Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 179-179)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال أبو العالية : سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يفرّقون بها بين المؤمن والمنافق فأنزل الله عزّ وجلّ : { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ } الآية . واختلفوا مَن المخاطب بالآية على أقوال . فقال ابن عباس والضحاك ومقاتِل والكلبيّ وأكثر المفسرين : الخطاب للكفار والمنافقين . أي ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه من الكفر والنفاق وعداوة النبيّ صلى الله عليه وسلم . قال الكلبيّ : إن قريشاً من أهل مكة قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم : الرجلُ منا تزعم أنه في النار ، وأنه إذا ترك دِيننا وٱتبع دينكَ قلتَ هو من أهل الجنةٰ فأخبرنا عن هذا من أين هو ؟ وأخبرنا مَن يأتيك منا ؟ ومَن لم يأتك ؟ . فأنزل الله عزّ وجلّ { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ } من الكفر والنفاق « حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ » . وقيل : هو خطاب للمشركين . والمراد بالمؤمنين في قوله : { لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ } من في الأصلاب والأرحام ممن يؤمن . أي ما كان الله ليذر أولادكم الذين حكم لهم بالإيمان على ما أنتم عليه من الشرك ، حتى يفرق بينكم وبينهم وعلى هذا { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ } كلام مستأنف . وهو قول ابن عباس وأكثر المفسرين . وقيل : الخطاب للمؤمنين . أي وما كان الله ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من ٱختلاط المؤمن بالمنافق ، حتىٰ يميِّز بينكم بالمحنة والتكليف فتعرفوا المنافق الخبيث ، والمؤمن الطيب . وقد مَيَّزَ يوم أُحُد بين الفريقين . وهذا قول أكثر أهل المعاني . { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ } يا معشر المؤمنين . أي ما كان الله ليعيِّن لكم المنافقين حتى تعرفوهم ، ولكن يظهر ذلك لكم بالتكليف والمحنة ، وقد ظهر ذلك في يوم أُحُد فإن المنافقين تخلفوا وأظهروا الشماتة ، فما كنتم تعرفون هذا الغيب قبل هذا ، فالآن قد أطلع الله محمداً عليه السَّلام وصحبه على ذلك . وقيل : معنى { ليطلعكم } أي وما كان الله ليعلمكم ما يكون منهم . فقوله : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ } على هذا متصل ، وعلى القولين الأوّلين منقطع . وذلك أن الكفار لما قالوا : لِمَ لَمْ يوح إلينا ؟ قال : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ } أي على من يستحق النبوّة ، حتى يكون الوحي باختياركم . { وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي } أي يختار { مِن رُّسُلِهِ } لإطلاع غيبه { مَن يَشَآءُ } يُقال : طلعت على كذا وٱطّلعت عليه ، وأطلعت عليه غيري فهو لازم ومعتد . وقرىء « حَتَّى يُمَيِّز » بالتشديد مِن مَيَّزَ ، وكذا في « الأنفال » وهي قراءة حمزة . والباقون « يَمِيزَ » بالتخفيف مِن مَاز يَميز . يُقال : مِزت الشيء بعضه من بعض أمِيزه مَيْزاً ، وميَّزتُهُ تمييزاً . قال أبو معاذ : مِزت الشيء أمِيزه ميزاً إذا فرّقت بين شيئين . فإن كانت أشياء قلت : ميزتها تمييزاً . ومثله إذا جعلت الواحد شيئين قلت : فرَقت بينهما ، مخفّفاً ومنه فَرَق الشعر . فإن جعلته أشياء قلت : فرّقته تفريقاً . قلت : ومنه ٱمتاز القوم ، تميز بعضهم عن بعض . ويكاد يتميَّز : يتقطع وبهذا فسِّر قوله تعالىٰ : { تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ } [ المُلْك : 8 ] وفي الخبر : " من مَازَ أذًى عن الطريق فهو له صدقة " . قوله تعالىٰ : { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } يُقال : إن الكفار لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيّن لهم من يؤمن منهم ، فأنزل الله { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } يعني لا تشتغلوا بما لا يَعَنيكم ، وٱشتغلوا بما يَعنيكم وهو الإيمان . { فَآمِنُواْ } أي صدقوا ، أي عليكم التصديق لا التشوُّف إلى ٱطلاع الغيب . { وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } أي الجنة . ويذكر أن رجلاً كان عند الحجّاج بن يوسفَ الثَّقَفِيّ مِنَجِّماً فأخذ الحجاج حَصَياتٍ بِيده قد عَرف عددها فقال للمُنَجِّم : كم في يدي ؟ فحسَب فأصاب المنَجِّم . فأغفله الحجّاج وأخذ حَصَياتٍ لم يُعدّهنّ فقال للمنجم كم في يدي ؟ فحسَب فأخطأ ، ثم حسَب أيضاً فأخطأ فقال : أيها الأمير ، أظنك لا تعرف عدد ما في يدك ؟ قال لا . قال : فما الفرق بينهما ؟ فقال : إن ذاك أحْصيتَه فخرج عن حدّ الغيب ، فحسَبتُ فأصبتُ ، وإنّ هذا لم تَعرف عددَها فصار غَيْباً ، ولا يعلم الغيب إلاَّ الله تعالىٰ . وسيأتي هذا البابُ في « الأنعام » إن شاء الله تعالىٰ .