Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 57-58)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ } هذا قول مشركي مكة . قال ابن عباس : قائل ذلك من قريش الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف القرشيّ قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم : إنا لنعلم أن قولك حقّ ، ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك ، ونؤمن بك ، مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا يعني مكة لاجتماعهم على خلافنا ، ولا طاقة لنا بهم . وكان هذا من تعللاتهم فأجاب الله تعالى عما اعتلّ به فقال : { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً } أي ذا أمن . وذلك أن العرب كانت في الجاهلية يغير بعضهم على بعض ، ويقتل بعضهم بعضاً ، وأهل مكة آمنون حيث كانوا بحرمة الحرم ، فأخبر أنه قد أمّنهم بحرمة البيت ، ومنع عنهم عدوّهم ، فلا يخافون أن تستحل العرب حرمة في قتالهم . والتخطف الانتزاع بسرعة وقد تقدّم . قال يحيـى بن سَلام يقول : كنتم آمنين في حرمي ، تأكلون رزقي ، وتعبدون غيري ، أفتخافون إذا عبدتموني وآمنتم بي . { يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } أي يُجَمع إليه ثمراتُ كل أرض وبلد عن ابن عباس وغيره . يقال : جبى الماء في الحوض أي جمعه . والجابية الحوض العظيم . وقرأ نافع : { تُجْبَى } بالتاء لأجل الثمرات . الباقون بالياء لقوله : { كُلِّ شَيْءٍ } واختاره أبو عبيد . قال : لأنه حال بين الاسم المؤنث وبين فعله حائل ، وأيضاً فإن الثمرات جمع ، وليس بتأنيث حقيقي . { رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا } أي من عندنا . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي لا يعقلون أي هم غافلون عن الاستدلال ، وأن من رزقهم وأمَّنهم فيما مضى حال كفرهم يرزقهم لو أسلموا ، ويمنع الكفار عنهم في إسلامهم . و { رِزْقاً } نصب على المفعول من أجله . ويجوز نصبه على المصدر بالمعنى لأن معنى : { تُجْبَى } ترزق . وقرىء { يُجْنَى } بالنون من الجنا ، وتعديته بإلى كقولك يجني إلى فيه ويجنى إلى الخافَة . قوله تعالى : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } بيّن لمن توهم أنه لو آمن لقاتلته العرب أن الخوف في ترك الإيمان أكثر فكم من قوم كفروا ثم حلَّ بهم البوار ، والبطر الطغيان بالنعمة قاله الزجاج { مَعِيشَتَهَا } أي في معيشتها فلما حذف في تعدّى الفعل قاله المازني . الزجاج كقوله : { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً } [ الأعراف : 155 ] . الفرّاء : هو منصوب على التفسير . قال كما تقول : أبطرت مالك وبطرته . ونظيره عنده : { إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } [ البقرة : 130 ] وكذا عنده . { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً } [ النساء : 4 ] ونصب المعارف على التفسير محال عند البصريين لأن معنى التفسير والتمييز أن يكون واحداً نكرة يدلّ على الجنس . وقيل : انتصب بـ { ـبَطِرَتْ } ومعنى : { بَطِرَتْ } جهلت فالمعنى : جهلت شكر معيشتها . { فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً } أي لم تسكن بعد إهلاك أهلها إلا قليلاً من المساكن وأكثرها خراب . والاستثناء يرجع إلى المساكن أي بعضها يسكن قاله الزجاج . واعترض عليه فقيل : لو كان الاستثناء يرجع إلى المساكن لقال إلا قليل لأنك تقول : القوم لم تضرب إلا قليل ترفع إذا كان المضروب قليلاً ، وإذا نصبت كان القليل صفة للضرب أي لم تضرب إلا ضرباً قليلاً ، فالمعنى إذاً : فتلك مساكنهم لم يسكنها إلا المسافرون ومن مرّ بالطريق يوماً أو بعض يوم ، أي لم تُسْكن من بعدهم إلا سكوناً قليلاً . وكذا قال ابن عباس : لم يسكنها إلا المسافر أو مارّ الطريق يوماً أو ساعة . { وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ } أي لما خلّفوا بعد هلاكهم .