Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 32-34)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي } الملأ أشراف القوم وقد مضى في سورة « البقرة » القول فيه . قال ابن عباس : كان معها ألف قَيْل . وقيل : اثنا عشر ألف قَيْل مع كل قَيْل مائة ألف . والقَيْل الملِك دون الملِك الأعظم . فأخذت في حسن الأدب مع قومها ، ومشاورتهم في أمرها ، وأعلمتهم أن ذلك مطرد عندها في كل أمر يعرض ، بقولها : { مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } فكيف في هذه النازلة الكبرى . فراجعها الملأ بما يقر عينها ، من إعلامهم إياها بالقوّة والبأس ، ثم سلّموا الأمر إلى نظرها وهذه محاورة حسنة من الجميع . قال قتادة : ذكر لنا أنه كان لها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً هم أهل مشورتها ، كل رجل منهم على عشرة آلاف . الثانية : في هذه الآية دليل على صحة المشاورة . وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } [ آل عمران : 159 ] في « آل عمران » إما استعانة بالآراء ، وإما مداراة للأولياء . وقد مدح الله تعالى الفضلاء بقوله : { وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ } [ الشورى : 38 ] . والمشاورة من الأمر القديم وخاصة في الحرب فهذه بلقيس امرأة جاهلية كانت تعبد الشمس : { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } لتختبر عزمهم على مقاومة عدوهم ، وحزمهم فيما يقيم أمرهم ، وإمضائهم على الطاعة لها ، بعلمها بأنهم إن لم يبذلوا أنفسهم وأموالهم ودماءهم دونها لم يكن لها طاقة بمقاومة عدوها ، وإن لم يجتمع أمرهم وحزمهم وجِدّهم كان ذلك عوناً لعدوهم عليهم ، وإن لم تختبر ما عندهم ، وتعلم قدر عزمهم لم تكن على بصيرة من أمرهم ، وربما كان في استبدادها برأيها وهن في طاعتها ، ودخيلة في تقدير أمرهم ، وكان في مشاورتهم وأخذ رأيهم عون على ما تريده من قوّة شوكتهم ، وشدّة مدافعتهم ألا ترى إلى قولهم في جوابهم : { نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ } . قال ابن عباس : كان من قوّة أحدهم أنه يَركُض فرسَه حتى إذا احتدّ ضم فخذيه فحبسه بقوّته . الثالثة : قوله تعالى : { وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } سلّموا الأمر إلى نظرها مع ما أظهروا لها من القوّة والبأس والشدّة ، فلما فعلوا ذلك أخبرت عند ذلك بفعل الملوك بالقُرى التي يتغلبون عليها . وفي هذا الكلام خوف على قومها ، وحيطة واستعظام لأمر سليمان عليه السلام . { وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } قيل : هو من قول بلقيس تأكيداً للمعنى الذي أرادته . وقال ابن عباس : هو من قول الله عز وجل معرِّفاً لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته بذلك ومخبراً به . وقال وهب : لما قرأت عليهم الكتاب لم تعرف اسم الله ، فقالت : ما هذا ؟ ٰ فقال بعض القوم : ما نظن هذا إلا عفريتاً عظيماً من الجن يقتدر به هذا الملك على ما يريده فسكَّتوه . وقال الآخر : أراهم ثلاثة من العفاريت فسكَّتوه فقال شاب قد علم : يا سيدة الملوك ! إن سليمان ملِك قد أعطاه مَلِكُ السماء مُلْكاً عظيماً فهو لا يتكلم بكلمة إلا بدأ فيها بتسمية إلهه ، والله اسم مليك السماء ، والرحمن الرحيم نعوته فعندها قالت : { أَفْتُونِي فِي أَمْرِي } فقالوا : { نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ } في القتال { وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ } قوة في الحرب واللقاء { وَالأَمْرُ إِلَيْكِ } ردّوا أمرهم إليها لما جربوا على رأيها من البركة { فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } فـ { قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً } أهانوا شرفاءها لتستقيم لهم الأمور ، فصدق الله قولها . { وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } قال ابن الأنباري : { وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً } هذا وقف تام فقال الله عز وجل تحقيقاً لقولها : { وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } وشبيه به في سورة « الأعراف » { قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ } تم الكلام ، فقال فرعون : { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } . وقال ابن شجرة : هو قول بلقيس ، فالوقف { وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } أي وكذلك يفعل سليمان إذا دخل بلادنا .