Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 141-159)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ ٱلْمُرْسَلِينَ } ذكر قصة صالح وقومه وهم ثمود وكانوا يسكنون الحِجْر كما تقدّم في « الحجر » وهي ذوات نخل وزروع ومياه . { أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ } يعني في الدنيا آمنين من الموت والعذاب . قال ابن عباس : كانوا معمَّرين لا يبقى البنيان مع أعمارهم . ودلّ على هذا قوله : { وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } [ هود : 61 ] فقرّعهم صالح ووبخّهم وقال : أتظنون أنكم باقون في الدنيا بلا موت { فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } . الزمخشري : فإن قلت لم قال : { ونَخْلٍ } بعد قوله : { وَجَنَّاتٍ } والجنات تتناول النخل أوّل شيء كما يتناول النَّعم الإبل كذلك من بين الأزواج حتى إنهم ليذكرون الجنة ولا يقصدون إلا النخل كما يذكرون النَّعم ولا يريدون إلا الإبل قال زهير : @ كَأَنَّ عَيْنَيَّ في غَرْبَي مُقَتَّلَةٍ من النَّواضِحِ تَسْقِي جَنَّةً سُحُقاً @@ يعني النخل والنخلة السَّحُوق البعيدة الطول . قلت : فيه وجهان أحدهما : أن يخص النخل بإفراده بعد دخوله في جملة سائر الشجر تنبيهاً على انفراده عنها بفضله عنها . والثاني : أن يريد بالجنات غيرها من الشجر لأن اللفظ يصلح لذلك ثم يعطف عليها النخل . والطلعة هي التي تطلع من النخلة كنصل السيف في جوفه شماريخ القِنوِ ، والقِنو اسم للخارج من الجذع كما هو بعرجونه وشماريخه . و { هَضِيمٌ } قال ابن عباس : لطيف ما دام في كُفُرّاه . والهضيم اللطيف الدقيق ومنه قول امرىء القيس : @ عَلـيَّ هَضـيـمَ الكَـشْـحِ رَيَّـا المُخَـلْخَـلِ @@ الجوهري : ويقال للطلع هَضيم ما لم يخرج من كُفُرّاه لدخول بعضه في بعض . والهضيم من النساء اللطيفة الكشحين . ونحوه حكى الهروي قال : هو المنضم في وعائه قبل أن يظهر ومنه رجل هضيم الجنبين أي منضمهما هذا قول أهل اللغة . وحكى الماوردي وغيره في ذلك اثنى عشر قولاً : أحدها : أنه الرطب اللين قاله عكرمة . الثاني : هو المذنِّب من الرطب قاله سعيد بن جبير . قال النحاس : وروى أبو إسحاق عن يزيد هو ابن أبي زياد كوفي ويزيد بن أبي مريم شامي { وَنَخْلٌ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } قال : منه ما قد أرطب ومنه مذنِّب . الثالث : أنه الذي ليس فيه نوى قاله الحسن . الرابع : أنه المتهشم المتفتت إذا مس تفتت قاله مجاهد . وقال أبو العالية : يتهشم في الفم . الخامس : هو الذي قد ضمر بركوب بعضه بعضاً قاله الضحاك ومقاتل . السادس : أنه المتلاصق بعضه ببعض قاله أبو صخر . السابع : أنه الطلع حين يتفرق ويخضر قاله الضحاك أيضاً . الثامن : أنه اليانع النضيج قاله ابن عباس . التاسع : أنه المكتنز قبل أن ينشق عنه القشر حكاه ابن شجرة قال : @ كأنّ حَمولةً تُجْلَى عليهِ هَضِيمٌ ما يُحسُّ له شُقُوقُ @@ العاشر : أنه الرخو قاله الحسن . الحادي عشر : أنه الرخص اللطيف أوّل ما يخرج وهو الطلع النَّضِيدُ قاله الهروي . الثاني عشر : أنه البَرْنِيّ قاله ابن الأعرابي فعيل بمعنى فاعل أي هنيء مريء من انهضام الطعام . والطلع اسم مشتق من الطلوع وهو الظهور ومنه طلوع الشمس والقمر والنبات . قوله تعالى : { وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ } النَّحت النَّجر والبَرْي نحته ينحِته بالكسر نحتاً إذا براه والنُّحَاتة البُرَاية . والمِنْحَت ما ينحت به . وفي وَالصَّافَاتِ قال : { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } [ الصافات : 95 ] . وكانوا ينحتونها من الجبال لما طالت أعمارهم وتهدّم بناؤهم من المدر . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع : { فَرِهِينَ } بغير ألف . الباقون : { فَارِهِينَ } بألف وهما بمعنى واحد في قول أبي عبيدة وغيره مثل : { عِظَاماً نَّخِرَةً } [ النازعات : 11 ] و { نَاخرَة } . وحكاه قطرب . وحكى فَرُهَ يفرُه فهو فاره وفَرِهَ يفرَه فرِهٌ وفاره إذا كان نشيطاً . وهو نصب على الحال . وفرق بينهما قوم فقالوا : { فَارِهِينَ } حاذقين بنحتها قاله أبو عبيدة وروي عن ابن عباس وأبي صالح وغيرهما . وقال عبد الله بن شدّاد : { فَارِهِينَ } متجبرين . وروي عن ابن عباس أيضاً أن معنى : { فَرِهِينَ } بغير ألف أشرين بطرين وقاله مجاهد . وروي عنه شرهين . الضحاك : كيِّسين . قتادة : معجبين قاله الكلبي وعنه : ناعمين . وعنه أيضاً آمنين وهو قول الحسن . وقيل : متخيرين قاله الكلبي والسدي . ومنه قول الشاعر : @ إلى فَرِهٍ يماجد كلَّ أمرٍ قصدتُ له لأختبر الطِّباعَا @@ وقيل : متعجبين قاله خُصيف . وقال ابن زيد : أقوياء . وقيل : فرهين فرحين قاله الأخفش . والعرب تعاقب بين الهاء والحاء تقول : مدهته ومدحته فالفرِه الأشِر الفرِح ثم الفرح بمعنى المَرح مذموم قال الله تعالى : { وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً } [ الإسراء : 37 ] وقال : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } [ القصص : 76 ] . { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ } قيل : المراد الذين عقروا الناقة . وقيل : التسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون . قال السّدي وغيره : أوحى الله تعالى إلى صالح : إن قومك سيعقرون ناقتك فقال لهم ذلك ، فقالوا : ما كنا لنفعل . فقال لهم صالح : إنه سيولد في شهركم هذا غلام يعقرها ويكون هلاككم على يديه فقالوا : لا يولد في هذا الشهر ذكر إلا قتلناه . فولد لتسعة منهم من ذلك الشهر فذبحوا أبناءهم ، ثم ولد للعاشر فأبى أن يذبح ابنه وكان لم يولد له قبل ذلك . وكان ابن العاشر أزرق أحمر فنبت نباتاً سريعاً وكان إذا مر بالتسعة فرأوه قالوا : لو كان أبناؤنا أحياء لكانوا مثل هذا . وغضب التسعة على صالح لأنه كان سبب قتلهم أبناءهم فتعصبوا وتقاسموا بالله لنبيتنه وأهله . قالوا : نخرج إلى سفر فترى الناس سفرنا فنكون في غار ، حتى إذا كان الليل وخرج صالح إلى مسجده أتيناه فقتلناه ، ثم قلنا ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون فيصدّقوننا ويعلمون أنا قد خرجنا إلى سفر . وكان صالح لا ينام معهم في القرية وكان يأوي إلى مسجده ، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم ، فلما دخلوا الغار أرادوا أن يخرجوا فسقط عليهم الغار فقتلهم ، فرأى ذلك ناس ممن كان قد اطلع على ذلك ، فصاحوا في القرية : يا عباد اللهٰ أما رضي صالح أن أمر بقتل أولادهم حتى قتلهم فأجمع أهل القرية على قتل الناقة . وقال ابن إسحاق : إنما اجتمع التسعة على سبّ صالح بعد عقرهم الناقة وإنذارهم بالعذاب على ما يأتي بيانه في سورة « النمل » إن شاء الله تعالى . { قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } هو من السحر في قول مجاهد وقتادة على ما قال المهدوي . أي أصبت بالسحر فبطل عقلك لأنك بشر مثلنا فلم تدّع الرسالة دوننا . وقيل : من المعلَّلين بالطعام والشراب قاله ابن عباس والكلبي وقتادة ومجاهد أيضاً فيما ذكر الثعلبي . وهو على هذا القول من السَّحر وهو الرئة أي بشر لك سَحْر أي رئة تأكل وتشرب مثلنا كما قال لبيد : @ فإن تسألينا فِيمَ نحن فإنَّنَا عصافيرُ من هذا الأنام المُسَحَّرِ @@ وقال امرؤ القيس : @ ونُسْـحَـرُ بـالـطَّـعـام وبـالشَّـرَابِ @@ { فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } في قولك . { قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } قال ابن عباس : قالوا إن كنت صادقاً فادع الله يخرج لنا من هذا الجبل ناقة حمراء عشراء فتضع ونحن ننظر ، وترد هذا الماء فتشرب وتغدو علينا بمثله لبنا . فدعا الله وفعل الله ذلك فـ { ـقَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ } أي حظ من الماء أي لكم شرب يوم ولها شرب يوم فكانت إذا كان يوم شربها شربت ماءهم كله أوّل النهار وتسقيهم اللبن آخر النهار ، وإذا كان يوم شربهم كان لأنفسهم ومواشيهم وأرضهم ، ليس لهم في يوم ورودها أن يشربوا من شربها شيئاً ، ولا لها أن تشرب في يومهم من مائهم شيئاً . قال الفراء : الشِّرب الحظ من الماء . قال النحاس : فأما المصدر فيقال فيه شرِب شَرْباً وشُرباً وشِرباً وأكثرها المضمومة لأن المكسورة والمفتوحة يشتركان مع شيء آخر فيكون الشِّرْب الحظ من الماء ، ويكون الشَّرْب جمع شارب كما قال : @ فقـلـتُ للشَّـرْب فـي دُرْنَـا وقـد ثَـمِلُـوا @@ إلا أن أبا عمرو بن العلاء والكسائي يختاران الشَّرب بالفتح في المصدر ، ويحتجان برواية بعض العلماء أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " إنها أيام أكل وشَرْب " { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ } لا يجوز إظهار التضعيف هاهنا لأنهما حرفان متحرّكان من جنس واحد . { فَيَأْخُذَكُمْ } جواب النهي ، ولا يجوز حذف الفاء منه ، والجزم كما جاء في الأمر إلا شيئاً روي عن الكسائي أنه يجيزه . { فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ } أي على عقرها لما أيقنوا بالعذاب . وذلك أنه أنظرهم ثلاثاً فظهرت عليهم العلامة في كل يوم ، وندموا ولم ينفعهم الندم عند معاينة العذاب . وقيل : لم ينفعهم الندم لأنهم لم يتوبوا ، بل طلبوا صالحاً عليه السلام ليقتلوه لما أيقنوا بالعذاب . وقيل : كانت ندامتهم على ترك الولد إذ لم يقتلوه معها . وهو بعيد . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } إلى آخره تقدّم . ويقال : إنه ما آمن به من تلك الأمم إلا ألفان وثمانمائة رجل وامرأة . وقيل : كانوا أربعة آلاف . وقال كعب : كان قوم صالح اثنى عشر ألف قبيل كل قبيل نحو اثنى عشر ألفا من سوى النساء والذرّية ، ولقد كان قوم عاد مثلهم ست مرات .