Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 140-140)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ } القرح الجرح . والضم والفتح فيه لغتان عن الكسائي والأخفش مثل عَقْر وعُقْر . الفراء : هو بالفتح الجُرح ، وبالضم ألَمُه . والمعنى : إن يمسسكم يوم أُحُدٍ قَرْح فقد مَسّ القوم يوم بَدْرٍ قَرْح مثله . وقرأ محمد بن السَّمَيْقَع « قرح » بفتح القاف والراء على المصدر . { وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } قيل : هذا في الحرب ، تكون مرة للمؤمنين لينصر الله عز وجل دينه ، ومرة للكافرين إذا عصى المؤمنون ليبتليَهم ويُمَحِّصَ ذنوبهم فأما إذا لم يَعْصوا فإنّ حزب الله هم الغالبون . وقيل : { نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النّاسِ } من فَرَح وَغمّ وصحّةِ وسُقْم وغِنًى وفقْرٍ . والدُّولَةُ الكَرَّة قال الشاعر : @ فيومٌ لنا ويومٌ علينا ويومٌ نُسَاءُ ويَوْمٌ نُسَرّ @@ قوله تعالى : { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } معناه ، وإنما كانت هذه المدَاولَةُ ليُرَى المؤمنُ من المنافق فيُمَيَّز بعضُهم من بعض كما قال : { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجمعَانِ فَبِإذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَم المُؤْمِنِينَ . ولِيَعْلَم الّذينَ نَافَقُوا } . وقيل : ليعلَم صبر المؤمنين ، العلمَ الذي يقع عليه الجزاء كما علمه غَيْباً قبل أن كَلّفَهم . وقد تقدّم في « البقرة » هذا المعنى . قوله تعالى : { وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ } فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : { وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ } أي يكرمكم بالشهادة أي لِيُقتلَ قومٌ فيكونوا شهداء على الناس بأعمالهم . وقيل : لهذا قيل شهيد : وقيل : سمي شهيداً لأنه مشهود له بالجنة وقيل : سمى شهيداً لأن أرواحهم احتضرت دار السلام ، لأنهم أحياء عند ربهم ، وأرواح غيرهم لا تصل إلى الجنة فالشهيد بمعنى الشاهد أي الحاضر للجنة ، وهذا هو الصحيح على ما يأتي والشهادة فضلها عظيم ، ويكفيك في فضلها قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ } [ التوبة : 111 ] الآية . وقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } [ الصف : 10 ] إلى قوله تعالى : { ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [ الصَّف : 12 ] . وفي صحيح البُسْتيّ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما يجِد الشهيد من القتل إلا كما يجد أحدُكم من القُرْحة " وروى النسائي عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال : يا رسول الله ، ما بال المؤمنين يُفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟ قال : " كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة " وفي البخاري : « من قُتل من المسلمين يوم أُحد » منهم حمزةُ واليَمَان والنضر بن أنس ومصعب بن عُمير . حدّثني عمرو بن عليّ أن معاذ بن هشام قال حدّثني أبي عن قتادة قال : « ما نعلم حيّاً من أحياء العرب أكثر شهيداً أعزّ يوم القيامة من الأنصار قال قتادة : وحدّثنا أنس بن مالك أنه قُتل منهم يوم أُحُد سبعون ، ويوم بِئْر مَعُونَة سبعون ، ويوم اليَمَامَة سبعون . قال : وكان بئر معونة على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ويوم اليَمَامةَ على عهد أبي بكر يوم مُسَيْلِمة الكذّاب » وقال أنس : " أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعليّ بن أبي طالب وبه نيف وسِتون جراحة من طعنةٍ وضربةٍ ورمْيَةٍ ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمسحها وهي تَلْتَئم بإذن الله تعالى كأن لم تكن " . الثانية : في قوله تعالى : { وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ } دليل على أن الإرادة غير الأمر كما يقوله أهل السنة فإن الله تعالى نهى الكفار عن قتل المؤمنين : حمزةَ وأصحابِه وأراد قتلهم ، ونهى آدم عن أكل الشجرة وأراده فواقَعه آدم ، وعكسه أنه أمر إبليس بالسجود ولم يرِده فامتنع منه وعنه وقعت الإشارة بقوله الحق : { وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ } [ التوبة : 46 ] . وإِن كان قد أمر جميعهم بالجهاد ، ولكنه خلق الكَسَل والأسباب القاطعة عن المسِير فقعدوا . الثالثة : رُوي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : " جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقال له : « خَيِّر أصحابك في الأسارى إن شاءوا القتل وإن شاءوا الفِداء على أن يقتل منهم عام المقبِل مثلهم فقالوا الفداء ويقتل منا » " أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن . فأنجز الله وعده بشهادة أوليائه بعد أن خَيَّرهم فاختاروا القتل . { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } أي المشركين ، أي وإِن أنال الكفارَ من المؤمنين فهو لا يحِبُّهم ، وإن أحلّ ألَماً بالمؤمنين فإنه يحب المؤمنين .