Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 59-61)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } قال الفرّاء قال أهل المعاني : قيل للوط { قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ } على هلاكهم . وخالف جماعة من العلماء الفرّاء في هذا وقالوا : هو مخاطبة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أي قل الحمد لله على هلاك كفار الأمم الخالية . قال النحاس : وهذا أولى ، لأن القرآن منزل على النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل ما فيه فهو مخاطب به عليه السلام إلا ما لم يصح معناه إلا لغيره . وقيل : المعنى أي { قُلْ } يا محمد { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } يعني أمته عليه السلام . قال الكلبي : اصطفاهم الله بمعرفته وطاعته . وقال ابن عباس وسفيان : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلو هذه الآيات الناطقة بالبراهين على وحدانيته وقدرته على كل شيء وحكمته ، وأن يستفتح بتحميده والسلام على أنبيائه والمصطفين من عباده . وفيه تعليم حسن ، وتوقيف على أدب جميل ، وبعث على التيمن بالذكرين والتبرك بهما ، والاستظهار بمكانهما على قبول ما يلقى إلى السامعين ، وإصغائهم إليه ، وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المستمع . ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابراً عن كابر هذا الأدب ، فحمدوا الله وصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام كل علم مفاد ، وقبل كل عظة وفي مفتتح كل خطبة ، وتبعهم المترسلون فأجروا عليه أوائل كتبهم في الفتوح والتهاني ، وغير ذلك من الحوادث التي لها شأن . قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } اختار أي لرسالته وهم الأنبياء عليهم السلام دليله قوله تعالى : { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الصافات : 181 ] . { ءَآللَّهُ خَيْرٌ } وأجاز أبو حاتم « أَأَللَّهُ خَيْرٌ » بهمزتين . النحاس : ولا نعلم أحداً تابعه على ذلك لأن هذه المدّة إنما جيء بها فرقاً بين الاستفهام والخبر ، وهذه ألف التوقيف ، و { خَيْرٌ } ههنا ليس بمعنى أفضل منك ، وإنما هو مثل قول الشاعر : @ أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفِداء @@ فالمعنى فالذي فيه الشر منكما للذي فيه الخير الفداء . ولا يجوز أن يكون بمعنى من لأنك إذا قلت : فلان شر من فلان ففي كل واحد منهما شر . وقيل : المعنى الخير في هذا أم في هذا الذي تشركونه في العبادة ! وحكى سيبويه : السعادة أحب إليك أم الشقاء وهو يعلم أن السعادة أحب إليه . وقيل : هو على بابه من التفضيل ، والمعنى : آلله خير أم ما تشركون أي أثوابه خير أم عقاب ما تشركون . وقيل : قال لهم ذلك لأنهم كانوا يعتقدون أن في عبادة الأصنام خير فخاطبهم الله عز وجل على اعتقادهم . وقيل : اللفظ لفظ الاستفهام ومعناه الخبر . وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب : { يُشْرِكُونَ } بياء على الخبر . الباقون بالتاء على الخطاب ، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ هذه الآية يقول : " بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم " . قوله تعالى : { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } قال أبو حاتم : تقديره آلهتكم خير أم من خلق السموات والأرض وقد تقدّم . ومعناه : قدر على خلقهن . وقيل : المعنى أعبادة ما تعبدون من أوثانكم خير أم عبادة من خلق السموات والأرض ؟ فهو مردود على ما قبله من المعنى وفيه معنى التوبيخ لهم ، والتنبيه على قدرة الله عز وجل وعجز آلهتهم . { فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ } الحديقة البستان الذي عليه حائط . والبهجة المنظر الحسن . قال الفراء : الحديقة البستان المحظر عليه حائط ، وإن لم يكن عليه حائط فهو البستان وليس بحديقة . وقال قتادة وعكرمة : الحدائق النخل ذات بهجة ، والبهجة الزينة والحسن يبهج به من رآه . { مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا } { ما } للنفي ومعناه الحظر والمنع من فعل هذا أي ما كان للبشر ، ولا يتهيأ لهم ، ولا يقع تحت قدرتهم ، أن ينبتوا شجرها إذ هم عجزة عن مثلها ، لأن ذلك إخراج الشيء من العدم إلى الوجود . قلت : وقد يستدلّ من هذا على منع تصوير شيء سواء كان له روح أم لم يكن وهو قول مجاهد . ويعضده قوله صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي فليخلقوا ذَرَّة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة " رواه مسلم في « صحيحه » من حديث أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « قال الله عز وجل » فذكره فعم بالذم والتهديد والتقبيح كل من تعاطى تصوير شيء مما خلقه الله وضاهاه في التشبيه في خلقه فيما انفرد به سبحانه من الخلق والاختراع وهذا واضح . وذهب الجمهور إلى أن تصوير ما ليس فيه روح يجوز هو والاكتساب به . وقد قال ابن عباس للذي سأله أن يصنع الصور : إن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له خرجه مسلم أيضاً . والمنع أولى والله أعلم لما ذكرنا . وسيأتي لهذا مزيد بيان في « سبأ » إن شاء الله تعالى ثم قال على جهة التوبيخ : { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ } أي هل معبود مع الله يعينه على ذلك . { بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } بالله غيره وقيل : { يَعْدِلُونَ } عن الحق والقصد أي يكفرون . وقيل : { إِلَهٌ } مرفوع بـ { ـمع } تقديره : أمع الله ويلكم إله . والوقف على { مَعَ اللَّهِ } حسن . قوله تعالى : { أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً } أي مستقراً . { وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً } أي وسطها مثل : { وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } [ الكهف : 33 ] . { وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ } يعني جبالاً ثوابت تمسكها وتمنعها من الحركة . { وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً } مانعاً من قدرته لئلا يختلط الأجاج بالعذب . وقال ابن عباس : سلطاناً من قدرته فلا هذا يغيّر ذاك ولا ذاك يغيّر هذا والحجز المنع . { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله } أي إذا ثبت أنه لا يقدر على هذا غيره فلم يعبدون ما لا يضر ولا ينفع . { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني كأنهم يجهلون الله فلا يعلمون ما يجب له من الوحدانية .