغيير النهار بظلمة السحاب مرّة وبضَوْء الشمس أخرى وكذا الليل مرّة بظلمة السحاب ومرّة بضوء القمر قاله النقاش . وقيل : تقليبهما باختلاف ما يقدّر فيهما من خير وشر ونفع وضرّ . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } أي في الذي ذكرناه من تقلّب الليل والنهار ، وأحوال المطر والصيف والشتاء { لَعِبْرَةً } أي اعتباراً { لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } أي لأهل البصائر من خَلْقي .