Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 55-55)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ } العامل في « إذْ » مكروا ، أو فعل مضمر . وقال جماعة من أهل المعاني منهم الضحاك والفراء في قوله تعالى : { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } على التقديم والتأخير لأن الواو لا توجب الرتبة . والمعنى : إني رافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد أن تنزل من السماء كقوله : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } [ طه : 129 ] والتقدير ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاماً . قال الشاعر : @ أَلاَ يا نخلة من ذات عِرْق عليكِ ورحمةُ اللَّه السلامُ @@ أي عليك السلام ورحمة الله . وقال الحسن وٱبن جريج : معنى متوفيك قابضك ورافعك إلى السماء من غير موت مثل توفيت مالي من فلان أي قبضته . وقال وهب بن منبه : توفى الله عيسى عليه السلام ثلاث ساعات من نهار ثم رفعه إلى السماء . وهذا فيه بعد فإنه صح في الأخبار عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نزولُه وقتلُه الدجّال على ما بيناه في كتاب التذكرة ، وفي هذا الكتاب حسب ما تقدّم ، ويأتي . وقال ٱبن زيد : متوفيك قابضك ، ومتوفيك ورافعك واحد ولم يمت بعدُ . وروى ٱبن طلحة عن ٱبن عباس معنى متوفِّيك مميتُك . الربيع ٱبن أنس : وهي وفاة نوم قال الله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِٱللَّيْلِ } [ الأنعام : 60 ] أي يُنيمكم لأن النوم أخو الموت كما " قال صلى الله عليه وسلم لما سئل : أفي الجنة نوم ؟ قال : « لا ، النوم أخو الموت ، والجنة لا موت فيها » " أخرجه الدارقطنِيّ . والصحيح أن الله تعالى رفعه إلى السماء من غير وفاة ولا نوم كما قال الحسن وٱبن زيد ، وهو ٱختيار الطبري ، وهو الصحيح عن ٱبن عباس ، وقاله الضحاك . قال الضحاك : كانت القصّة لما أرادوا قتل عيسى ٱجتمع الحواريون في غرفة وهم ٱثنا عشر رجلاً فدخل عليهم المسيح من مِشكاة الغرفة ، فأخبر إبليس جمع اليهود فركب منهم أربعة آلاف رجل فأخذوا باب الغرفة . فقال المسيح للحواريين : أيّكُم يخرج ويُقتل ويكون معي في الجنة ؟ فقال رجل : أنا يا نبي الله فألقى إليه مِدْرَعَة من صوف وعمامة من صوف وناوله عكازه وألقى عليه شَبَه عيسى ، فخرج على اليهود فقتلوه وصلبوه . وأما المسيح فكساه الله الرّيش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فطار مع الملائكة . وذكر أبو بكر بن أبي شيبة حدّثنا أبو معاوية حدّثنا الأعمش عن المِنهال عن سعيد بن جبير عن ٱبن عباس قال : لما أراد الله تبارك وتعالى أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه وهم ٱثنا عشر رجلاً من عين في البيت ورأسه يقطر ماء فقال لهم : أما إنّ منكم من سيكفر بي ٱثنتى عشرة مرة بعد أن آمن بي ، ثم قال : أيكم يُلقَى عليه شَبَهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي ؟ فقام شاب من أحدثهم فقال أنا . فقال عيسى : ٱجلس ، ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال أنا . فقال عيسى : ٱجلس . ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال أنا . فقال نعم أنت ذاك . فألقى الله عليه شبه عيسى عليه السلام . قال : ورفع الله تعالى عيسى من رَوْزَنَة كانت في البيت إلى السماء . قال : وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبيه فقتلوه ثم صلبوه ، وكفر به بعضهم ٱثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به فتفرّقوا ثلاث فرق : قالت فرقة : كان فينا الله ما شاء ثم صعد إلى السماء ، وهؤلاء اليَعْقُوبية . وقالت فرقة : كان فينا ٱبن الله ما شاء الله ثم رفعه الله إليه ، وهؤلاء النَّسْطُورِيّة . وقالت فرقة : كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله ثم رفعه إليه ، وهؤلاء المسلمون . فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها ، فلم يزل الإسلام طامساً حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم فقتلوا فأنزل الله تعالى { فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ الصف : 14 ] أي آمن آباؤهم في زمن عيسى { عَلَى عَدُوِّهِم } بإظهار دينهم على دين الكفار { فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ } . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والله لينزِلنّ ٱبن مريم حكما عادلاً فليكسِرنّ الصليب وليقتلنّ الخنزير وليضعن الجِزية ولتُتركُنّ الْقِلاَصُ فلا يسعى عليها ولتَذهبَن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعونّ إلى المال فلا يقبله أحد " وعنه أيضاً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده ليُهلنّ ٱبن مريم بفَجِّ الرّوْحاء حاجاً أو معتمراً أو ليثَنينّهما " ولا ينزل بشرع مبتدإ فينسخ به شريعتنا بل ينزل مجدِّداً لما دَرَس منها متبعها . كما في « صحيح مسلم » عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كيف أنتم إذا نزل ٱبن مريم فيكم وإمامكم منكم " وفي رواية : « فأمّكم منكم » . قال ٱبن أبي ذِئب : تدري ما أمّكم منكم ؟ . قلت : تخبِرني . قال : فأمّكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنةِ نبيكم صلى الله عليه وسلم . وقد زدنا هذا الباب بياناً في كتاب التذكرة والحمد لله . و { مُتَوَفِّيكَ } أصله متوفِّيُك حذفت الضمة ٱستثقالاً ، وهو خبر إنّ . { ورَافِعُكَ } عطف عليه ، وكذا { مُطَهِّرُكَ } وكذا { وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ } . ويجوز « وجاعلٌ الذين » وهو الأصل . وقيل : إن الوقف التام عند قوله : { وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } . قال النحاس : وهو قول حسن . { وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ } يا محمد { فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي بالحجة وإقامة البرهان . وقيل بالعز والغلبة . وقال الضحاك ومحمد ٱبن أبان : المراد الحواريون . والله تعالى أعلم .