Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 153-153)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

« إذ » متعلق بقوله : { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } . وقراءة العامة « تُصْعِدُونَ » بضم التاء وكسر العين . وقرأ أبو رجاء العطارِدِيّ وأبو عبد الرّحمن السلمي والحسن وقتادة بفتح التاء والعين ، يعني تصعدون الجبل . وقرأ ابن مُحَيْصِن وشِبْل « إذ يصعدون ولا يلوون » بالياء فيهما . وقرأ الحسن « تَلُون » بواو واحدة . وروي أبو بكر بن عيّاش عن عصام « وَلاَ تلوون » بضم التاء وهي لغة شاذة ذكرها النحاس . وقال أبو حاتم : أصعدت إذا مضيت حيال وجهك ، وصعِدت إذا ٱرتقيت في جبل أو غيره . فالإصعاد : السير في مستوٍ من الأرض وبطون الأودية والشِّعاب . والصعود : الارتفاع على الجبال والسطوح والسَّلالِيم والدَّرَج . فيحتمل أن يكون صعودهم في الجبل بعد إصعادهم في الوادي فيصح المعنى على قراءة « تُصْعِدون » و « تَصْعَدون » . قال قتادة والربيع : أصعدوا يوم أحُد في الوادي . وقراءة أُبَيّ « إذ تُصعِدون في الوادي » . قال ابن عباس : صعِدوا في أحُد فراراً . فكلتا القراءتين صواب : كان يومئذ من المنهزمين مُصْعد وصاعد ، والله أعلم . قال القُتَبِيّ والمبرد : أصعد إذا أبعدَ في الذهاب وأمعن فيه فكأن الإصعاد إبعاد في الأرض كإبعاد الارتفاع قال الشاعر : @ ألا أيهذا السائلي أيْن أصْعدتْ فإنّ لها من بطن يثْرِبَ موعِداً @@ وقال الفرّاء : الإصعاد الابتداء في السفر ، والإنحدار الرجوع منه يُقال : أصعدنا من بغداد إلى مكة وإلى خُراسان وأشباه ذلك إذا خرجنا إليها وأخذنا في السفر ، وانحدرنا إذا رجعنا . وأنشد أبو عبيدة : @ قد كنتِ تبكين على الإصعاد فاليوم سُرِّحْتِ وصاح الحادِي @@ وقال المفضل : صَعِد وأصْعَد وَصَعَّد بمعنى واحد . ومعنى « تَلْوُونَ » تعرّجون وتقيمون ، أي لا يلتفت بعضكم إلى بعض هَرَبا فإن المُعرِّج على الشيء يلوي إليه عُنقه أو عنان دابته . { عَلَىٰ أحَدٍ } يريد محمداً صلى الله عليه وسلم قاله الكلبي . { وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِيۤ أُخْرَاكُمْ } أي في آخركم يُقال : جاء فلان في آخر الناس وأُخْرَة الناس وأُخْرَى الناس وأُخريَات الناس . وفي البخاري « أُخْرَاكُمْ » تأنيث آخركم : حدّثنا عمرو بن خالد حدّثنا زهير حدّثنا أبو إسحاق قال سمعت البراء بن عازب قال : جعل النبيّ صلى الله عليه وسلم على الرجّالة يوم أُحُد عبد الله بن جبير وأقبلوا منهزمين فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم . ولم يبق مع النبيّ صلى الله عليه وسلم غير ٱثني عشر رجلاً . قال ابن عباس وغيره : كان دعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم " أي عباد الله ارجعوا " وكان دعاءه تغييرا للمنكر ، ومحال أن يرى عليه السَّلام المنكر وهو الانهزام ثم لا ينهى عنه . قلت : هذا على أن يكون الانهزام معصية وليس كذلك ، على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى . قوله تعالىٰ : { فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ } الغم في اللغة : التغطية . غممت الشيء غطيته . ويوم غَمٌّ وليلة غَمّةٌ إذا كانا مظلمين . ومنه غمّ الهلال إذا لم ير ، وغمّنِي الأمر يَغمُّنِي . قال مجاهد وقتادة وغيرهما : الغَمّ الأوّل القتل والجراح ، والغم الثاني الإرجاف بقتل النبيّ صلى الله عليه وسلم إذ صاح به الشيطان . وقيل : الغم الأوّل ما فاتهم من الظفر والغنيمة ، والثاني ما أصابهم من القتل والهزيمة . وقيل : الغَمَّ الأوّل الهزيمة ، والثاني إشراف أبي سفيان وخالدٍ عليهم في الجبل فلما نظر إليهم المسلمون غمهم ذلك ، وظنوا أنهم يميلون عليهم فيقتلونهم فأنساهم هذا ما نالهم فعند ذلك قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُمَّ لا يَعْلُنّ علينا " كما تقدّم . والباء في « بِغَمٍّ » على هذا بمعنى على . وقيل : هي على بابها ، والمعنى أنهم غموا النبيّ صلى الله عليه وسلم بمخالفتهم إياه ، فأثابهم بذلك غمهم بمن أصيب منهم . وقال الحسن : { فَأَثَابَكُمْ غُمّاً } يوم أُحُد « بِغَمٍّ » يوم بدر للمشركين . وسُمي الغم ثواباً كما سمي جزاء الذنب ذنباً . وقيل : وقفهم الله على ذنبهم فشغلوا بذلك عما أصابهم . قوله تعالى : { لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَآ أَصَابَكُمْ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } اللام متعلقة بقوله : { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } وقيل : هي متعلقة بقوله : { فَأَثَابَكُمْ غَماً بِغَمٍّ } أي كان هذا الغم بعد الغم لكيلا تحزنوا على ما فات من الغنيمة ، ولا ما أصابكم من الهزيمة . والأول أحسن . و « ما » في قوله : « مَا أصَابَكُمْ » في موضع خفض . وقيل : « لا » صلةَ . أي لكي تحزنوا على ما فاتكم وما أصابكم عقوبةً على مخالفتكم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهو مثل قوله : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } [ الأعراف : 12 ] أي أن تسجد . وقوله { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } [ الحديد : 29 ] أي ليعلم ، وهذا قول المفَضَّل . وقيل : أراد بقوله { فَأَثَابَكُمْ غَماً بِغَمٍّ } أي توالت عليكم الغموم ، لكيلا تشتغلوا بعد هذا بالغنائم . { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } فيه معنى التحذير والوعيد .