Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 45-46)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ } قرأ يحيـى بن وَثّاب والأعمش وحمزة والكسائي « وَاللَّهُ خَالِقُ كلِّ » بالإضافة . الباقون « خلق » على الفعل . قيل : إن المعنيين في القراءتين صحيحان . أخبر الله عز وجل بخبرين ، ولا ينبغي أن يقال في هذا : إحدى القراءتين أصح من الأخرى . وقد قيل : إن « خلق » لشيء مخصوص ، وإنما يقال خالق على العموم كما قال الله عز وجل : { ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ } [ الحشر : 24 ] . وفي الخصوص « الحمد لله الذي خلق السموات والأرض » وكذا « هو الذي خلقكم من نفس واحدة » . فكذا يجب أن يكون { وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ } . والدّابة كل ما دَبَّ على وجه الأرض من الحيوان يقال : دَبّ يَدِب فهو دابّ والهاء للمبالغة . وقد تقدم في « البقرة » . { مِّن مَّآءٍ } لم يدخل في هذا الجنّ والملائكة لأنا لم نشاهدهم ، ولم يثبت أنهم خلقوا من ماء ، بل في الصحيح : " أن الملائكة خُلقوا من نور والجنّ من نار " وقد تقدّم . وقال المفسرون : « من ماء » أي من نُطْفة . قال النقاش : أراد أَمْنِيَة الذكور . وقال جمهور النَّظَرة : أراد أن خلْقة كل حيوان فيها ماء كما خلق آدم من الماء والطين وعلى هذا يتخرّج قول النبيّ صلى الله عليه وسلم للشيخ الذي سأله في غَزاة بدر : ممن أنتما ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نحن من ماء " الحديث . وقال قوم : لا يستثنى الجن والملائكة ، بل كل حيوان خلق من الماء وخلق النار من الماء ، وخلق الريح من الماء إذ أوّل ما خلق الله تعالى من العالم الماء ، ثم خلق منه كل شيء . قلت : ويدل على صحة هذا قوله تعالى : { فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ } المشيُ على البطن للحيّات والحُوت ، ونحوه من الدود وغيره . وعلى الرِّجْلين للإنسان والطير إذا مشى . والأربع لسائر الحيوان . وفي مصحف أبَيّ « ومنهم من يمشي على أكثر » فعمّ بهذه الزيادة جميع الحيوان كالسّرطان والخِشَاش ولكنه قرآن لم يثبته إجماع لكن قال النقاش : إنما اكتفى في القول بذكر ما يمشي على أربع عن ذكر ما يمشي على أكثر لأن جميع الحيوان إنما اعتماده على أربع ، وهي قوام مشيه ، وكثرة الأرجل في بعضه زيادة في خلقته ، لا يحتاج ذلك الحيوان في مَشْيه إلى جميعها . قال ابن عطية : والظاهر أن تلك الأرجل الكثيرة ليست باطلاً بل هي محتاج إليها في تنقّل الحيوان ، وهي كلّها تتحرك في تصرفه . وقال بعضهم : ليس في الكتاب ما يمنع من المشي على أكثر من أربع إذ لم يقل ليس منها ما يمشي على أكثر من أربع . وقيل فيه إضمار : ومنهم من يمشي على أكثر من أربع كما وقع في مصحف أُبَيّ . والله أعلم . و « دَابّة » تشمل مَن يعقل وما لا يعقل فغلّب من يعقل لما اجتمع مع من لا يعقل لأنه المخاطب والمتعبَّد ولذلك قال « فمنهم » . وقال : « مَنْ يمشي » فأشار بالاختلاف إلى ثبوت الصانع أي لولا أن للجميع صانعاً مختاراً لما اختلفوا ، بل كانوا من جنس واحد وهو كقوله : { يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ } [ الرعد : 4 ] . { يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } مما يريد خلقه { قَدِيرٌ } . { لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } تقدم بيانه في غير موضع .