Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 110-110)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } فيه ثلاث مسائل : الأولى : روى الترمذيّ عن بَهْز بن حكيم عن أبيه عن جدّه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال : " أنتم تُتمّون سبعين أُمَّة أنتم خيرها وأكرمها عند الله " وقال : هذا حديث حسن . وقال أبو هريرة : نحن خير الناس للناس نسوقهم بالسلاسل إلى الإسلام . وقال ٱبن عباس : هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وشهدوا بَدْراً والحُديبِيّة . وقال عمر بن الخطاب : من فعل فعلهم كان مثلهم . وقيل : هم أمّة محمد صلى الله عليه وسلم ، يعني الصالحين منهم وأهل الفضل . وهم الشهداء على الناس يوم القيامة كما تقدّم في البقرة . وقال مجاهد : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } على الشرائط المذكورة في الآية . وقيل : معناه كنتم في اللوح المحفوظ . وقيل : كنتم مُذْ آمنتم خيرَ أمَّةٍ . وقيل : جاء ذلك لتقدّم البشارة بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وأمّته . فالمعنى كنتم عند من تقدّمكم من أهل الكتب خيرَ أمّةٍ . وقال الأخفش : يريد أهل أمّةٍ ، أي خير أهل دين وأنشد : @ حلفتُ فلم أتْركْ لنفسك رِيبةً وهلْ يأْثَمَنْ ذو أمَّةٍ وهو طائعُ @@ وقيل : هي كان التامّة ، والمعنى خُلِقْتم ووُجِدتُم خيرَ أمّةٍ . « فخير أمّة » حال . وقيل : كان زائدة ، والمعنى أنتم خير أمّةٍ . وأنشد سيبويه : @ وجِيـرانٍ لنـا كانـوا كـرامِ @@ ومثله قوله تعالى : { كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } [ مريم : 29 ] . وقوله : { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ } [ الأعراف : 86 ] . وقال في موضع آخر : { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ } [ الأنفال : 26 ] . وروى سفيان عن مَيْسَرة الأشجعيّ عن أبي حازم عن أبي هريرة { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال : تجرّون الناس بالسلاسل إلى الإسلام . قال النحاس : والتقدير على هذا كنتم للناس خير أمّة . وعلى قول مجاهد : كنتم خيرَ أمّةٍ إذ كنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر . وقيل : إنما صارت أمَّةٍ محمد صلى الله عليه وسلم خير أمَّةٍ لأن المسلمين منهم أكثر ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم أَفْشَى . فقيل : هذا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال صلى الله عليه وسلم : " خير الناس قرني " أي الذين بعثت فيهم . الثانية : وإذا ثبت بنَصِّ التنزيل أن هذه الأمة خير الأمم فقد روى الأئمّة من حديث عِمران بن حصين عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " الحديث وهذا يدل على أن أوّل هذه الأمة أفضل ممن بعدهم ، وإلى هذا ذهب معظم العلماء ، وأن من صحب النبيّ صلى الله عليه وسلم ورآه ولو مرّة في عمره أفضل ممن يأتي بعده ، وأن فضيلة الصحبة لا يعدِلها عمل . وذهب أبو عمر بن عبد البِّر إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة أفضل ممن كان في جملة الصحابة ، وأن قوله عليه السَّلام : " خير الناس قرني " ليس على عمومه بدليل ما يجمع القرن من الفاضل والمفضول . وقد جمع قرنه جماعة من المنافقين المظهِرين للإيمان وأهلِ الكبائر الذين أقام عليهم أو على بعضهم الحدود ، وقال لهم : ما تقولون في السارق والشارب والزاني . وقال مُوَاجهةً لمن هو في قرنه : " لا تسبوا أصحابي " و " قال لخالد بن الوليد في عمّار : « لا تسب من هوخير منك » " وروى أبو أمَامة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى سبع مرّات لمن لم يرني وآمن بي " وفي مسند أبي داود الطيالِسِيّ عن محمد بن أبي حميد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال : كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " « أتدرون أي الخلق أفضل إيماناً » قلنا الملائكة . قال : « وحق لهم بل غيرهم » قلنا الأنبياء . قال : « وحق لهم بل غيرهم » ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أفضل الخلق إيماناً قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني يجِدون ورقا فيعملون بما فيها فهم أفضل الخلق إيماناً » " وروى صالح بن جبير عن أبي جُمْعَة قال : " قلنا يا رسول الله ، هل أحد خير منا ؟ قال : « نعم قوم يجِيئون من بعدكم فيجدون كتاباً بين لوحين فيؤمنون بما فيه ويؤمنون بي ولم يروني » " وقال أبو عمر : وأبو جمعة له صحبة وٱسمه حَبِيب بن سِبَاع ، وصالح بن جبير من ثِقَات التابعين . وروى أبو ثعلبة الخشنِي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " « إن أمامكم أياماً الصّابر فيها على دينه كالقابض على الجَمْر للعامل فيها أجر خمسين رجلاً يعمل مثل عمله » قيل : يا رسول الله ، منهم ؟ قال : « بل منكم » " قال أبو عمر : وهذه اللفظة { بَلِ مِّنكُمْ } قد سكت عنها بعض المحدّثين فلم يذكرها . وقال عمر بن الخطاب في تأويل قوله : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال : من فعل مثل فعلِكم كان مثلكم . ولا تعارض بين الأحاديث لأن الأوّل على الخصوص ، والله الموفِّق . وقد قيل في توجيه أحاديث هذا الباب : إن قرنه إنما فُضِّل لأنهم كانوا غُرَبَاء في إيمانهم لكثرة الكفار وصبرِهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم ، وإن أواخر هذه الأمّة إذا أقاموا الدِّين وتمسّكوا به وصبروا على طاعة ربهم في حين ظهور الشر والفسق والهَرَج والمعاصي والكبائر كانوا عند ذلك أيضاً غُرَبَاء ، وزكت أعمالهم في ذلك الوقت كما زَكَتْ أعمال أوائلهم ، و مما يشهد لهذا قوله عليه السَّلام : " بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء " ويشهد له أيضاً حديث أبي ثعلبة ، ويشهد له أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم : " أُمَّتي كالمطر لا يُدْرَى أوّلُه خيرٌ أم آخره " ذكره أبو داود الطيالسِيّ وأبو عيسى الترمذي ، ورواه هشام بن عبيد الله الرازي عن مالكٍ عن الزهري عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل أمتي مثل المطرِ لا يُدْرَى أوّله خيرٌ أم آخره " ذكره الدارقطنِي في مسند حديث مالك . قال أبو عمر : هشام بن عبيد الله ثقةٌ لا يختلفون في ذلك . وروي أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة كتب إلى سالم بن عبد الله أن ٱكتب إليّ بسيرة عمر بن الخطاب لأعمل بها فكتب إليه سالم : إن عملت بسيرة عمر فأنت أفضل من عمر لأن زمانك ليس كزمان عمر ، ولا رجالك كرجال عمر . وكتب إلى فقهاء زمانه ، فكلُّهم كتب إليه بمثل قول سالم . وقد عارض بعض الجِلّة من العلماء قوله صلى الله عليه وسلم : " خير الناس قرنِي " بقوله صلى الله عليه وسلم : " خير الناس من طال عمره وحَسُن عملُه وشرُّ الناس من طال عمره وساء عمله " قال أبو عمر : فهذه الأحاديث تقتضي مع تَوَاتُر طرقها وحسنها التّسْويةَ بين أوّلِ هذه الأمّة وآخرِها . والمعنى في ذلك ما تقدّم ذكره من الإيمان والعمل الصالح في الزمان الفاسد الذي يرفع فيه من أهل العلم والدين ، ويكثر فيه الفسق والهَرَج ، ويُذَلّ المؤمنُ ويُعَزُّ الفاجر ويعود الدين غَرِيباً كما بدا غَرِيباً ويكون القائمُ فيه كالقابض على الجمر ، فيستوي حينئذ أوّل هذه الأمّة بآخرها في فضل العمل إلاَّ أهل بدَرُ والحُديبية ، ومن تدبّر آثار هذا الباب بان له الصّواب ، والله يؤتي فضله من يشاء . الثالثة : قوله تعالىٰ : { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } مدح هذه الأمّة ما أقاموا ذلك وٱتصفوا به . فإذا تركوا التغيير وتَواطَئوا على المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم ٱسم الذَّمِّ ، وكان ذلك سبباً لهلاكهم . وقد تقدّم الكلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أوّل السورة . قوله تعالىٰ : { وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } أخبر أن إيمان أهل الكتاب بالنبيّ صلى الله عليه وسلم خيرٌ لهم ، وأخبر أن منهم مؤمناً وفاسقاً ، وأن الفاسق أكثر .