Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 5-5)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه ست مسائل : الأولى : قوله تعالى : { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ } نزلت في زيد بن حارثة ، على ما تقدّم بيانه . وفي قول ابن عمر : ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد ، دليل على أن التَّبَنِّي كان معمولاً به في الجاهلية والإسلام ، يُتوارث به ويتناصر ، إلى أن نسخ الله ذلك بقوله : { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } أي أعدل . فرفع الله حكم التَّبَنِّي ومنع من إطلاق لفظه ، وأرشد بقوله إلى أن الأوْلى والأعدل أن يُنسب الرجل إلى أبيه نَسَباً فيقال : كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه من الرجل جلَده وظَرْفه ضمه إلى نفسه ، وجعل له نصيب الذكر من أولاده من ميراثه ، وكان يُنْسب إليه فيقال فلان ابن فلان . وقال النحاس : هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من التبنّي ، وهو من نسخ السنّة بالقرآن فأمر أن يدعوا من دعوا إلى أبيه المعروف ، فإن لم يكن له أب معروف نسبوه إلا وَلائه ، فإن لم يكن له وَلاء معروف قال له يا أخي يعني في الدين ، قال الله تعالى : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [ الحجرات : 10 ] . الثانية : لو نسبه إنسان إلى أبيه من التبنّي فإن كان على جهة الخطأ ، وهو أن يسبق لسانه إلى ذلك من غير قصد فلا إثم ولا مؤاخذة لقوله تعالى : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } . وكذلك لو دعوت رجلاً إلى غير أبيه وأنت ترى أنه أبوه فليس عليك بأس قاله قتادة . ولا يجري هذا المجرى ما غلب عليه اسم التبنّي كالحال في المِقْداد بن عمرو فإنه كان غلب عليه نسب التبنّي ، فلا يكاد يعرف إلا بالمقداد بن الأسود فإن الأسود بن عبد يغوث كان قد تبنّاه في الجاهلية وعرف به . فلما نزلت الآية قال المِقْداد : أنا ابن عمرو ومع ذلك فبقي الإطلاق عليه . ولم يُسمع فيمن مضى من عَصَّى مُطْلِق ذلك عليه وإن كان متعمداً . وكذلك سالم مولى أبي حذيفة ، كان يدعى لأبي حذيفة . وغير هؤلاء ممن تُبُنِّي وانْتُسِب لغير أبيه وشُهِر بذلك وغَلب عليه . وذلك بخلاف الحال في زيد بن حارثة فإنه لا يجوز أن يقال فيه زيد بن محمد ، فإن قاله أحد متعمّداً عصى لقوله تعالى : { وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } أي فعليكم الجناح . والله أعلم . ولذلك قال بعده : { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } أي « غَفُوراً » للعمد ، و « رَحِيماً » برفع إثم الخطأ . الثالثة : وقد قيل : إن قول الله تبارك وتعالى : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ } مُجْمَل أي وليس عليكم جناح في شيء أخطأتم ، وكانت فُتْيَا عطاء وكثيرٍ من العلماء . على هذا إذا حلف رجل ألاّ يفارق غريمه حتى يستوفي منه حقه ، فأخذ منه ما يرى أنه جيّد من دنانير فوجدها زيوفاً أنه لا شيء عليه . وكذلك عنده إذا حلف ألا يسلّم على فلان فسلّم عليه وهو لا يعرفه أنه لا يحنث لأنه لم يتعمد ذلك . و « ما » في موضع خفض ردًّا على « ما » التي مع « أَخْطَأْتُمْ » . ويجوز أن تكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ والتقدير : ولكن الذي تؤاخَذون به ما تَعمّدت قلوبكم . قال قتادة وغيره : من نسب رجلاً إلى غير أبيه ، وهو يرى أنه أبوه ، خطأً فذلك من الذي رفع الله فيه الجناح . وقيل : هو أن يقول له في المخاطبة : يا بنيّ على غير تَبَنٍّ . الرابعة : قوله تعالى : { ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ } « بِأَفْوَاهِكُمْ » تأكيد لبطلان القول أي أنه قول لا حقيقة له في الوجود ، إنما هو قول لسانيّ فقط . وهذا كما تقول : أنا أمشي إليك على قَدَم فإنما تريد بذلك المبرّة . وهذا كثير . وقد تقدّم هذا المعنى في غير موضع . { وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ } « الحقّ » نعت لمصدر محذوف أي يقول القول الحق . و { يَهْدِي } معناه يبين فهو يتعدى بغير حرف جرّ . الخامسة : الأدعياء جمع الّدعيّ ، وهو الذي يدعى ابناً لغير أبيه أو يدّعِي غير أبيه والمصدر الدِّعْوة بالكسر فأمر تعالى بدعاء الأدعياء إلى آبائهم للصُّلْب ، فمن جهل ذلك فيه ولم تشتهر أنسابهم كان مَوْلًى وأخاً في الدِّين . وذكر الطبريّ أن أبا بكرة قرأ هذه الآية وقال : أنا ممن لا يُعرف أبوه ، فأنا أخوكم في الدِّين ومولاكم . قال الراوي عنه : ولو علم واللَّهِ أن أباه حمار لانتمى إليه . ورجال الحديث يقولون في أبي بكرة : نُفَيع بن الحارث . السادسة : روى الصحيح عن سعد بن أبي وَقّاص وأبي بكرة كلاهما قال : سَمِعَتْه أذناي ووعاه قلبي محمداً صلى الله عليه وسلم يقول : " من ادّعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام " وفي حديث أبي ذرّ أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : " ليس مِن رجل ادّعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر " .