Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 29-31)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه ست مسائل : الأولى : قوله تعالى : { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ } في الكلام حذف والمعنى : فذهب فألقاه إليهم فسمعها وهي تقول : { يَأَيُّهَا الْمَلأُ } ثم وصفت الكتاب بالكريم إما لأنه من عند عظيم في نفسها ونفوسهم فعظمته إجلالاً لسليمان عليه السلام وهذا قول ابن زيد : . وإما أنها أشارت إلى أنه مطبوع عليه بالخاتم ، فكرامة الكتاب ختمه وروي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : لأنه بدأ فيه بـ { ـبسم الله الرحمن الرحيم } وقد قال صلى الله عليه وسلم : " كل كلام لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم " وقيل : لأنه بدأ فيه بنفسه ، ولا يفعل ذلك إلا الجلّة . وفي حديث ابن عمر أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان يبايعه : من عبد الله لعبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إني أقرّ لك بالسمع والطاعة ما استطعت ، وإن بَنِيّ قد أقرّوا لك بذلك . وقيل : توهمت أنه كتاب جاء من السماء إذ كان الموصِّل طيراً . وقيل : { كَرِيمٌ } حسن كقوله : { وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } [ الشعراء : 58 ] أي مجلس حسن . وقيل : وصفته بذلك لما تضمن من لين القول والموعظة في الدعاء إلى عبادة الله عز وجل ، وحسن الاستعطاف والاستلطاف من غير أن يتضمن سبًّا ولا لعناً ، ولا ما يغيّر النفس ، ومن غير كلام نازل ولا مستغلق على عادة الرسل في الدعاء إلى الله عز وجل ألا ترى إلى قول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : { ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ } [ النحل : 125 ] وقوله لموسى وهارون : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } [ طه : 44 ] . وكلها وجوه حسان وهذا أحسنها . وقد روي أنه لم يكتب بسم الله الرحمن الرحيم أحد قبل سليمان . وفي قراءة عبد الله { وَإِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَان } بزيادة واو . الثانية : الوصف بالكريم في الكتاب غاية الوصف ألا ترى قوله تعالى : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } [ الواقعة : 77 ] وأهل الزمان يصفون الكتاب بالخطير وبالأثير وبالمبرور فإن كان لملك قالوا : العزيز وأسقطوا الكريم غفلة ، وهو أفضلها خصلة . فأما الوصف بالعزيز فقد وصف به القرآن في قوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } [ فصلت : 41 42 ] فهذه عزته وليست لأحد إلا له فاجتنبوها في كتبكم ، واجعلوا بدلها العالي توفية لحق الولاية ، وحياطة للديانة قاله القاضي أبو بكر بن العربي . الثالثة : كان رسم المتقدّمين إذا كتبوا أن يبدؤوا بأنفسهم من فلان إلى فلان ، وبذلك جاءت الآثار . وروى الربيع عن أنس قال : ما كان أحد أعظم حرمة من النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان أصحابه إذا كتبوا بدؤوا بأنفسهم . وقال ابن سيرين قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أهل فارس إذا كتبوا بدؤوا بعظمائهم فلا يبدأ الرجل إلا بنفسه " قال أبو الليث في كتاب « البستان » له : ولو بدأ بالمكتوب إليه لجاز لأن الأمة قد اجتمعت عليه وفعلوه لمصلحة رأوا في ذلك ، أو نسخ ما كان من قبل فالأحسن في زماننا هذا أن يبدأ بالمكتوب إليه ، ثم بنفسه لأن البداية بنفسه تعدّ منه استخفافاً بالمكتوب إليه وتكبّراً عليه إلا أن يكتب إلى عبد من عبيده ، أو غلام من غلمانه . الرابعة : وإذا ورد على إنسان كتاب بالتحية أو نحوها ينبغي أن يرد الجواب لأن الكتاب من الغائب كالسلام من الحاضر . وروي عن ابن عباس أنه كان يرى رد الكتاب واجباً كما يرى رد السلام . والله أعلم . الخامسة : اتفقوا على كتب « بسم الله الرحمن الرحيم » في أوّل الكتب والرسائل ، وعلى ختمها لأنه أبعد من الريبة ، وعلى هذا جرى الرسم ، وبه جاء الأثر عن عمر بن الخطاب أنه قال : أيما كتاب لم يكن مختوماً فهو أغلف . وفي الحديث : " كرم الكتاب خَتْمُه " وقال بعض الأدباء هو ابن المقفع : من كتب إلى أخيه كتاباً ولم يختمه فقد استخف به لأن الختم ختم . وقال أنس : لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى العجم فقيل له : إنهم لا يقبلون إلا كتاباً عليه ختم فاصطنع خاتماً ونقش على فصه لا إلٰه إلا الله محمد رسول الله وكأني أنظر إلى وبِيصِه وبياضه في كفّه . السادسة : قوله تعالى : { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } { وَإنَّهُ } بالكسر فيهما أي وإن الكلام ، أو إن مبتدأ الكلام { بسم الله الرحمن الرحيم } . وأجاز الفراء { أَنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَأَنَّهُ } بفتحهما جميعاً على أن يكونا في موضع رفع بدل من الكتاب بمعنى ألقى إليّ أنه من سليمان . وأجاز أن يكونا في موضع نصب على حذف الخافض أي لأنه من سليمان ولأنه كأنها عللت كرمه بكونه من سليمان وتصديره بسم الله . وقرأ الأشهب العُقَيليّ ومحمد بن السَّمَيْقع : { أَلاَّ تَغْلُوا } بالغين المعجمة وروي عن وهب بن منبّه من غلا يغلوا إذا تجاوز وتكبّر . وهي راجعة إلى معنى قراءة الجماعة . { وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } أي منقادين طائعين مؤمنين .