Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 11-11)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ } لما ذكر استبعادهم للبعث ذكر توفّيهم وأنه يعيدهم . { يَتَوَفَّاكُم } من توفى العدد والشيء إذا استوفاه وقبضه جميعاً . يقال : توفاه الله أي استوفى روحه ثم قبضه . وتوفيت مالي من فلان أي استوفيته . { مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ } واسمه عزرائيل ومعناه عبد الله كما تقدّم في « البقرة » . وتصرّفه كلّه بأمر الله تعالى وبخلقه واختراعه . وروي في الحديث : " أن البهائم كلّها يتوفّى الله أرواحها دون مَلَك الموت " كأنه يعدم حياتها ذكره ابن عطية . قلت : وقد روي خلافه ، وأن مَلَك الموت يتوفّى أرواح جميع الخلائق حتى البرغوث والبعوضة . روى جعفر بن محمد عن أبيه قال : " نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مَلَك الموت عند رأس رجل من الأنصار ، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم : « ارفق بصاحبي فإنه مؤمن » فقال مَلَك الموت عليه السلام : « يا محمد ، طِب نفساً وقَرّ عَيْناً فإني بكل مؤمن رفيق . واعلم أن ما من أهل بيت مَدَر ولا شعر في بَر ولا بحر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات حتى لأنا أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم . والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها » " قال جعفر بن عليّ : بلغني أنه يتصفّحهم عند مواقيت الصلوات ذكره الماورديّ . وذكر الخطيب أبو بكر أحمد بن عليّ بن ثابت البغداديّ قال : حدّثني أبو محمد الحسن بن محمد الخلال قال : حدّثنا أبو محمد عبد الله بن عثمان الصفّار قال حدّثنا أبو بكر حامد المصري قال حدّثنا يحيـى بن أيوب العلاف قال حدثنا سليمان بن مُهير الكلابيّ قال : حضرت مالك بن أنس رضي الله عنه فأتاه رجل فسأله : أبا عبد الله ، البراغيث أمَلَك الموت يقبض أرواحها ؟ قال : فأطرق مالك طويلاً ثم قال : ألها أنفس ؟ قال : نعم . قال : مَلَك الموت يقبض أرواحها { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا } [ الزمر : 42 ] . قال ابن عطية بعد ذكره الحديث : وكذلك الأمر في بني آدم ، إلا أنه نوعٌ شُرِّف بتصرف مَلَك وملائكة معه في قبض أرواحهم . فخلق الله تعالى مَلَك الموت وخلق على يديه قبض الأرواح ، واستلالها من الأجسام وإخراجها منها . وخلق الله تعالى جنداً يكونون معه يعملون عمله بأمره فقال تعالى : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } [ الأنفال : 50 ] ، وقال تعالى : { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } وقد مضى هذا المعنى في « الأنعام » . والبارىء خالق الكل ، الفاعل حقيقة لكل فعل قال الله تعالى : { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا } . { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ } [ الملك : 2 ] . { يُحْيِـي وَيُمِيتُ } . فملك الموت يقبض والأعوان يعالجون والله تعالى يُزْهِق الروح . وهذا هو الجمع بين الآي والأحاديث لكنه لما كان مَلَك الموت متولّي ذلك بالوساطة والمباشرة أضيف التوفّي إليه كما أضيف الخلق للملك كما تقدّم في « الحج » . وروي عن مجاهد أن الدنيا بين يدي مَلَك الموت كالطَّست بين يدي الإنسان يأخذ من حيث شاء . وقد روي هذا المعنى مرفوعاً ، وقد ذكرناه في كتاب التذكرة . وروي أن مَلَك الموت لما وكّله الله تعالى بقبض الأرواح قال : ربّ جعلتني أُذكر بسوء ويشتمني بنو آدم . فقال الله تعالى له : " إني أجعل للموت عللاً وأسباباً من الأمراض والأسقام ينسبون الموت إليها فلا يذكرك أحد إلا بخير " وقد ذكرناه في التذكرة مستوفًى وقد ذكرنا أنه يدعو الأرواح فتجيئه ويقبضها ، ثم يسلمها إلى ملائكة الرحمة أو العذاب بما فيه شفاء لمن أراد الوقوف على ذلك . الثانية : استدلّ بهذه الآية بعض العلماء على جواز الوكالة من قوله : { وُكِّلَ بِكُمْ } أي بقبض الأرواح . قال ابن العربيّ : « وهذا أخذ من لفظه لا من معناه ، ولو اطّرد ذلك لقلنا في قوله تعالى : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } [ الأعراف : 158 ] : إنها نيابة عن الله تبارك وتعالى ووكالة في تبليغ رسالته ، ولقلنا أيضاً في قوله تبارك وتعالى : { وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } [ البقرة : 43 ] إنه وكالة فإن الله تعالى ضمن الرزق لكلّ دابة وخصّ الأغنياء بالأغذية وأوعز عليهم بأن رزق الفقراء عندهم ، وأمر بتسليمه إليهم مقداراً معلوماً في وقت معلوم ، دبّره بعلمه ، وأنفذه من حكمه ، وقدّره بحكمته . والأحكام لا تتعلق بالألفاظ إلا أن ترد على موضوعاتها الأصلية في مقاصدها المطلوبة ، فإن ظهرت في غير مقصدها لم تعلّق عليها . ألا ترى أن البيع والشراء معلوم اللفظ والمعنى ، وقد قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ } ولا يقال : هذه الآية دليل على جواز مبايعة السيد لعبده لأن المقصِدَيْن مختلفان . أما إنه إذا لم يكن بدّ من المعاني فيقال : إن هذه الآية دليل على أن للقاضي أن يستنيب من يأخذ الحق ممن هو عليه قسراً دون أن يكون له في ذلك فعل ، أو يرتبط به رضاً إذا وجد ذلك .