Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 32, Ayat: 5-5)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلأَرْضِ } قال ابن عباس : يُنزل القضاءَ والقدر . وقيل : ينزل الوحي مع جبريل . وروى عمرو بن مرّة عن عبد الرحمن بن سابط قال : يدبّر أمر الدنيا أربعة : جبريل ، وميكائيل ، ومَلَك الموت ، وإسرافيل صلوات الله عليهم أجمعين . فأما جبريل فموكّل بالرياح والجنود . وأما ميكائيل فموكّل بالقطر والماء . وأما مَلَك الموت فموكّل بقبض الأرواح . وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم . وقد قيل : إن العرش موضع التدبير كما أن ما دون العرش موضع التفصيل قال الله تعالى : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } [ الرعد : 2 ] . وما دون السموات موضع التصريف قال الله تعالى : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ } [ الفرقان : 50 ] . قوله تعالى : { ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ } قال يحيـى بن سلام : هو جبريل يصعَد إلى السماء بعد نزوله بالوحي . النقاش : هو الملَك الذي يدبّر الأمر من السماء إلى الأرض . وقيل : إنها أخبار أهل الأرض تصعَد إليه مع حملتها من الملائكة قاله ابن شجرة . { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } . وقيل : « ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ » أي يرجع ذلك الأمر والتدبير إليه بعد انقضاء الدنيا { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ } وهو يوم القيامة . وعلى الأقوال المتقدّمة فالكناية في « يَعْرُجُ » كناية عن الملَك ، ولم يجر له ذكر لأنه مفهوم من المعنى ، وقد جاء صريحاً في « سَأَلَ سَائِلٌ » قوله : { تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ } [ المعارج : 4 ] . والضمير في { إِلَيْهِ } يعود على السماء على لغة من يذكّرها ، أو على مكان الملك الذي يرجع إليه ، أو على اسم الله تعالى والمراد إلى الموضع الذي أقره فيه ، وإذا رجعت إلى الله فقد رجعت إلى السماء ، أي إلى سدرة المنتهى فإنه إليها يرتفع ما يصعد به من الأرض ومنها ينزل ما يهبط به إليها ثبت معنى ذلك في صحيح مسلم . والهاء في « مِقْدَارُهُ » راجعة إلى التدبير والمعنى : كان مقدار ذلك التدبير ألفَ سنة من سني الدنيا أي يقضي أمر كل شيء لألف سنة في يوم واحد ، ثم يلقيه إلى ملائكته ، فإذا مضت قضى لألف سنة أخرى ، ثم كذلك أبداً قاله مجاهد . وقيل : الهاء للعروج . وقيل : المعنى أنه يدبّر أمر الدنيا إلى أن تقوم الساعة ، ثم يعرج إليه ذلك الأمر فيحكم فيه في يوم كان مقداره ألف سنة . وقيل : المعنى يدبر أمر الشمس في طلوعها وغروبها ورجوعها إلى موضعها من الطلوع ، في يوم كان مقداره في المسافة ألف سنة . وقال ابن عباس : المعنى كان مقداره لو ساره غير الملَك ألف سنة لأن النزول خمسمائة والصعود خمسمائة . وروي ذلك عن جماعة من المفسرين ، وهو اختيار الطبريّ ذكره المهدويّ . وهو معنى القول الأول . أي أن جبريل لسرعة سيره يقطع مسيرة ألف سنة في يوم من أيامكم ذكره الزمخشريّ . وذكر الماورديّ عن ابن عباس والضحاك أن الملَك يصعد في يوم مسيرة ألف سنة . وعن قتادة أن الملَك ينزل ويصعد في يوم مقداره ألف سنة فيكون مقدار نزوله خمسمائة سنة ، ومقدار صعوده خمسمائة على قول قتادة والسديّ . وعلى قول ابن عباس والضحاك : النزول ألف سنة ، والصعود ألف سنة . { مِّمَّا تَعُدُّونَ } أي مما تحسبون من أيام الدنيا . وهذا اليوم عبارة عن زمان يتقدر بألف سنة من سِنِي العالَم ، وليس بيوم يستوعب نهاراً بين ليلتين لأن ذلك ليس عند الله . والعرب قد تعبّر عن مدّة العصر باليوم كما قال الشاعر : @ يومان يومُ مُقامات وأندية ويومُ سير إلى الأعداء تأويب @@ وليس يريد يومين مخصوصين ، وإنما أراد أن زمانهم ينقسم شطرين ، فعبّر عن كل واحد من الشطرين بيوم . وقرأ ابن أبي عبلة : « يُعْرَجُ » على البناء للمفعول . وقرىء : « يَعُدُّونَ » بالياء . فأما قوله تعالى : { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } فمشكل مع هذه الآية . وقد سأل عبد الله بن فيروز الدّيلميّ عبد الله بن عباس عن هذه الآية وعن قوله : { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } فقال : أيام سمّاها سبحانه ، وما أدري ما هي ؟ فأكره أن أقول فيها ما لا أعلم . ثم سئل عنها سعيد بن المسيّب فقال : لا أدري . فأخبرته بقول ابن عباس فقال ابن المسيّب للسائل : هذا ابن عباس اتّقى أن يقول فيها وهو أعلم مني . ثم تكلم العلماء في ذلك فقيل : إن آية « سَأَلَ سَائِلٌ » هو إشارة إلى يوم القيامة ، بخلاف هذه الآية . والمعنى : أن الله تعالى جعله في صعوبته على الكفار كخمسين ألف سنة قاله ابن عباس . والعرب تصف أيام المكروه بالطول وأيام السرور بالقصر . قال : @ ويوم كظل الرمح قصّر طولَه دَمُ الزّق عنّا واصطفاقُ المزاهر @@ وقيل : إن يوم القيامة فيه أيام فمنه ما مقداره ألف سنة ومنه ما مقداره خمسون ألف سنة . وقيل : أوقات القيامة مختلفة ، فيعذّب الكافر بجنس من العذاب ألف سنة ، ثم ينتقل إلى جنس آخر مدّته خمسون ألف سنة . وقيل : مواقف القيامة خمسون موقفاً ، كلّ موقف ألف سنة . فمعنى : { يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ } أي مقدار وقت ، أو موقف من يوم القيامة . وقال النحاس : اليوم في اللغة بمعنى الوقت فالمعنى : تعرج الملائكة والروح إليه في وقت كان مقداره ألف سنة ، وفي وقت آخر كان مقداره خمسين ألف سنة . وعن وهب بن منبّه « فِي يَوْم كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ » قال : ما بين أسفل الأرض إلى العرش . وذكر الثعلبيّ عن مجاهد وقتادة والضحاك في قوله تعالى : { تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [ المعارج : 4 ] أراد من الأرض إلى سِدرة المنتهى التي فيها جبريل . يقول تعالى : يسير جبريل والملائكة الذين معه من أهل مقامه مسيرة خمسين ألف سنة في يوم واحد من أيام الدنيا . وقوله : { إِلَيْهِ } يعني إلى المكان الذي أمرهم الله تعالى أن يعرجوا إليه . وهذا كقول إبراهيم عليه الصلاة والسلام : { إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الصافات : 99 ] أراد أرض الشام . وقال تعالى : { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ } [ النساء : 100 ] أي إلى المدينة . وقال أبو هريرة قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " أتاني ملَك من ربي عز وجل برسالة ثم رفع رجله فوضعها فوق السماء والأخرى على الأرض لم يرفعها بعد " .