Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 65-66)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَاواتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } . وعن بعضهم : أخفى غيبه على الخلق ، ولم يَطَّلع عليه أحد لئلا يأمن أحد من عبيده مكره . وقيل : نزلت في المشركين حين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن قيام الساعة . و { مَنْ } في موضع رفع والمعنى : قل لا يعلم أحد الغيب إلا الله فإنه بدل من { مَن } قاله الزجاج . الفراء : وإنما رفع ما بعد { إلا } لأن ما قبلها جحد ، كقوله : ما ذهب أحد إلا أبوك والمعنى واحد . قال الزجاج : ومن نصب نصب على الاستثناء يعني في الكلام . قال النحاس : وسمعته يحتج بهذه الآية على من صدّق منجِّماً وقال : أخاف أن يكفر بهذه الآية . قلت : وقد مضى هذا في « الأنعام » مستوفى . وقالت عائشة : من زعم أن محمداً يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية والله تعالى يقول : { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَاواتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } خرجه مسلم . وروي أنه دخل على الحجاج منجِّم فاعتقله الحجاج ، ثم أخذ حصيات فعدّهن ، ثم قال : كم في يدي من حصاة ؟ فحسب المنجم ثم قال : كذا فأصاب . ثم اعتقله فأخذ حصيات لم يعدهن فقال : كم في يدي ؟ فحسب فأخطأ ثم حسب فأخطأ ثم قال : أيها الأمير أظنك لا تعرف عددها قال : لا . قال : فإني لا أصيب . قال : فما الفرق ؟ قال : إن ذلك أحصيته فخرج عن حدّ الغيب ، وهذا لم تحصه فهو غيب و { لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَاواتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } وقد مضى هذا في « آل عمران » والحمد لله . قوله تعالى : { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ } هذه قراءة أكثر الناس منهم عاصم وشيبة ونافع ويحيـى بن وثّاب والأعمش وحمزة والكسائي . وقرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو وحميد : { بَلْ أَدْرَكَ } من الإدراك . وقرأ عطاء بن يسار وأخوه سليمان بن يسار والأعمش : { بَلِ ادَّرَكَ } غير مهموز مشدّداً . وقرأ ابن محيصن : { بَلْ أَادَّرَكَ } على الاستفهام . وقرأ ابن عباس : { بَلَى } بإثبات الياء { أَدَّارَكَ } بهمزة قطع والدال مشدّدة وألف بعدها قال النحاس : وإسناده إسناد صحيح ، هو من حديث شُعبة يرفعه إلى ابن عباس . وزعم هارون القارىء أن قراءة أبيّ { بَلْ تَدَارَكَ عِلْمُهُمْ } . وحكى الثعلبي أنها في حرف أبىّ " أم تدارك " . والعرب تضع بَلْ موضع أم و أم موضع بل إذا كان في أول الكلام استفهان كقول الشاعر : @ فوالله لا أدري أسلمى تقولت أم القول أم كل إلى حبيب @@ القراءة الأولى والأخيرة معناهما واحد لأن أصل « ٱدَّارَكَ » تدارك أدغمت الدال في التاء وجيء بألف الوصل وفي معناه قولان : أحدهما أن المعنى بل تكامل علمهم في الآخرة لأنهم رأوا كل ما وُعِدوا به معاينة فتكامل علمهم به . والقول الآخر أن المعنى : بل تتابع علمهم اليوم في الآخرة فقالوا تكون وقالوا لا تكون . القراءة الثانية فيها قولان : أحدهما : أن معناه كمل في الآخرة وهو مثل الأوّل قال مجاهد : معناه يدرك علمهم في الآخرة ويعلمونها إذا عاينوها حين لا ينفعهم علمهم لأنهم كانوا في الدنيا مكذِّبين . والقول الآخر : أنه على معنى الإنكار وهو مذهب أبي إسحاق واستدلّ على صحة هذا القول بأن بعده { بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ } أي لم يدرك علمهم علم الآخرة . وقيل : بل ضلّ وغاب علمهم في الآخرة فليس لهم فيها علم . والقراءة الثالثة : { بَلِ ادَّرَكَ } فهي بمعنى { بَلِ ادَّارَكَ } وقد يجيء افتعل وتفاعل بمعنى ولذلك صُحِّح ازدوجوا حين كان بمعنى تزاوجوا . القراءة الرابعة : ليس فيها إلا قول واحد يكون فيه معنى الإنكار كما تقول : أأنا قاتلتك ؟ ٰ فيكون المعنى لم يدرك وعليه ترجع قراءة ابن عباس قال ابن عباس : { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ } أي لم يدرك . قال الفرّاء : وهو قول حسن كأنه وجهه إلى الاستهزاء بالمكذبين بالبعث ، كقولك لرجل تكذبه : بَلَى لعمري قد أدركت السَّلَفَ فأنت تَروي ما لا أروي ! وأنت تكذبه . وقراءة سابعة : { بَلَ ادَّرَكَ } بفتح اللام عدل إلى الفتحة لخفتها . وقد حكي نحو ذلك عن قطرب في { قُمَ اللَّيْلَ } فإنه عدل إلى الفتح . وكذلك وبعَ الثوبَ ونحوه . وذكر الزمخشري في الكتاب : وقرىء { بَلْ أَأَدَّرَكَ } بهمزتين { بَلْ آأَدَّرَكَ } بألف بينهما { بَلَى أَأَدَّرَكَ } { أَمْ تَدَارَكَ } { أَمْ أَدَّرَكَ } فهذه ثنتا عشرة قراءة ، ثم أخذ يعلل وجوه القراءات وقال : فإن قلت فما وجه قراءة { بَلْ أَأَدَّرَكَ } على الاستفهام ؟ قلت : هو استفهام على وجه الإنكار لإدراك علمهم ، وكذلك من قرأ : « أَمْ أَدَّرَكَ » و « أَمْ تَدَارَكَ » لأنها أم التي بمعنى بل والهمزة ، وأما من قرأ : { بَلَى أَأَدَّرَكَ } على الاستفهام فمعناه بلى يشعرون متى يبعثون ، ثم أنكر علمهم بكونها ، وإذا أنكر علمهم بكونها لم يتحصل لهم شعور وقت كونها لأن العلم بوقت الكائن تابع للعلم بكون الكائن . { فِي الآخِرَةِ } في شأن الآخرة ومعناها . { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا } أي في الدنيا . { بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ } أي بقلوبهم واحدهم عمو . وقيل : عَمٍ وأصله عميون حذفت الياء لالتقاء الساكنين ولم يجز تحريكها لثقل الحركة فيها .