Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 78-82)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } أي يرشدني إلى الدين . { وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } أي يرزقني . ودخول { هو } تنبيه على أن غيره لا يُطعم ولا يسَقي كما تقول : زيد هو الذي فعل كذا أي لم يفعله غيره . { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } قال : { مَرِضْتُ } رعاية للأدب وإلا فالمرض والشفاء من الله عز وجل جميعاً . ونظيره قول فتى موسى : { وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ } [ الكهف : 63 ] . { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } يريد البعث وكانوا ينسبون الموت إلى الأسباب فبيّن أن الله هو الذي يميت ويحيي . وكله بغير ياء : { يهدين } { يشفين } لأن الحذف في رؤوس الآي حسن لتتفق كلها . وقرأ ابن أبي إسحاق على جلالته ومحله من العربية هذه كلها بالياء لأن الياء اسم وإنما دخلت النون لعلة . فإن قيل : فهذه صفة تجمع الخلق فكيف جعلها إبراهيم دليلاً على هدايته ولم يهتد بها غيره ؟ قيل : إنما ذكرها احتجاجا على وجوب الطاعة لأن من أنعم وجب أن يطاع ولا يعصى ليلتزم غيره من الطاعة ما قد التزمها وهذا إلزام صحيح . قلت : وتجوّز بعض أهل الإرشارات في غوامض المعاني فعدل عن ظاهر ما ذكرناه إلى ما تدفعه بدائه العقول من أنه ليس المراد من إبراهيم . فقال : { وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } أي يطعمني لذة الإيمان ويسقين حلاوة القبول . ولهم في قوله : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } وجهان : أحدهما : إذا مرضت بمخالفته شفاني برحمته . الثاني : إذا مرضت بمقاساة الخلق ، شفاني بمشاهدة الحق . وقال جعفر بن محمد الصادق : إذا مرضت بالذنوب شفاني بالتوبة . وتأولوا قوله : { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } على ثلاثة أوجه : فالذي يميتني بالمعاصي يحييني بالطاعات . الثاني : يميتني بالخوف يحييني بالرجاء . الثالث : يميتني بالطمع ويحييني بالقناعة . وقول رابع : يميتني بالعدل ويحييني بالفضل . وقول خامس : يميتني بالفراق ويحييني بالتلاق . وقول سادس : يميتني بالجهل ويحييني بالعقل إلى غير ذلك مما ليس يشيء منه مراد من الآية فإن هذه التأويلات الغامضة ، والأمور الباطنة ، إنما تكون لمن حذق وعرف الحق ، وأما من كان في عمى عن الحق ولا يعرف الحق فكيف ترمز له الأمور الباطنة ، وتترك الأمور الظاهرة ؟ هذا محال . والله أعلم . قوله تعالى : { وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ٱلدِّينِ } { أَطَمْعُ } أي أرجو . وقيل : هو بمعنى اليقين في حقه ، وبمعنى الرجاء في حق المؤمنين سواه . وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق { خَطَايَايَ } وقال : ليست خطيئة واحدة . قال النحاس : خطيئة بمعنى خطايا معروف في كلام العرب ، وقد أجمعوا على التوحيد في قوله عز وجل : { فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ } [ الملك : 11 ] ومعناه بذنوبهم . وكذا { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } [ البقرة : 43 ] معناه الصلوات ، وكذا { خَطِيئَتِي } إن كانت خطايا . والله أعلم . قال مجاهد : يعني بخطيئته قوله : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا } [ الأنبياء : 63 ] وقوله : { إِنِّي سَقِيمٌ } [ الصافات : 89 ] وقوله : إن سارة أخته . زاد الحسن وقوله للكوكب : { هَذَا رَبِّي } وقد مضى بيان هذا مستوفى . وقال الزجاج : الأنبياء بشر فيجوز أن تقع منهم الخطيئة نعم لا تجوز عليهم الكبائر لأنهم معصومون عنها . { يَوْمَ ٱلدِّينِ } يوم الجزاء حيث يجازى العباد بأعمالهم . وهذا من إبراهيم إظهار للعبودية وإن كان يعلم أنه مغفور له . وفي صحيح مسلم عن عائشة قلت يا رسول الله : ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ، ويطعم المسكين ، فهل ذلك نافعه ؟ قال : " لا ينفعه إنه لم يقل يوماً { رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْم الدِّينِ } " .