Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 16-22)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } قال أبو عبيدة : رسول بمعنى رسالة والتقدير على هذا إنا ذوو رسالة رب العالمين . قال الهذليّ : @ أَلِكْنِي إليها وخَيرُ الرَّسُو لِ أَعْلَمُهُمْ بنَوَاحِي الخَبَرَ @@ ألكني إليها معناه أرسلني . وقال آخر : @ لقد كَذَبَ الواشون ما بُحْتُ عندهمْ بِسِرٍّ ولا أَرسلتُهمْ برسولِ @@ آخر : @ أَلاَ أَبْلغْ بني عمرو رسولاً بأنّي عن فُتَاحَتِكُمْ غنيُّ @@ وقال العباس بن مرادس : @ أَلاَ مَن مُبلِغٌ عنّي خُفَافَا رسولاً بيتُ أهلِك مُنْتَهَاها @@ يعني رسالة فلذلك أنَّثها . قال أبو عبيد : ويجوز أن يكون الرسول في معنى الاثنين والجمع فتقول العرب : هذا رسولي ووكيلي ، وهذان رسولي ووكيلي ، وهؤلاء رسولي ووكيلي . ومنه قوله تعالى : { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ } [ الشعراء : 77 ] . وقيل : معناه إن كل واحد منا رسول رب العالمين . { أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } أي أطلقهم وخلّ سبيلهم حتى يسيروا معنا إلى فلسطين ولا تستعبدهم وكان فرعون استعبدهم أربعمائة سنة ، وكانوا في ذلك الوقت ستمائة ألف وثلاثين ألفاً . فانطلقا إلى فرعون فلم يؤذن لهما سنة في الدخول عليه ، فدخل البوّاب على فرعون فقال : هاهنا إنسان يزعم أنه رسول رب العالمين . فقال فرعون : ايذن له لعلنا نضحك منه فدخلا عليه وأديا الرسالة . وروى وهب وغيره : أنهما لما دخلا على فرعون وجداه وقد أخرج سباعاً من أسد ونمور وفهودٍ يتفرج عليها ، فخاف سواسها أن تبطش بموسى وهارون ، فأسرعوا إليها ، وأسرعت السباع إلى موسى وهارون ، فأقبلت تلحس أقدامهما ، وتبصبص إليهما بأذنابها ، وتلصق خدودها بفخذيهما ، فعجب فرعون من ذلك فقال : ما أنتما ؟ قالا : { إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ } فعرف موسى لأنه نشأ في بيته فـ { ـقَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً } على جهة المنّ عليه والاحتقار . أي ربيناك صغيراً ولم نقتلك من جملة من قتلنا { وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } فمتى كان هذا الذي تدعيه . ثم قرره بقتل القبطي بقوله : { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ } والفَعْلة بفتح الفاء المرة من الفعل . وقرأ الشعبي : { فِعلتك } بكسر الفاء والفتح أولى لأنها المرة الواحدة ، والكسر بمعنى الهيئة والحال ، أي فعلتك التي تعرف فكيف تدعي مع علمنا أحوالك بأن الله أرسلك . وقال الشاعر : @ كأنّ مِشيتَها من بيت جارتِها مرُّ السحابةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ @@ ويقال : كان ذلك أيام الرِّدة والرَّدة . { وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } قال الضحاك : أي في قتلك القبطي إذ هو نفس لا يحل قتله . وقيل : أي بنعمتي التي كانت لنا عليك من التربية والإحسان إليك قاله ابن زيد . الحسن : { مِن الْكَافِرِينَ } في أني إلهك . السّدي : { مِن الْكَافِرِينَ } بالله لأنك كنت معنا على ديننا هذا الذي تعيبه . وكان بين خروج موسى عليه السلام حين قتل القبطي وبين رجوعه نبيّاً أحد عشر عاماً غير أشهر . فـ { ـقَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً } أي فعلت تلك الفعلة يريد قتل القبطي { وَأَنَاْ } إذ ذاك { مِنَ ٱلضَّالِّينَ } أي من الجاهلين فنفى عن نفسه الكفر ، وأخبر أنه فعل ذلك على الجهل . وكذا قال مجاهد { مِنَ الضَّالِّينَ } من الجاهلين . ابن زيد : من الجاهلين بأن الوكزة تبلغ القتل . وفي مصحف عبد الله { مِن الجاهِلِين } ويقال لمن جهل شيئاً ضل عنه . وقيل : { وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ } من الناسين قاله أبو عبيدة . وقيل : { وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ } عن النبوّة ولم يأتني عن الله فيه شيء ، فليس عليّ فيما فعلته في تلك الحالة توبيخ . وبيّن بهذا أن التربية فيهم لا تنافي النبوّة والحلم على الناس ، وأن القتل خطأ أو في وقت لم يكن فيه شرع لا ينافي النبوّة . قوله تعالى : { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ } أي خرجت من بينكم إلى مَدْين كما في سورة « القصص » : { فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ } [ القصص : 21 ] وذلك حين القتل . { فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً } يعني النبوّة عن السّدي وغيره . الزجاج : تعليم التوراة التي فيها حكم الله . وقيل علماً وفهماً . { وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } . قوله تعالى : { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } اختلف الناس في معنى هذا الكلام فقال السّدي والطّبري والفراء : هذا الكلام من موسى عليه السلام على جهة الإقرار بالنعمة كأنه يقول : نعمٰ وتربيتك نعمة عليّ من حيث عبّدت غيري وتركتني ، ولكن لا يدفع ذلك رسالتي . وقيل : هو من موسى عليه السلام على جهة الإنكار أي أتمنّ عليّ بأن ربيتني وليداً وأنت قد استعبدت بني إسرائيل وقتلتهم ؟ ٰ أي ليست بنعمة لأن الواجب كان ألا تقتلهم ولا تستعبدهم فإنهم قومي فكيف تذكر إحسانك إليّ على الخصوص ؟ ٰ قال معناه قتادة وغيره . وقيل : فيه تقدير استفهام أي أو تلك نعمة ؟ قاله الأخفش والفراء أيضاً وأنكره النحاس وغيره . قال النحاس : وهذا لا يجوز لأن ألف الاستفهام تحدث معنى ، وحذفها محال إلا أن يكون في الكلام أم كما قال الشاعر : @ تَـرُوحُ مـن الـحـيّ أم تَبْـتَـكِـر @@ ولا أعلم بين النحويين اختلافاً في هذا إلا شيئاً قاله الفراء . قال : يجوز حذف ألف الاستفهام في أفعال الشك ، وحكى تُرَى زيداً منطلقاً ؟ بمعنى أترى . وكان علي بن سليمان يقول في هذا : إنما أخذه من ألفاظ العامة . قال الثعلبيّ : قال الفراء ومن قال إنها إنكار قال معناه أو تلك نعمة ؟ على طريق الاستفهام كقوله : { هَـٰذَا رَبِّي } [ الأنعام : 78 ] { فَهُمُ الْخَالِدُونَ } [ الأنبياء : 34 ] قال الشاعر : @ رَفَوْنِي وقالوا يا خُوَيلدُ لا تُرَعْ فقلتُ وأنكرتُ الوجوهَ هُمُ هُمُ @@ وأنشد الغزنوي شاهداً على ترك الألف قولهم : @ لم أنس يوم الرحيل وقفتَها وجفنها من دموعها شَرِقُ وقولَها والركابُ واقفةٌ تَركتني هكذا وتَنطلقُ @@ قلت : ففي هذا حذف ألف الاستفهام مع عدم أم خلاف قول النحاس . وقال الضحاك : إن الكلام خرج مخرج التبكيت والتبكيت يكون باستفهام وبغير استفهام والمعنى : لو لم تقتل بني إسرائيل لرباني أبواي فأي نعمة لك علي فأنت تمنّ عليّ بما لا يجب أن تمنّ به . وقيل : معناه كيف تمنّ بالتربية وقد أهنت قومي ؟ ومن أهين قومه ذل . و { أَنْ عَبَّدْتَ } في موضع رفع على البدل من { نِعْمَة } ويجوز أن تكون في موضع نصب بمعنى : لأن عبدت بني إسرائيل أي اتخذتهم عبيداً . يقال : عبدته وأعبدته بمعنى قاله الفراء وأنشد :