Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 20-25)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } أي قل لهم يا محمد سيروا في الأرض { فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ } على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم ، وانظروا إلى مساكن القرون الماضية وديارهم وآثارهم كيف أهلكهم لتعلموا بذلك كمال قدرة الله . { ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ } وقرأ أبو عمرو وابن كثير : { النَّشَاءَةَ } بفتح الشين وهما لغتان مثل الرأفةِ والرآفةِ وشبهه . الجوهري : أنشأه الله خلقه ، والاسم النشأة والنشاءة بالمدّ عن أبي عمرو بن العلاء . { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } أي بعدله . { وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ } أي بفضله . { وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ } ترجعون وتردون . { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } قال الفرّاء : معناه ولا من في السماء بمعجزين الله وهو غامض في العربية للضمير الذي لم يظهر في الثاني . وهو كقول حسان : @ فمن يَهْجو رسول اللَّهِ منكم ويمَدحُهُ ويَنصرُه سَواءُ @@ أراد ومَن يمدحه وينصره سواء فأضمر مَن وقاله عبد الرحمن بن زيد . ونظيره قوله سبحانه : { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [ الصافات : 164 ] أي مَن له . والمعنى إن الله لا يعجزه أهل الأرض في الأرض ولا أهل السماء إن عصوه . وقال قُطْرُب : ولا في السماء لو كنتم فيها ، كما تقول : لا يفوتني فلان بالبصرة ولا هاهنا ، بمعنى لا يفوتني بالبصرة لو صار أليها . وقيل : لا يستطيعون هرباً في الأرض ولا في السماء . وقال المبرّد : والمعنى ولا مَن في السماء على مَن ليست موصولة ولكن تكون نكرة و { فِي السَّمَاءِ } صفة لها ، فأقيمت الصفة مقام الموصوف . وردّ ذلك عليّ بن سليمان . وقال : لا يجوز . وقال : إن مَن إذا كانت نكرة فلا بد من وصفها فصفتها كالصلة ، ولا يجوز حذف الموصول وترك الصلة قال : والمعنى إن الناس خوطبوا بما يعقلون والمعنى لو كنتم في السماء ما أعجزتم الله كما قال : { وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } [ النساء : 78 ] . { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } ويجوز { نَصِيرٌ } بالرفع على الموضع ، وتكون { مِن } زائدة . { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِ } أي بالقرآن أو بما نصب من الأدلة والأعلام . { أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي } أي من الجنة ونسب اليأس إليهم والمعنى أويسوا . وهذه الآيات اعتراض من الله تعالى تذكيراً وتحذيراً لأهل مكة . ثم عاد الخطاب إلى قصة إبراهيم . فقال : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } حين دعاهم إلى الله تعالى { إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ } ثم اتفقوا على تحريقه { فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ } أي من إذايتها { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } أي في إنجائه من النار العظيمة حتى لم تحرقه بعد ما ألقي فيها { لآيَاتٍ } . وقراءة العامة { جَوَابَ } بنصب الباء على أنه خبر كان و { أَنْ قَالُوا } في محل الرفع اسم كان . وقرأ سالم الأفطس وعمرو بن دينار : { جَوَابُ } بالرفع على أنه اسم { كان } و { أَنْ } في موضع الخبر نصباً . { وَقَالَ } إبراهيم { إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } وقرأ حفص وحمزة : { مَوَدَّة بَيْنِكُمْ } . وابن كثير وأبو عمرو والكسائي : { مَوَدَّةٌ بَيْنِكُمْ } . والأعشى عن أبي بكر عن عاصم وابن وثاب والأعمش : { مَوَدَّةٌ بَيْنَكُمْ } . الباقون . { مَوَدَّةُ بَيْنَكُمْ } . فأما قراءة ابن كثير ففيها ثلاثة أوجه ذكر الزجاج منها وجهين : أحدهما : أن المودة ارتفعت على خبر إنّ وتكون { ما } بمعنى الذي . والتقدير إن الذي اتخذتموه من دون الله أوثاناً مودّةُ بينِكم . والوجه الآخر : أن يكون على إضمار مبتدأ أي هي مودّةُ أو تلك مودّةُ بينِكم . والمعنى آلهتكم أو جماعتكم مودّةُ بينِكم . قال ابن الأنباري : { أَوْثَاناً } وقف حسن لمن رفع المودّة بإضمار ذلك مودّة بينكم ، ومن رفع المودّة على أنها خبر إنّ لم يقف . والوجه الثالث الذي لم يذكره أن يكون { مَوَدَّةُ } رفعاً بالابتداء و { فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا } خبره فأما إضافة { مَوَدَّةُ } إلى { بَيْنِكُمْ } فإنه جعل { بَيْنِكُمْ } اسماً غير ظرف ، والنحويون يقولون جعله مفعولاً على السعة . وحكى سيبويه : يا سارق الليلة أهل الدار . ولا يجوز أن يضاف إليه وهو ظرف لعلةٍ ليس هذا موضع ذكرها . ومن رفع { مَوَدَّةٌ } ونوّنها فعلى معنى ما ذكر ، و { بَيْنَكُمْ } بالنصب ظرفاً . ومن نصب { مَوَدَّةَ } ولم ينوّنها جعلها مفعولة بوقوع الاتخاذ عليها وجعل { إنما } حرفاً واحداً ولم يجعلها بمعنى الذي . ويجوز نصب المودّة على أنه مفعول من أجله كما تقول : جئتك ابتغاء الخير ، وقصدت فلاناً مودّة له { بينِكم } بالخفض . ومن نوّن { مَوَدَّةً } ونصبها فعلى ما ذكر { بَيْنَكُمْ } بالنصب من غير إضافة ، قال ابن الأنباري : ومن قرأ : { مَوَدَّةً بَيْنَكُمْ } و { مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ } لم يقف على الأوثان ، ووقف على الحياة الدنيا . ومعنى الآية جعلتم الأوثان تتحابون عليها وعلى عبادتها في الحياة الدنيا { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } تتبرأ الأوثان من عبّادها والرؤساء من السفلة كما قال الله عز وجل : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 67 ] . { وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ } هو خطاب لعبدة الأوثان الرؤساء منهم والأتباع . وقيل : تدخل فيه الأوثان كقوله تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] .