Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 133-133)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : { وَسَارِعُوۤاْ } قرأ نافع وآبن عامر « سَارِعُوا » بغير واو وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام . وقرأ باقي السبعة « وَسَارعُوا » بالواو . وقال أبو عليّ : كلا الأمرين شائع مستقيم ، فمن قرأ بالواو فلأنه عطف الجملة على الجملة ، ومن ترك الواو فلأن الجملة الثانية ملتبسةٌ بالأولى مستغنيةٌ بذلك عن العطف بالواو . والمسارعة المبادرة ، وهي مفاعلة . وفي الآية حذف ، أي سارعوا إلى ما يوجب المغفرة وهي الطاعة . قال أنس ٱبن مالك ومَكْحُول في تفسير { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } : معناه إلى تكبيرة الإحرام . وقال علي بن أبي طالب : إلى أداء الفرائض . عثمان بن عفان : إلى الإخلاص . الكلبي : إلى التوبة من الربا . وقيل : إلى الثبات في القتال . وقيل غير هذا . والآية عامّة في الجميع ، ومعناها معنى { فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ } [ البقرة : 148 ] وقد تقدّم . الثانية : قوله تعالى : { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ } تقديره كعرض فحذف المضاف كقوله : { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [ لقمان : 28 ] أي إِلا كخلق نفس واحدة وبعثها . قال الشاعر : @ حَسَبْتَ بُغَامَ رَاحِلَتي عَنَاقاً وما هي وَيْبَ غَيْرِكَ بالعَنَاقِ @@ يريد صوت عناق . نظيره في سورة الحديد { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [ الحديد : 21 ] . وٱختلف العلماء في تأويله فقال ٱبن عباس : تُقرن السموات والأرض بعضها إلى بعض كما تبسط الثياب ويوصل بعضها ببعض فذلك عرض الجنة ، ولا يعلم طولها إلا الله . وهذا قول الجمهور ، وذلك لا ينكر فإن في حديث أبي ذرّ عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ما السموات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كدراهم ألقيت في فلاةٍ من الأرض وما الكرسي في العرش إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض " فهذه مخلوقات أعظم بكثير جداً من السموات والأرض ، وقدرة الله أعظم من ذلك كله . وقال الكلبي : الجِنَان أربعة : جنة عدن وجنة المأوى وجنة الفردوس وجنة النعيم ، وكل جنة منها كعرض السماء والأرض لو وصل بعضها ببعض . وقال إِسماعيل السدي : لو كسرت السموات والأرض وصرن خردلا ، فبِكل خردلة جنة عرضها كعرض السماء والأرض . وفي الصحيح : " إن أدنى أهل الجنة منزلة من يتمنَّى ويتمنَّى حتى إذا ٱنقطعت به الأماني قال الله تعالى : لك ذلك وعشرة أمثاله " رواه أبو سعيد الخدري ، خرجه مسلم وغيره . و " قال يعلى بن أبي مُرّة : لقيتُ التَنُّوخي رسول هِرقْلَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بِحمْص شيخا كبيرا قال : قدِمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب هرقل ، فناول الصحيفة رجلا عن يساره ، قال : فقلت من صاحبكم الذي يقرأ ؟ قالوا : معاوية فإذا كتاب صاحبي : إنك كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السموات والأرض فأين النار ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار » " وبمثل هذه الحجة ٱستدل الفاروق على اليهود حين قالوا له : أرأيت قولكم « وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ » فأين النار ؟ فقالوا له : لقد نزعت بما في التوراة . ونَبَّه تعالى بالعرض على الطول لأن الغالب أن الطول يكون أكثر من العرض ، والطول إذا ذكر لا يدل على قدر العرض . قال الزُّهري : إنما وصف عرضها . فأما طولها فلا يعلمه إلا الله وهذا كقوله تعالى : { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } فوصف البِطَانَة بأحسن ما يعلم من الزينة ، إذ معلوم أن الظواهر تكون أحسن وأَتقن من البطائن . وتقول العرب : بلاد عريضة ، وفلاة عريضة ، أي واسعة قال الشاعر : @ كأنّ بِلاَدَ الله وهْيَ عَريَضةٌ على الخائف المطلوب كِفَّةُ حَابِل @@ وقال قوم : الكلام جارٍ على مَقْطَعَ العرب من الاستعارة فلما كانت الجنة من الاتساع والانفساح في غايةٍ قصوى حسنت العبارة عنها بعرض السموات والأرض كما تقول للرجل : هذا بحرٌ ، ولشخص كبير من الحيوان : هذا جبل . ولم تقصِد الآية تحديد العرض ، ولكن أراد بذلك أنها أوسع شيء رأيتموه . وعامة العلماء على أن الجنة مخلوقة موجودة : لقوله { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } وهو نص حديث الإسراء وغيره في الصحيحين وغيرهما . وقالت المعتزلة : إنهما غير مخلوقتين في وقتنا ، وإن الله تعالى إذا طوى السموات والأرض ٱبتداء خلق الجنة والنار حيث شاء لأنهما دار جزاء بالثواب والعقاب ، فخلقتا بعد التكليف في وقت الجزاء لئلا تجتمع دار التكليف ودار الجزاء في الدنيا ، كما لم يجتمعا في الآخرة . وقال ٱبن فورك : الجنة يزاد فيها يوم القيامة . قال آبن عطية : وفي هذا متعَلَّق لمنذر بن سعيد وغيره ممن قال : إن الجنة لم تخلق بعد . قال آبن عطية : وقول ٱبن فورك « يزاد فيها » إشارة إلى موجود ، لكنه يحتاج إلى سند يقطع العذر في الزيادة . قلت : صدق ٱبن عطية رضي الله عنه فيما قال : وإذا كانت السموات السبع والأرضون السبع بالنسبة إلى الكرسي كدارهم ألقيت في فلاة من الأرض ، والكرسي بالنسبة إلى العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة فالجنة الآن على ما هي عليه في الآخرة عرضها كعرض السموات والأرض إذ العرش سقفها ، حسب ما ورد في صحيح مسلم . ومعلوم أن السقف يحتوي على ما تحته ويزيد . وإذا كانت المخلوقات كلها بالنسبة إليه كالحلقة فمن ذا الذي يقدّره ويعلم طوله وعرضه إلا الله خالقه الذي لا نهاية لقدرته ، ولا غاية لسعة مملكته ، سبحانه وتعالى .