Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 20-26)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ } أي من علامات رُبُوبِيَّته ووَحْدانيّته أن خلقكم من تراب أي خلق أباكم منه والفرع كالأصل ، وقد مضى بيان هذا في « الأنعام » . و « أنْ » في موضع رفع بالابتداء وكذا { أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } [ الروم : 21 ] . { ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ } ثم أنتم عقلاء ناطقون تتصرفون فيما هو قِوام معايشكم ، فلم يكن ليخلقكم عَبَثاً ومن قدر على هذا فهو أهل للعبادة والتسبيح . ومعنى : { خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } أي نساء تسكنون إليها . { مِّنْ أَنفُسِكُمْ } أي من نطف الرجال ومن جنسكم . وقيل : المراد حوّاء ، خلقها من ضِلع آدم قاله قتادة . { وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } قال ابن عباس ومجاهد : المودّة الجماع ، والرحمة الولد وقاله الحسن . وقيل : المودّة والرحمة عطفُ قلوبهم بعضهم على بعض . وقال السدي : المودةُ : المحبةُ ، والرحمةُ : الشفقةُ ورُوي معناه عن ابن عباس قال : المودّة حبُّ الرجل امرأته ، والرحمة رحمته إياها أن يصيبها بسوء . ويقال : إن الرجل أصله من الأرض ، وفيه قوّة الأرض ، وفيه الفرج الذي منه بُدىء خلقه فيحتاج إلى سَكَن ، وخُلقت المرأة سكناً للرجل قال الله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ } [ الروم : 20 ] الآية . وقال : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا } فأوّل ارتفاق الرجل بالمرأة سكونه إليها مما فيه من غليان القوّة ، وذلك أن الفرج إذا تحمل فيه هيَّج ماء الصلب إليه ، فإليها يسكن وبها يتخلص من الهِياج ، وللرجال خُلق البُضع منهنّ ، قال الله تعالى : { وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ } [ الشعراء : 166 ] فأعلم الله عز وجل الرجال أن ذلك الموضع خلق منهن للرجال ، فعليها بذله في كل وقت يدعوها الزوج ، فإن منعته فهي ظالمة وفي حرج عظيم ويكفيك من ذلك ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها " وفي لفظ آخر : " إذا باتت المرأة هاجرة فِراش زوجِها لعنتها الملائكة حتى تُصبِح " { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } تقدّم في « البقرة » وكانوا يعترفون بأن الله تعالى هو الخالق . { وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ } اللّسان في الفم وفيه اختلاف اللغات : من العربيّة والعجمية والتركية والرومية . واختلاف الألوان في الصور : من البياض والسواد والحمرة فلا تكاد ترى أحداً إلا وأنت تفرّق بينه وبين الآخر . وليس هذه الأشياء من فعل النطفة ولا من فعل الأبوين فلا بد من فاعل ، فعُلِم أن الفاعل هو الله تعالى فهذا من أدلّ دليل على المدبر البارىء . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ } أي للبَرّ والفاجر . وقرأ حفص : « للعَالِمِينَ » بكسر اللام جمع عالم . { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } قيل : في هذه الآية تقديم وتأخير ، والمعنى : ومن آياته منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار فحذِف حرف الجر لاتصاله بالليل وعطفه عليه ، والواو تقوم مقام حرف الجر إذا اتصلت بالمعطوف عليه في الاسم الظاهر خاصة فجعل النوم بالليل دليلاً على الموت ، والتصرفُ بالنهار دليلاً على البعث . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } يريد سماع تفهّم وتدبّر . وقيل : يسمعون الحق فيتبعونه . وقيل : يسمعون الوعظ فيخافونه . وقيل : يسمعون القرآن فيصدّقونه والمعنى متقارب . وقيل : كان منهم من إذا تُلِي القرآن وهو حاضر سدّ أذنيه حتى لا يسمع فبيّن الله عز وجل هذه الدلائل عليه . { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً } قيل : المعنى أن يريكم ، فحذف « أن » لدلالة الكلام عليه قال طرفة : @ ألاَ أيّهذا اللائِمي أحْضُرُ الوَغَى وأنْ أشْهَدَ اللَّذاتِ هل أنت مُخْلِدِي @@ وقيل : هو على التقديم والتأخير أي ويريكم البرق من آياته . وقيل : أي ومن آياته آيةٌ يريكم بها البرق كما قال الشاعر : @ وما الدّهر إلا تارتان فمنهما أموتُ وأخْرَى أبتغي العيش أكْدَحُ @@ وقيل : أي من آياته أنه يريكم البرق خوفاً وطمعاً من آياته قاله الزجاج ، فيكون عطف جملة على جملة . { خَوْفاً } أي للمسافر . { وَطَمَعاً } للمقيم قاله قتادة . الضحاك : « خَوْفاً » من الصواعق ، « وَطَمَعاً » في الغيث . يحيـى بن سلام : « خَوْفاً » من البرد أن يهلك الزرع ، « وَطَمَعاً » في المطر أن يحيي الزرع . ابن بحر : « خَوْفاً » أن يكون البرق بَرْقاً خُلَّباً لا يمطر ، « وَطَمَعاً » أن يكون ممطراً وأنشد قول الشاعر : @ لا يكن بَرْقُك برقاً خُلّبا إن خير البرق ما الغيث معه @@ وقال آخر : @ فقد أرِد المياه بغير زاد سوى عدّى لها برق الغمام @@ والبرق الخُلّب : الذي لا غيث فيه كأنه خادع ومنه قيل لمن يَعِد ولا يُنْجز : إنما أنت كبرقٍ خُلّب . والخُلّب أيضاً : السحاب الذي لا مطر فيه . ويقال : بَرْقُ خُلّب ، بالإضافة . { وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَيُحْيِي بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } تقدم . { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ } « أَنْ » في محل رفع كما تقدم أي قيامها واستمساكها بقدرته بلا عمد . وقيل : بتدبيره وحكمته أي يمسكها بغير عمد لمنافع الخلق . وقيل : « بأمرِهِ » بإذنه والمعنى واحد . { ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ } أي الذي فعل هذه الأشياء قادر على أن يبعثكم من قبوركم والمراد سرعة وجود ذلك من غير توقف ولا تلّبث كما يجيب الداعي المطاعَ مَدْعوُّه كما قال القائل : @ دَعَوْتُ كُلَيباً باسمه فكأنما دعوت برأس الطَّود أو هو أسرع @@ يريد برأس الطود : الصَّدى أو الحجر إذا تَدَهْده . وإنما عطف هذا على قيام السموات والأرض بـ « ـثم » لعظم ما يكون من ذلك الأمر واقتداره على مثله ، وهو أن يقول : يا أهل القبور قوموا فلا تبقى نسمة من الأوّلين والآخرين إلا قامت تنظر كما قال تعالى : { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } [ الزمر : 68 ] . و « إذا » الأولى في قوله تعالى : { إِذَا دَعَاكُمْ } للشرط ، والثانية في قوله تعالى : { إِذَآ أَنتُمْ } للمفاجأة ، وهي تنوب مناب الفاء في جواب الشرط . وأجمع القراء على فتح التاء هنا في « تَخْرُجُونَ » . واختلفوا في التي في « الأعراف » فقرأ أهل المدينة : { وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ } [ الأعراف : 25 ] بضم التاء ، وقرأ أهل العراق : بالفتح ، وإليه يميل أبو عبيد . والمعنيان متقاربان ، إلا أن أهل المدينة فرّقوا بينهما لنسق الكلام ، فنسقُ الكلام في التي في « الأعراف » بالضم أشبه إذ كان الموت ليس من فعلهم ، وكذا الإخراج . والفتح في سورة الروم أشبه بنسق الكلام أي إذا دعاكم خرجتم أي أطعتم فالفعل بهم أشبه . وهذا الخروج إنما هو عند نفخة إسرافيل الآخرة على ما تقدّم ويأتي . وقرىء : « تخرجون » بضم التاء وفتحها ، ذكره الزَّمَخْشَرِيّ ولم يزد على هذا شيئاً ، ولم يذكر ما ذكرناه من الفرق ، والله أعلم . { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } خلقاً وملكاً وعبداً . { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } رُوي عن أبي سعيد الخدرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " كلّ قنوت في القرآن فهو طاعة " قال النحاس : مطيعون طاعة انقياد . وقيل : « قَانتُونَ » مقِرّون بالعبودية ، إما قالة وإما دلالة قاله عِكرمة وأبو مالك والسدّي . وقال ابن عباس « قَانتُونَ » مصلون . الربيع بن أنس : « كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ » أي قائم يوم القيامة كما قال : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ المطففين : 6 ] أي للحساب . الحسن : كل له قائم بالشهادة أنه عبد له . سعيد بن جبير : « قَانِتُونَ » مخلصون .