Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 60-62)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه خمس مسائل : الأولى : قوله تعالى : { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ } الآية . أهل التفسير على أن الأوصاف الثلاثة لشيء واحد كما روى سفيان بن سعيد عن منصور عن أبي رزين قال : { ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ } قال : هم شيء واحد ، يعني أنهم قد جمعوا هذه الأشياء . والواو مقحمة . كما قال : @ إلى الملك القَرْم وابن الهمام ولَيْثِ الكَتيبة في المُزْدحم @@ أراد إلى الملك القرم ابن الهمام ليثِ الكتيبة ، وقد مضى في « البقرة » . وقيل : كان منهم قوم يُرجفون ، وقوم يتبعون النساء للرِّيبة ، وقوم يشكّكون المسلمين . قال عكرمة وشَهْر بن حَوْشَب : « الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ » يعني الذين في قلوبهم الزنى . وقال طاوس : نزلت هذه الآية في أمر النساء . وقال سلمة بن كُهيل : نزلت في أصحاب الفواحش ، والمعنى متقارب . وقيل : المنافقون والذين في قلوبهم مرض شيء واحد ، عبّر عنهم بلفظين دليله آية المنافقين في أول سورة « البقرة » . والمرجفون في المدينة قوم كانوا يخبرون المؤمنين بما يسوءهم من عدوّهم ، فيقولون إذا خرجت سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنهم قد قتلوا أو هزموا ، وإن العدوّ قد أتاكم ، قاله قتادة وغيره . وقيل كانوا يقولون : أصحاب الصُّفّة قوم عزّاب ، فهم الذين يتعرّضون للنساء . وقيل : هم قوم من المسلمين ينطقون بالأخبار الكاذبة حُبًّا للفتنة . وقد كان في أصحاب الإفك قوم مسلمون ولكنهم خاضوا حُبًّا للفتنة . وقال ابن عباس : الإرجاف التماس الفتنة ، والإرجاف : إشاعة الكذب والباطل للاغتمام به . وقيل : تحريك القلوب ، يقال : رجفت الأرض أي تحرّكت وتزلزلت ترجُف رَجْفا . والرَّجَفان : الاضطراب الشديد . والرَّجَاف : البحر ، سُمي به لاضطرابه . قال الشاعر : @ المُطعِمون اللّحم كلّ عشيّة حتى تَغيب الشمسُ في الرَّجاف @@ والأرجاف : واحدُ أراجيف الأخبار . وقد أرجَفوا في الشيء ، أي خاضوا فيه . قال الشاعر : @ فإنا وإن عيّرتمونا بقتله وأرجف بالإسلام باغٍ وحاسدُ @@ وقال آخر : @ أبالأراجيف يا ابن اللؤم توعِدني وفي الأراجيف خِلت اللؤمُ والخور @@ فالإرجاف حرام ، لأن فيه إذاية . فدلّت الآية على تحريم الإيذاء بالإرجاف . الثانية : قوله تعالى : { لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ } أي لنسلطنّك عليهم فتستأصلهم بالقتل . وقال ابن عباس : لم ينتهوا عن إيذاء النساء وأن الله عز وجل قد أغراه بهم . ثم إنه قال عز وجل : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ } [ التوبة : 84 ] وإنه أمره بلعنهم ، وهذا هو الإغراء وقال محمد بن يزيد : قد أغراه بهم في الآية التي تلي هذه مع اتصال الكلام بها ، وهو قوله عز وجل : { أَيْنَمَا ثُقِفُوۤاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً } . فهذا فيه معنى الأمر بقتلهم وأخذهم أي هذا حكمهم إذا كانوا مقيمين على النفاق والإرجاف . وفي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " خمس يُقتلن في الحِلّ والحَرَم " فهذا فيه معنى الأمر كالآية سواء . النحاس : وهذا من أحسن ما قيل في الآية . وقيل : إنهم قد انتهوا عن الإرجاف فلم يُغر بهم . ولام « لَنُغْرِيَنَّكَ » لام القسم ، واليمين واقعة عليها ، وأدخلت اللام في « إن » توطئة لها . الثالثة : قوله تعالى : { ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ } أي في المدينة . { إِلاَّ قَلِيلاً } نصب على الحال من الضمير في « يُجَاوِرُونَكَ » فكان الأمر كما قال تبارك وتعالى لأنهم لم يكونوا إلا أقلاء . فهذا أحد جوابي الفرّاء ، وهو الأولى عنده ، أي لا يجاورونك إلا في حال قلتهم . والجواب الآخر : أن يكون المعنى إلا وقتاً قليلاً ، أي لا يبقون معك إلا مدّة يسيرة ، أي لا يجاورونك فيها إلا جواراً قليلاً حتى يهلكوا ، فيكون نعتاً لمصدر أو ظرف محذوف . ودلّ على أن مَن كان معك ساكناً بالمدينة فهو جارٌ . وقد مضى في « النساء » . الرابعة : قوله تعالى : { مَّلْعُونِينَ } هذا تمام الكلام عند محمد بن يزيد ، وهو منصوب على الحال . وقال ابن الأنباريّ : « قلِيلاً ملعونِين » وقف حسن . النحاس : ويجوز أن يكون التمام « إِلاَّ قَلِيلاً » وتنصب « مَلْعُونِينَ » على الشتم . كما قرأ عيسى بن عمر : { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } . وقد حكي عن بعض النحويين أنه قال : يكون المعنى أينما ثُقِفوا أخذوا ملعونين . وهذا خطأ لا يَعمل ما كان مع المجازاة فيما قبله . وقيل : معنى الآية إن أصرّوا على النفاق لم يكن لهم مقام بالمدينة إلا وهم مطرودون ملعونون . وقد فعل بهم هذا ، فإنه " لما نزلت سورة « براءة » جمعوا ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : « يا فلان قم فاخرج فإنك منافق ويا فلان قم » فقام إخوانهم من المسلمين وتولّوا إخراجهم من المسجد " . الخامسة : قوله تعالى : { سُنَّةَ ٱللَّهِ } نصب على المصدر أي سنّ الله جل وعز فيمن أرجف بالأنبياء وأظهر نفاقه أن يؤخذ ويُقتل . { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } أي تحويلاً وتغييراً ، حكاه النقّاش . وقال السدّي : يعني أن من قُتل بحق فلا دِية على قاتله . المهدَوِيّ : وفي الآية دليل على جواز ترك إنفاذ الوعيد ، والدليل على ذلك بقاء المنافقين معه حتى مات . والمعروف من أهل الفضل إتمام وعدهم وتأخير وعيدهم ، وقد مضى هذا في « آل عمران » وغيرها .