Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 23-51)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } لما غلب موسى فرعون بالحجة ولم يجد اللعين من تقريره على التربية وغير ذلك حجة رجع إلى معارضة موسى في قوله : رسول رب العالمين فاستفهمه استفهاماً عن مجهول من الأشياء . قال مكيّ وغيره : كما يستفهم عن الأجناس فلذلك استفهم بـ { ـما } . قال مكي : وقد ورد له استفهام بـ { ـمن } في موضع آخر ويشبه أنها مواطن فأتى موسى بالصفات الدالّة على الله من مخلوقاته التي لا يشاركه فيها مخلوق ، وقد سأل فرعون عن الجنس ولا جنس لله تعالى لأن الأجناس محدثة ، فعلم موسى جهله فأضرب عن سؤاله وأعلمه بعظيم قدرة الله التي تبيِّن للسامع أنه لا مشاركة لفرعون فيها . فقال فرعون : { أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } على معنى الإغراء والتعجب من سفه المقالة إذ كانت عقيدة القوم أن فرعون ربهم ومعبودهم والفراعنة قبله كذلك . فزاد موسى في البيان بقوله : { رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } فجاء بدليل يفهمونه عنه لأنهم يعلمون أنه قد كان لهم آباء وأنهم قد فنوا وأنه لا بد لهم من مغيِّر ، وأنهم قد كانوا بعد أن لم يكونوا ، وأنهم لا بد لهم من مكوِّن . فقال فرعون حينئذٍ على جهة الاستخفاف : { إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } أي ليس يجيبني عما أسأل فأجابه موسى عليه السلام عن هذا بأن قال : { رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } أن ليس ملكه كملكك لأنك إنما تملك بلداً واحداً لا يجوز أمرك في غيره ، ويموت من لا تحب أن يموت ، والذي أرسلني يملك المشرق والمغرب { وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } . وقيل : علم موسى عليه السلام أن قصده في السؤال معرفة من سأل عنه ، فأجاب بما هو الطريق إلى معرفة الرب اليوم . ثم لما انقطع فرعون لعنه الله في باب الحجة رجع إلى الاستعلاء والتغلب فتوعد موسى بالسجن ، ولم يقل ما دليلك على أن هذا الإله أرسلك لأن فيه الاعتراف بأن ثَمَّ إلهاً غيره . وفي توعده بالسجن ضعف . وكان فيما يروى أنه يفزع منه فزعاً شديداً حتى كان اللعين لا يمسك بوله . وروي أن سجنه كان أشد من القتل . وكان إذا سجن أحداً لم يخرجه من سجنه حتى يموت ، فكان مَخُوفاً . ثم لما كان عند موسى عليه السلام من أمر الله تعالى ما لا يرعه توعُد فرعون { فقَالَ } له على جهة اللطف به والطمع في إيمانه : { أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ } فيتضح لك به صدقي ، فلما سمع فرعون ذلك طمع في أن يجد أثناءه موضع معارضة { قَالَ } له { فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } . ولم يحتج الشرط إلى جواب عند سيبويه لأن ما تقدّم يكفي منه . { فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ } من يده فكان ما أخبر الله من قصته . وقد تقدّم بيان ذلك وشرحه في « الأعراف » إلى آخر القصة . وقال السحرة لما توعدهم فرعون بقطع الأيدي والأرجل { لاَ ضَيْرَ } أي لا ضرر علينا فيما يلحقنا من عذاب الدنيا أي إنما عذابك ساعة فنصبر لها وقد لقينا الله مؤمنين . وهذا يدلّ على شدّة استبصارهم وقوّة إيمانهم . قال مالك : دعا موسى عليه السلام فرعون أربعين سنة إلى الإسلام ، وأن السحرة آمنوا به في يوم واحد . يقال : لا ضَيْر ولا ضَوْر ولا ضَرَّ ولا ضَرَرَ ولا ضارُورة بمعنى واحد قاله الهَرَويّ . وأنشد أبو عبيدة : @ فإنكَ لا يَضُوركَ بعدَ حَوْلٍ أظبيٌ كان أُمُّكَ أَم حِمَارُ @@ وقال الجوهري : ضَارَه يَضُوره ويضيره ضَيْراً وضَوْراً أي ضَرَّه . قال الكسائي : سمعت بعضهم يقول لا ينفعني ذلك ولا يَضُورني . والتّضور الصياح والتلوّي عند الضرب أو الجوع . والضُّورَة بالضم الرجل الحقير الصغير الشأن . { إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } يريد ننقلب إلى رب كريم رحيم { إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ أَن كُنَّآ أَوَّلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . { أَنْ } في موضع نصب أي لأن كنا . وأجاز الفراء كسرها على أن تكون مجازاة . ومعنى : { أَوَّلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي عند ظهور الآية ممن كان في جانب فرعون . الفراء : أول مؤمني زماننا . وأنكره الزجاج وقال : قد روي أنه آمن معه ستمائة ألف وسبعون ألفاً ، وهم الشِّرذمة القليلون الذين قال فيهم فرعون : { إِنَّ هَؤلاَءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } روي ذلك عن ابن مسعود وغيره .