Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 83-89)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } { حُكْماً } معرفة بك وبحدودك وأحكامك قاله ابن عباس . وقال مقاتل : فهماً وعلماً وهو راجع إلى الأوّل . وقال الكلبي : نبوّة ورسالة إلى الخلق . { وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } أي بالنبيين من قبلي في الدرجة . وقال ابن عباس : بأهل الجنة وهو تأكيد قوله : { هَبْ لِي حكماً } . قوله تعالى : { وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } قال ابن عباس : هو اجتماع الأمم عليه . وقال مجاهد : هو الثناء الحسن . قال ابن عطية : هو الثناء وخلد المكانة بإجماع المفسرين وكذلك أجاب الله دعوته ، وكل أمة تتمسك به وتعظمه ، وهو على الحنيفية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم . وقال مكي : وقيل معناه سؤاله أن يكون من ذريته في آخر الزمان من يقوم بالحق فأجيبت الدعوة في محمد صلى الله عليه وسلم ، قال ابن عطية : وهذا معنى حسن إلا أن لفظ الآية لا يعطيه إلا بتحكم على اللفظ . وقال القشيري : أراد الدعاء الحسن إلى قيام الساعة فإن زيادة الثواب مطلوبة في حق كل أحد . قلت : وقد فعل الله ذلك إذ ليس أحد يصلي على النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا وهو يصلي على إبراهيم وخاصة في الصلوات ، وعلى المنابر التي هي أفضل الحالات وأفضل الدرجات . والصلاة دعاء بالرحمة : والمراد باللسان القول ، وأصله جارحة الكلام . قال القتبي : وموضع اللسان موضع القول على الاستعارة ، وقد تكني العرب بها عن الكلمة . قال الأعشى : @ إِنِّي أتَتْنِي لسانٌ لا أُسَرُّ بِها مِن عَلْوُ لا عجَبٌ منها ولا سَخَرُ @@ قال الجوهري : يروى مِن عَلو بضم الواو وفتحها وكسرها . أي أتاني خبر من أعلى ، والتأنيث للكلمة . وكان قد أتاه خبر مقتل أخيه المنتشر . روى أشهب عن مالك قال قال الله عز وجل : { وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } لا بأس أن يحب الرجل أن يثنى عليه صالحاً ويرى في عمل الصالحين ، إذا قصد به وجه الله تعالى وقد قال الله تعالى : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } [ طه : 39 ] وقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } [ مريم : 96 ] أي حبا في قلوب عباده وثناء حسنا ، فنبّه تعالى بقوله : { وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } على استحباب اكتساب ما يورث الذكر الجميل . الليث بن سليمان : إذ هي الحياة الثانية . قيل : @ قد مات قومٌ وهُمْ في النّاس أحْيَاءُ @@ قال ابن العربي : قال المحققون من شيوخ الزهد في هذا دليل على الترغيب في العمل الصالح الذي يكسب الثناء الحسن ، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث " الحديث وفي رواية إنه كذلك في الغرس والزرع وكذلك فيمن مات مرابطاً يكتب له عمله إلى يوم القيامة . وقد بيناه في آخر « آل عمران » والحمد لله . قوله تعالى : { وَٱجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ } دعاء بالجنة وبمن يرثها ، وهو يرد قول بعضهم : لا أسأل جنة ولا ناراً . قوله تعالى : { وَٱغْفِرْ لأَبِيۤ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ } كان أبوه وعده في الظاهر أن يؤمن به فاستغفر له لهذا ، فلما بان أنه لا يفي بما قال تبرأ منه . وقد تقدّم هذا المعنى . { إِنَّه كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ } أي المشركين . { وكان } زائدة . { وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } أي لا تفضحني على رؤوس الأشهاد ، أو لا تعذبني يوم القيامة . وفي البخاري عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " إن إبراهيم يرى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة " والغبرة هي القترة . وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يلقى إبراهيم أباه فيقول يا رب إنك وعدتني ألا تخزني يوم يبعثون فيقول الله تعالى إني حرمت الجنة على الكافرين " انفرد بهما البخاري رحمه الله . قوله تعالى : { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ } { يَوْمَ } بدل من { يوم } الأوّل . أي يوم لا ينفع مال ولا بنون أحداً . والمراد بقوله : { وَلاَ بَنُونَ } الأعوان لأن الابن إذا لم ينفع فغيره متى ينفع ؟ وقيل : ذكر البنين لأنه جرى ذكر والد إبراهيم ، أي لم ينفعه إبراهيم . { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } هو استثناء من الكافرين أي لا ينفعه ماله ولا بنوه . وقيل : هو استثناء من غير الجنس ، أي لكن { مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } ينفعه لسلامة قلبه . وخص القلب بالذكر لأنه الذي إذا سلم سلمت الجوارح ، وإذا فسد فسدت سائر الجوارح . وقد تقدّم في أوّل « البقرة » . واختلف في القلب السليم فقيل : من الشك والشرك ، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد قاله قتادة وابن زيد وأكثر المفسرين . وقال سعيد بن المسيب : القلب السليم الصحيح هو قلب المؤمن لأن قلب الكافر والمنافق مريض قال الله تعالى : { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } [ البقرة : 10 ] وقال أبو عثمان السيَّاري : هو القلب الخالي عن البدعة المطمئن إلى السنة . وقال الحسن : سليم من آفة المال والبنين . وقال الجنيد : السليم في اللغة اللديغ فمعناه أنه قلب كاللديغ من خوف الله . وقال الضحاك : السليم الخالص . قلت : وهذا القول يجمع شتات الأقوال بعمومه وهو حسن ، أي الخالص من الأوصاف الذميمة ، والمتصف بالأوصاف الجميلة والله أعلم . وقد روي عن عروة أنه قال : يا بنيّ لا تكونوا لعّانين فإن إبراهيم لم يلعن شيئاً قط ، قال الله تعالى : { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } وقال محمد بن سيرين : القلب السليم أن يعلم أن الله حق ، وأن الساعة قائمة ، وأن الله يبعث من في القبور . وفي « صحيح مسلم » من حديث أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " يدخل الجنَة أقوامٌ أفئدتهم مثل أفئدة الطير " يريد والله أعلم أنها مثلها في أنها خالية من كل ذنب ، سليمة من كل عيب ، لا خبرة لهم بأمور الدنيا كما روى أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكثر أهل الجنة البُلْهُ " وهو حديث صحيح . أي البُلْه عن معاصي الله . قال الأزهري : الأبله هنا هو الذي طبع على الخير وهو غافل عن الشر لا يعرفه . وقال القتبي : البله هم الذين غلبت عليهم سلامة الصدور وحسن الظن بالناس .