Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 34-38)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } قال قتادة : أي أغنياؤها ورؤساؤها وجبابرتها وقادة الشر للرسل : { إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً } أي فُضّلنا عليكم بالأموال والأولاد ، ولو لم يكن ربكم راضياً بما نحن عليه من الدِّين والفضل لم يخوّلنا ذلك . { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } لأن من أحسن إليه فلا يعذبه ، فرد الله عليهم قولهم وما احتجوا به من الغنى فقال لنبيّه صلى الله عليه وسلم : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ } أي يوسعه { وَيَقْدِرُ } أي يقتّر ، أي إن الله هو الذي يفاضل بين عباده في الأرزاق امتحاناً لهم ، فلا يدلّ شيء من ذلك على ما في العواقب ، فسَعَة الرزق في الدنيا لا تدلّ على سعادة الآخرة ، فلا تظنوا أموالكم وأولادكم تغني عنكم غداً شيئاً . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } هذا لأنهم لا يتأملون . ثم قال تأكيداً : { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ } قال مجاهد : أي قُرْبى . والزُّلْفة القربة . وقال الأخفش : أي إزلافاً ، وهو اسم المصدر ، فيكون موضع « قُرْبَى » نصباً ، كأنه قال بالتي تقربكم عندنا تقريباً . وزعم الفراء أن « التي » تكون للأموال والأولاد جميعاً . وله قول آخر وهو مذهب أبي إسحاق الزجاج ، يكون المعنى : وما أموالكم بالتي تقربكم عندنا ، ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ، ثم حذف خبر الأوّل لدلالة الثاني عليه وأنشد الفراء : @ نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضٍ والرأيُ مختلِفُ @@ ويجوز في غير القرآن : باللتين وباللاتي وباللواتي وباللَّذَين وبالّذين للأولاد خاصة ، أي لا تزيدكم الأموال عندنا رفعة ودرجة ، ولا تقرّبكم تقريباً . { إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } قال سعيد بن جبير : المعنى إلا من آمن وعمل صالحاً فلن يضره مالُه وولدُه في الدنيا . وروى ليث عن طاوس أنه كان يقول : اللهم ارزقني الإيمان والعمل ، وجنّبني المالَ والولد ، فإني سمعت فيما أوْحيتَ { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } . قلت : قول طاوس فيه نظر ، والمعنى والله أعلم : جنّبني المال والولد المطْغِيَيْن أو اللذين لا خير فيهما فأما المال الصالح والولد الصالح للرجل الصالح فنِعم هذاٰ وقد مضى هذا في « آل عمران ومريم ، والفرقان » . و « مَن » في موضع نصب على الاستثناء المنقطع ، أي لكن من آمن وعمل صالحاً فإيمانه وعمله يقرِّبانه مني . وزعم الزجاج أنه في موضع نصب بالاستثناء على البدل من الكاف والميم التي في « تقرّبكم » . النحاس : وهذا القول غلط لأن الكاف والميم للمخاطب فلا يجوز البدل ، ولو جاز هذا لجاز : رأيتك زيداً . وقول أبي إسحاق هذا هو قول الفراء ، إلا أن الفراء لا يقول بدل لأنه ليس من لفظ الكوفيين ، ولكن قوله يؤول إلى ذلك ، وزعم أن مثله { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [ الشعراء : 89 ] يكون منصوباً عنده بـ « ـينفع » . وأجاز الفراء أن يكون « مَن » في موضع رفع بمعنى : ما هو إلا من آمن ، كذا قال ، ولست أحصِّل معناه . { فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ } يعني قوله : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [ الأنعام : 160 ] فالضعف الزيادة ، أي لهم جزاء التضعيف ، وهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول . وقيل : لهم جزاء الأضعاف ، فالضعف في معنى الجمع ، وإضافة الضعف إلى الجزاء كإضافة الشيء إلى نفسه ، نحو : حق اليقين ، وصلاة الأولى . أي لهم الجزاء المضعّف ، للواحد عشرة إلى ما يريد الله من الزيادة . وبهذه الآية استدلّ من فضّل الغنى على الفقر . وقال محمد بن كعب : إن المؤمن إذا كان غنِيًّا تقيًّا آتاه الله أجره مرتين بهذه الآية . { وَهُمْ فِي ٱلْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } قراءة العامة « جَزَاءُ الضِّعْفِ » بالإضافة . وقرأ الزهرِي ويعقوب ونصر بن عاصم « جزاءً » منوّناً منصوباً « الضعفُ » رفعاً أي فأولئك لهم الضعف جزاء ، على التقديم والتأخير . « وَجَزَاءُ الضِّعْفِ » على أن يجازوا الضعف . و « جزاءٌ الضعفُ » مرفوعان ، الضعفُ بدل من جزاء . وقرأ الجمهور أيضاً « في الْغُرُفَات » على الجمع ، وهو اختيار أبي عبيد لقوله : { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً } [ العنكبوت : 58 ] . الزمخشري : وقرىء « فِي الغرفاتِ » بضم الراء وفتحها وسكونها . وقرأ الأعمش ويحيـى بن وَثّاب وحمزة وخلف « في الغرفة » على التوحيد لقوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ } [ الفرقان : 75 ] . والغرفة قد يراد بها اسم الجمع واسم الجنس . قال ابن عباس : هي غرف من ياقوت وزبرجد ودُرّ . وقد مضى بيان ذلك . { آمِنُونَ } أي من العذاب والموت والأسقام والأحزان . { وَٱلَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِيۤ آيَاتِنَا } في إبطال أدلتنا وحجتنا وكتابنا . { مُعَاجِزِينَ } معانِدين ، يحسبون أنهم يفوتوننا بأنفسهم . { أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } أي في جهنم تحضرهم الزبانية فيها .