Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 14-15)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } يعني المؤمنين من الكافرين ثم بين كيف تفريقهم فقال : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } قال النحاس : سمعت الزجاج يقول : معنى « أمّا » دع ما كنا فيه وخذ في غيره . وكذا قال سيبويه : إن معناها مهما كنا في شيء فخذ في غير ما كنا فيه . { فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ } قال الضحاك : الروضة الجنة ، والرياض الجنان . وقال أبو عبيد : الروضة ما كان في تسفُّل ، فإذا كانت مرتفعة فهي تُرْعة . وقال غيره : أحسن ما تكون الروضة إذا كانت في موضع مرتفع غليظ كما قال الأعشى : @ ما رَوْضَةٌ من رياض الحَزْن مُعْشِبَةٌ خَضْرَاءُ جَادَ عليها مُسْبِلٌ هَطِلُ يضاحِكُ الشمسَ منها كوكَبٌ شَرِقٌ مُوَزَّرٌ بعميم النَّبْتِ مُكْتهِلُ يوماً بأطْيَبَ منها نَشْرَ رائحةٍ ولا بأحسنَ منها إذ دَنَا الأُصُلُ @@ إلا أنه لا يقال لها روضة إلا إذا كان فيها نبت ، فإن لم يكن فيها نبت وكانت مرتفعة فهي ترعة . وقد قيل في الترعة غير هذا . وقال القُشَيْرِيّ : والروضة عند العرب ما ينبت حول الغدير من البقول ولم يكن عند العرب شيء أحسن منه . الجوهريّ : والجمع روْض ورِياض ، صارت الواو ياء لكسر ما قبلها . والرّوض : نحوٌ من نصف القِرْبَة ماء . وفي الحوض رَوْضة من ماء إذا غطّى أسفله . وأنشد أبو عمرو : @ ورَوْضَـةٍ سَـقَـيْـتُ منـهـا نِـضْـوَتِـي @@ { يُحْبَرُونَ } قال الضحاك وابن عباس : يُكرمون . وقيل : ينعّمون وقاله مجاهد وقتادة . وقيل يسرّون . السُّدّي : يفرحون . والحَبْرَة عند العرب : السرور والفرح ذكره الماورديّ . وقال الجوهري : الحَبْر : الحُبُور وهو السرور ويقال : حبره يحبره بالضم حَبْرا وحَبَرَة قال تعالى : { فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ } أي ينعمون ويكرمون ويسرون . ورجل يَحْبُور يفعول من الحبور . النحاس : وحكى الكسائيّ حبرته أي أكرمته ونعّمته . وسمعت عليّ بن سليمان يقول : هو مشتق من قولهم : على أسنانه حَبْرة أي أثر فـ « ـيحبرون » يَتَبيّن عليهم أثر النعيم . والحبر مشتق من هذا . قال الشاعر : @ لا تملأ الدّلْوَ وعَرِّق فيها أما تَرَى حَبارَ من يَسْقيهَا @@ وقيل : أصله من التحبير وهو التحسين فـ « ـيُحْبَرُونَ » يحسَّنون . يقال : فلان حَسَن الحبر والسِّبْر إذا كان جميلاً حسن الهيئة . ويقال أيضاً : فلان حسن الحَبْر والسَّبْر بالفتح وهذا كأنه مصدر قولك : حبَرَتُه حَبْراً إذا حسّنته . والأوّل اسم ومنه الحديث : " يخرج رجل من النار ذهب حِبْره وسِبْره " وقال يحيـى بن أبي كثير « في رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ » قال : السّمَاع في الجنة وقاله الأوزاعِيّ ، قال : إذا أخذ أهل الجنة في السماع لم تبق شجرة في الجنة إلا رَدّدَت الغناء بالتسبيح والتقديس . وقال الأوزاعِيّ : ليس أحد من خلق الله أحسنَ صوتاً من إسرافيل ، فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سموات صلاتهم وتسبيحهم . زاد غير الأوزاعِيّ : ولم تبق شجرة في الجنة إلا ردّدت ، ولم يبق سِتر ولا باب إلا ارتج وانفتح ، ولم تبق حلقة إلا طنت بألوان طنينها ، ولم تبق أجمة من آجام الذهب إلا وقع أهبوب الصوت في مقاصبها فزَمَرت تلك المقاصب بفنون الزمر ، ولم تبق جارية من جوار الحور العِينِ إلا غنَّت بأغانيها ، والطير بألحانها ، ويوحِي الله تبارك وتعالى إلى الملائكة أن جاوِبوهم وأسمِعوا عبادي الذين نزهوا أسماعهم عن مزامير الشيطان فيجاوبون بألحان وأصواتٍ روحانيين فتختلط هذه الأصوات فتصير رجة واحدة ، ثم يقول الله جل ذكره : يا داود قم عند ساق عرشي فمجّدني فيندفع داود بتمجيد ربه بصوت يغمر الأصوات ويجليها وتتضاعف اللذة فذلك قوله تعالى : { فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ } . ذكره الترمذيّ الحكيم رحمه الله . وذكر الثعلبيّ من حديث أبي الدّرداء : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذكّر الناس فذكر الجنة وما فيها من الأزواج والنعيم وفي أخريات القوم أعرابيّ فقال : يا رسول الله ، هل في الجنة من سماع ؟ فقال : « نعم يا أعرابي إن في الجنة لنهراً حافتاه الأبكار من كل بيضاء خمصانية يتغنين بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها قط فذلك أفضل نعيم الجنة » فسأل رجل أبا الدّرداء : بماذا يتغنين ؟ فقال بالتسبيح " والخمصانِية : المرهفة الأعلى ، الخمصانة البطن ، الضخمة الأسفل . قلت : وهذا كله من النعيم والسرور والإكرام فلا تعارض بين تلك الأقوال . وأين هذا من قوله الحق : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [ السجدة : 17 ] على ما يأتي . وقوله عليه السلام : " فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمِعت ولا خطر على قلب بشر » " وقد روي : " إن في الجنة لأشجاراً عليها أجراس من فضة ، فإذا أراد أهل الجنة السماع بعث الله ريحاً من تحت العرش فتقع في تلك الأشجار فتحرك تلك الأجراس بأصوات لو سمعها أهل الدنيا لماتوا طرباً " ذكره الزمخشرِيّ .