Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 36-40)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَني بِمَالٍ } أي جاء الرسول سليمان بالهدية قال : { أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ } . قرأ حمزة ويعقوب والأعمش : بنون واحدة مشدّدة وياء ثابتة بعدها . الباقون بنونين وهو اختيار أبي عبيد لأنها في كل المصاحف بنونين . وقد روى إسحاق عن نافع أنه كان يقرأ : { أَتُمِدُّونِ } بنون واحدة مخففة بعدها ياء في اللفظ . قال ابن الأنباري : فهذه القراءة يجب فيها إثبات الياء عند الوقف ، ليصح لها موافقة هجاء المصحف . والأصل في النون التشديد ، فخفف التشديد من ذا الموضع كما خفف من : أشهد أنك عالم وأصله : أنك عالم . وعلى هذا المعنى بنى الذي قرأ : { يُشَاقُّونِ فِيهِم } [ النحل : 26 ] ، { أَتُحَاجُّونِ فِي اللَّهِ } [ الأنعام : 80 ] . وقد قالت العرب : الرجال يضربونِ ويقصدونِ ، وأصله يضربونِّي ويقصدونِّي : لأنه إدغام يضربونني ويقصدونني قال الشاعر : @ تَرْهبينِ والجِيدُ منِك لِلَيْلَى والحَشَاء والبُغَامُ والعينَانِ @@ والأصل ترهبيني فخفف . ومعنى { أَتُمِدُّونَنِي } أتزيدونني مالاً إلى ما تشاهدونه من أموالي . قوله تعالى : { فَمَآ آتَانِي ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ } أي فما أعطاني من الإسلام والملك والنبوّة خير مما أعطاكم ، فلا أفرح بالمال . و « آتَانِ » وقعت في كل المصاحف بغير ياء . وقرأ أبو عمرو ونافع وحفص : { آتَانِيَ اللَّهُ } بياء مفتوحة فإذا وقفوا حذفوا . وأما يعقوب فإنه يثبتها في الوقف ويحذف في الوصل لالتقاء الساكنين . الباقون بغير ياء في الحالين . { بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } لأنكم أهل مفاخرة ومكاثرة في الدنيا . قوله تعالى : { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ } أي قال سليمان للمنذر بن عمرو أمير الوفد ارجع إليهم بهديتهم . { فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا } لام القسم والنون لها لازمة . قال النحاس : وسمعت أبا الحسن بن كيسان يقول : هي لام توكيد وكذا كان عنده أن اللامات كلها ثلاث لا غير لام توكيد ، ولام أمر ، ولام خفض وهذا قول الحذاق من النحويين لأنهم يردّون الشيء إلى أصله : وهذا لا يتهيأ إلا لمن درب في العربية . ومعنى { لاَ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا } أي لا طاقة لهم عليها . { وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ } أي من أرضهم { أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ } . وقيل : { مِنْهَا } أي من قرية سبأ . وقد سبق ذكر القرية في قوله : { إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا } . { أَذِلَّةً } قد سُلبوا ملكهم وعزّهم . { وَهُمْ صَاغِرُونَ } أي مهانون أذلاء من الصّغر وهو الذل إن لم يسلموا فرجع إليها رسولها فأخبرها فقالت : قد عرفت أنه ليس بملك ولا طاقة لنا بقتال نبيّ من أنبياء الله . ثم أمرت بعرشها فجعل في سبعة أبيات بعضها في جوف بعض في آخر قصر من سبعة قصور وغلقت الأبواب ، وجعلت الحرس عليه ، وتوجهت إليه في اثني عشر ألف قَيْل من ملوك اليمن ، تحت كل قَيْل مائة ألف . قال ابن عباس : وكان سليمان مهيباً لا يبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه فنظر ذات يوم رَهجاً قريباً منه ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : بلقيس يا نبيّ الله . فقال سليمان لجنوده وقال وهب وغيره : للجن { أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } وقال عبد الله بن شداد . كانت بلقيس على فرسخ من سليمان لما قال : { أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا } وكانت خلفت عرشها بسبأ ، ووكّلت به حفظة . وقيل : إنها لما بعثت بالهدية بعثت رسلها في جندها لتغافص سليمان عليه السلام بالقتل قبل أن يتأهب سليمان لها إن كان طالب ملك ، فلما علم ذلك قال : { أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا } . قال ابن عباس : كان أمره بالإتيان بالعرش قبل أن يكتب الكتاب إليها ، ولم يكتب إليها حتى جاءه العرش . وقال ابن عطية : وظاهر الآيات أن هذه المقالة من سليمان عليه السلام بعد مجيء هديتها وردّه إياها ، وبعثه الهدهد بالكتاب ، وعلى هذا جمهور المتأولين . واختلفوا في فائدة استدعاء عرشها فقال قتادة : ذكر له بعظَم وجَوْدة فأراد أخذه قبل أن يعصمها وقومها الإسلام ويحمي أموالهم والإسلام على هذا الدِّين وهو قول ابن جريج . وقال ابن زيد : استدعاه ليريها القدرة التي هي من عند الله ، ويجعله دليلاً على نبوته لأخذه من بيوتها دون جيش ولا حرب و { مسلِمِينَ } على هذا التأويل بمعنى مستسلمين وهو قول ابن عباس . وقال ابن زيد أيضاً : أراد أن يختبر عقلها ولهذا قال : { نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ } . وقيل : خافت الجن أن يتزوج بها سليمان عليه السلام فيولد له منها ، فلا يزالون في السخرة والخدمة لنسل سليمان فقالت لسليمان في عقلها خلل فأراد أن يمتحنها بعرشها . وقيل : أراد أن يختبر صدق الهدهد في قوله : { وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } قاله الطبري . وعن قتادة : أحب أن يراه لما وصفه الهدهد . والقول الأوّل عليه أكثر العلماء لقوله تعالى : { قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } [ النمل : 38 ] . ولأنها لو أسلمت لحظر عليه مالها فلا يؤتى به إلا بإذنها . روي أنه كان من فضة وذهب مرصعاً بالياقوت الأحمر والجوهر ، وأنه كان في جوف سبعة أبيات عليه سبعة أغلاق . قوله تعالى : { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ } كذا قرأ الجمهور وقرأ أبو رجاء وعيسى الثقفي { عِفْرِيَةٌ } ورويت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه . وفي الحديث : " إن الله يُبغِض العِفرِية النفرِية " إتباع لعفرية . قال قتادة : هي الداهية قال النحاس : يقال للشديد إذا كان معه خبث ودهاء عِفر وعِفرية وعِفرِيت وعُفَارية . وقيل : { عفريت } أي رئيس . وقرأت فرقة : { قال عِفْرٌ } بكسر العين حكاه ابن عطية قال النحاس : من قال عفرية جمعه على عفار ، ومن قال : عفريت كان له في الجمع ثلاثة أوجه إن شاء قال عفريت ، وإن شاء قال عَفارٍ لأن التاء زائدة كما يقال : طواغٍ في جمع طاغوت ، وإن شاء عوض من التاء ياء فقال عَفارِي . والعفريت من الشياطين القوي المارد . والتاء زائدة . وقد قالوا : تَعَفْرَتَ الرجل إذا تخلق بخلق الأذاية . وقال وهب بن منبّه : اسم هذا العفريت كودن ذكره النحاس . وقيل : ذكوان ذكره السُّهيلي . وقال شعيب الجُبّائي : اسمه دعوان . وروي عن ابن عباس أنه صخر الجني . ومن هذا الاسم قول ذي الرُّمَّة : @ كأنّه كوكبٌ في إِثْرِ عِفْريةٍ مُصَوَّبٌ في سوادِ الليل مُنْقَضِبُ @@ وأنشد الكسائي : @ إذ قال شيطانُهُمُ العِفريتُ ليس لكمْ مُلكٌ ولا تثبِيتُ @@ وفي « الصحيح » عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن عفريتاً من الجن جعل يَفْتِك عليّ البارحة ليقطع عليّ الصلاةَ وإنّ الله أمكنني منه فَدَعَتُّه " وذكر الحديث . وفي البخاري " تَفلّت علي البارحةَ " مكان « جعل يَفْتِك » . وفي « الموطأ » عن يحيـى بن سعيد أنه قال : أُسرِي برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأى عفريتاً من الجن يطلبه بشعلة من نار ، كلما التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال جبريل : أفلا أعلِّمك كلماتٍ تقولهنّ إذا قلتهنّ طُفِئت شعلته وخَرّ لفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بلى » فقال : « أعوذ بالله الكريم وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن برٌّ ولا فاجر من شرّ ما ينزل من السماء وشرّ ما يَعرُج فيها وشرّ ما ذرأ في الأرض ، وشر ما يخرج منها ومن فِتَن الليل والنهار ومن طوارقِ الليل والنهار إلا طارقاً يَطرُق بخيرٍ يا رحمن » . قوله تعالى : { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } يعني في مجلسه الذي يحكم فيه . { وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } أي قويٌّ على حمله . { أَمِينٌ } على ما فيه . ابن عباس : أمين على فرج المرأة ذكره المهدوي . فقال سليمان أريد أسرع من ذلك فـ { ـقَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } أكثر المفسرين على أن الذي عنده علم من الكتاب آصف بن برخيا وهو من بني إسرائيل ، وكان صدّيقاً يحفظ اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أَعْطى ، وإذا دعي به أجاب . وقالت عائشة رضي الله عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن اسم الله الأعظم الذي دعا به آصف بن برخيا يا حيّ يا قيوُّم " قيل : وهو بلسانهم ، أهيا شراهيا وقال الزهري : دعاء الذي عنده اسم الله الأعظم يا إلٰهنا وإلٰه كل شيء إلٰهاً واحداً لا إلٰه إلا أنت ايتني بعرشها فمثُلَ بين يديه . وقال مجاهد : دعا فقال : يا إلٰهنا وإلٰه كل شيء يا ذا الجلال والإكرام . قال السُّهَيليّ : الذي عنده علم من الكتاب هو آصف بن برخيا ابن خالة سليمان وكان عنده اسم الله الأعظم من أسماء الله تعالى . وقيل : هو سليمان نفسه ولا يصح في سياق الكلام مثل هذا التأويل . قال ابن عطية : وقالت فرقة هو سليمان عليه السلام ، والمخاطبة في هذا التأويل للعفريت لما قال : { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } كأن سليمان استبطأ ذلك فقال له على جهة تحقيره : { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } واستدلّ قائلو هذه المقالة بقول سليمان : { هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي } . قلت : ما ذكره ابن عطية قاله النحاس في معاني القرآن له ، وهو قول حسن إن شاء الله تعالى . قال بحر : هو مَلَك بيده كتاب المقادير ، أرسله الله عند قول العفريت . قال السُّهَيليّ : وذكر محمد بن الحسن المقرىء أنه ضَبَّة بن أُدّ وهذا لا يصح أَلبتة لأن ضَبَّة هو ابن أُدّ ابن طابخة ، واسمه عمرو بن إلياس بن مُضر بن نِزار بن معَدّ : ومعدّ كان في مدة بختنصر ، وذلك بعد عهد سليمان بدهر طويل فإذا لم يكن معدّ في عهد سليمان ، فكيف ضَبّة بن أدّ وهو بعده بخمسة آباء ؟ ٰ وهذا بيّن لمن تأمله . ابن لهِيَعة : هو الخضر عليه السلام . وقال ابن زيد : الذي عنده علم من الكتاب رجل صالح كان في جزيرة من جزائر البحر ، خرج ذلك اليوم ينظر من ساكن الأرض وهل يعبد الله أم لا ؟ فوجد سليمان ، فدعا باسم من أسماء الله تعالى فجيء بالعرش . وقول سابع : إنه رجل من بني إسرائيل اسمه يمليخا كان يعلم اسم الله الأعظم ذكره القشيري . وقال ابن أبي بزة : الرجل الذي كان عنده علم من الكتاب اسمه أسطوم وكان عابداً في بني إسرائيل ذكره الغزنوي . وقال محمد بن المنكدر : إنما هو سليمان عليه السلام أما إن الناس يرون أنه كان معه اسم وليس ذلك كذلك إنما كان رجل من بني إسرائيل عالم آتاه الله علماً وفقهاً قال : { أَنَا آتيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } قال : هات . قال : أنت نبيّ لله ابن نبي الله فإن دعوت الله جاءك به ، فدعا الله سليمان فجاءه الله بالعرش . وقول ثامن : إنه جبريل عليه السلام قاله النّخَعي وروي عن ابن عباس . وعلم الكتاب على هذا علمه بكتب الله المنزلة ، أو بما في اللوح المحفوظ . وقيل : علم كتاب سليمان إلى بلقيس . قال ابن عطية : والذي عليه الجمهور من الناس أنه رجل صالح من بني إسرائيل اسمه آصف بن برخيا روي أنه صلّى ركعتين ، ثم قال لسليمان : يا نبيّ الله امدد بصرك فمدّ بصره نحو اليمن فإذا بالعرش ، فما ردّ سليمان بصره إلا وهو عنده . قال مجاهد : هو إدامة النظر حتى يرتد طرفه خاسئاً حسيراً . وقيل : أراد مقدار ما يفتح عينه ثم يطرف ، وهو كما تقول : افعل كذا في لحظة عين وهذا أشبه لأنه إن كان الفعل من سليمان فهو معجزة ، وإن كان من آصف أو من غيره من أولياء الله فهي كرامة ، وكرامة الوليّ معجزة النبيّ . قال القشيريّ : وقد أنكر كرامات الأولياء من قال إن الذي عنده علم من الكتاب هو سليمان ، قال للعفريت : { أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } . وعند هؤلاء ما فعل العفريت فليس من المعجزات ولا من الكرامات ، فإن الجن يقدرون على مثل هذا . ولا يقطع جوهر في حال واحدة مكانين ، بل يتصوّر ذلك بأن يعدم الله الجوهر في أقصى الشرق ثم يعيده في الحالة الثانية ، وهي الحالة التي بعد العدم في أقصى الغرب . أو يعدم الأماكن المتوسطة ثم يعيدها . قال القشيري : ورواه وهب عن مالك . وقد قيل : بل جيء به في الهواء قاله مجاهد . وكان بين سليمان والعرش كما بين الكوفة والحيرة . وقال مالك : كانت باليمن وسليمان عليه السلام بالشام . وفي « التفاسير » : انخرق بعرش بلقيس مكانه الذي هو فيه ثم نبع بين يدي سليمان قال عبد الله بن شدّاد : وظهر العرش من نفق تحت الأرض فالله أعلم أيّ ذلك كان . قوله تعالى : { فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ } أي ثابتاً عنده . { قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي } أي هذا النصر والتمكين من فضل ربي . { لِيَبْلُوَنِيۤ } قال الأخفش : المعنى لينظر { أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ } . وقال غيره : معنى { لِيَبْلُوَنِي } ليتعبدني وهو مجاز . والأصل في الابتلاء الاختبار أي ليختبرني أأشكر نعمته أم أكفرها { وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } أي لا يرجع نفع ذلك إلا إلى نفسه ، حيث استوجب بشكره تمام النعمة ودوامها والمزيد منها . والشكر قيد النعمة الموجودة ، وبه تنال النعمة المفقودة . { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ } أي عن الشكر { كَرِيمٌ } في التفضل .