Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 112-115)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ } يعني اليهود . { أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ } أي وُجدوا ولُقُوا ، وتَمّ الكلام . وقد مضى في البقرة معنى ضربِ الذّلّة عليهم . { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ } ٱستثناء منقطع ليس من الأوّل . أي لكنهم يعتصمون بحبل من الله . { وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } يعني الذِّمّة التي لهم . والناس : محمدٌ والمؤمنون يؤدّون إليهم الخَراج فيؤمِّنونهم . وفي الكلام ٱختصار ، والمعنى : إلاَّ أن يعتصموا بحبل من الله ، فحذف قاله الفرّاء : { وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } أي رجعوا . وقيل ٱحتملوا . وأصله في اللغة أنه لزمهم ، وقد مضى في البقرة . ثم أخبر لِم فعل ذلك بهم فقال : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } وقد مضى في البقرة مستوفى . ثم أخبر فقال : { لَيْسُواْ سَوَآءً } وتمّ الكلام . والمعنى : ليس أهل الكتاب وأمّة محمد صلى الله عليه وسلم سواء عن ٱبن مسعود . وقيل : المعنى ليس المؤمنون والكافرون من أهل الكتاب سواء . وذكر أبو خَيْثَمَة زُهَيْر بن حَرْب حدّثنا هاشم بن القاسم حدّثنا شيبان عن عاصم عن زر عن ٱبن مسعود قال : " أخَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصَّلاة فقال : « إنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله تعالىٰ في هذه الساعة غيركم » " قال : وأنزلت هذه الآية : { لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ } إلى قوله : { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } وروى ٱبن وهب مثله . وقال ٱبن عباس : قول الله عزّ وجلّ { مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } من آمن مع النبيّ صلى الله عليه وسلم . وقال ٱبن إسحاق عن ٱبن عباس لما أسلم عبد الله بن سلام ، وثعلبة بن سَعْيَة ، وأَسِيد بن سعية ، وأسيد بن عبيد ، ومن أسلم من يهود فآمنوا وصدّقوا ورغبوا في الإسلام ورسخوا فيه ، قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم : ما آمن بمحمد ولا تبعه إلاَّ شرارنا ، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره فأنزل الله عزّ وجلّ في ذلك من قولهم : { لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } . إلى قوله : { وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } . وقال الأخفش : التقدير من أهل الكتاب ذو أُمّة ، أي ذو طريقة حسنة . وأنشد : @ وهـل يَأْتَمَـنْ ذُو إمّـةٍ وَهْـوَ طَائِـعُ @@ وقيل : في الكلام حذف والتقدير من أهل الكتاب أمّة قائمة وأخرى غير قائمة ، فترك الأخرى ٱكتفاء بالأولىٰ كقوله أبي ذؤيب : @ عصَانِي إلَيْها القلبُ إنِّي لأمْرِهِ مُطيعٌ فما أدرِي أَرُشْدٌ طِلابُها @@ أراد : أرُشْد أم غَيٌّ ، فحذف . قال الفرّاء : « أمّة » رفع بـ « ـسواء » ، والتقدير : ليس يستوي امّة من أهل الكتاب قائمة يتلون آيات الله وأمّة كافرة . قال النحاس : هذا قول خطأ من جهات : إحداها أنه يرفع « أمة » بـ « ـسواء » فلا يعود على ٱسم ليس بشيء ، ويرفع بما ليس جارياً على الفعل ويضمر ما لا يحتاج إليه لأنه قد تقدّم ذكر الكافر فليس لإضمار هذا وجه . وقال أبو عبيدة : هذا مثل قولهم : أكلوني البراغيثُ ، وذهبوا أصحابُك . قال النحاس : وهذا غلط لأنه قد تقدّم ذكرهم ، وأكلوني البراغيث لم يتقدّم لهم ذكر . و { آنَآءَ ٱللَّيْلِ } ساعاته . واحدها إنًى وأَنًى وإِنْيٌ ، وهو منصوب على الظرف . و { يَسْجُدُونَ } يصلون عن الفراء والزجاج لأن التلاوة لا تكون في الركُوع والسّجود . نظيره قوله : { وَلَهُ يَسْجُدُونَ } [ الأعراف : 206 ] أي يصلون . وفي الفرقان : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰن } [ الفرقان : 60 ] وفي النجم { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُوا } [ النجم : 62 ] . وقيل : يُراد به السجود المعروف خاصة . وسبب النزول يردّه ، وأن المراد صلاة العتمةِ كما ذكرنا عن ٱبن مسعود فعبدة الأوثان ناموا حيث جنّ عليهم الليل ، والموَحِّدون قيام بين يدي الله تعالىٰ في صلاة العشاء يتلون آيات الله ألا ترى لما ذكر قيامهم قال { وَهُمْ يَسْجُدُونَ } أي مع القيام أيضاً . الثوريّ : هي الصَّلاة بين العشاءين . وقيل : هي في قيام الليل . وعن رجل من بني شيبة كان يدرس الكتب قال : إنّا نجد كلاماً من كلام الرب عزّ وجلّ : أيحسب راعي إبل أو راعي غنم إذا جنه الليل ٱنخذل كمن هو قائم وساجد آناء الليل . { يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } يعني يقرون بالله ويصدقون بمحمد صلى الله عليه وسلم . { وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } قيل : هو عموم . وقيل : يُراد به الأمر باتباع النبيّ صلى الله عليه وسلم . { وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } والنهي عن المنكر النهي عن مخالفته . { وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } التي يعملونها مبادرين غير متثاقلين لمعرفتهم بقدر ثوابهم . وقيل : يبادرون بالعمل قبل الفوت . { وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } أي مع الصالحين ، وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الجنة . { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ } قرأ الأعمش وٱبن وَثّاب وحمزة والكِسائي وحفص وخَلَف بالياء فيهما إخباراً عن الأمة القائمة ، وهي قراءة ٱبن عباس وٱختيار أبي عبيد . وقرأ الباقون بالتاء فيهما على الخطاب لقوله تعالىٰ : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } . وهي ٱختيار أبي حاتم ، وكان أبو عمرو يرى القراءتين جميعاً الياء والتاء . ومعنى الآية : وما تفعلوا من خير فلن تُجحدوا ثوابه بل يُشكَر لكم وتُجازون عليه .