Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 31-33)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يريد كفار قريش . { لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَلاَ بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } قال سعيد عن قتادة : « وَلاَ بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ » من الكتب والأنبياء عليهم الصلاة والسلام . وقيل من الآخرة . وقال ابن جُريج : قائل ذلك أبو جهل بن هشام . وقيل : إن أهل الكتاب قالوا للمشركين صفة محمد في كتابنا فسلوه ، فلما سألوه فوافق ما قال أهل الكتاب قال المشركون : لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي أنزل قبله من التوراة والإنجيل بل نكفر بالجميع وكانوا قبل ذلك يراجعون أهل الكتاب ويحتجون بقولهم ، فظهر بهذا تناقضهم وقلة علمهم . ثم أخبر الله تبارك وتعالى عن حالهم فيما لهم فقال { وَلَوْ تَرَىٰ } يا محمد { إِذِ ٱلظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } أي محبوسون في موقف الحساب ، يتراجعون الكلام فيما بينهم باللوم والعتاب بعد أن كانوا في الدنيا أخلاء متناصرين . وجواب « لو » محذوف أي لرأيت أمراً هائلاً فظيعاً . ثم ذكر أيّ شيء يرجع من القول بينهم فقال : { يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } في الدنيا من الكافرين { لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ } وهم القادة والرؤساء { لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } أي أغويتمونا وأضللتمونا . واللغة الفصيحة « لَوْلاَ أَنْتُمْ » ومن العرب من يقول : « لولاكم » حكاها سيبويه تكون « لَوْلا » تخفض المضمر ويرتفع المظهر بعدها بالابتداء ويحذف خبره . ومحمد بن يزيد يقول : لا يجوز « لولاكم » لأن المضمر عقيب المظهر ، فلما كان المظهر مرفوعاً بالإجماع وجب أن يكون المضمر أيضاً مرفوعاً . { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوۤاْ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ } هو استفهام بمعنى الإنكار ، أي ما رددناكم نحن عن الهدى ، ولا أكرهناكم . { بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ } أي مشركين مصرين على الكفر . { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } المكر أصله في كلام العرب الاحتيال والخديعة ، وقد مكر به يَمكُرُ فهو ماكر ومَكّار . قال الأخفش : هو على تقدير : هذا مكر الليل والنهار . قال النحاس : والمعنى والله أعلم بل مكركم في الليل والنهار ، أي مسارّتكم إيانا ودعاؤكم لنا إلى الكفر حملنا على هذا . وقال سفيان الثوري : بل عملكم في الليل والنهار . قتادة : بل مكركم بالليل والنهار صدّنا فأضيف المكر إليهما لوقوعه فيهما ، وهو كقوله تعالى : { إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ } [ نوح : 4 ] فأضاف الأجل إلى نفسه ، ثم قال : { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً } [ الأعراف : 34 ] إذ كان الأجل لهم . وهذا من قبيل قولك : ليله قائم ونهاره صائم . قال المبرد : أي بل مكركم الليل والنهار ، كما تقول العرب : نهاره صائم وليله قائم . وأنشد لجرير : @ لقد لُمْتِنَا يا أمَّ غَيْلان في السُّرَى ونمِت وما ليلُ المَطِيّ بنائم @@ وأنشد سيبويه : @ فـنـام ليـلـي وتـجـلّـى هـمـي @@ أي نمت فيه . ونظيره : { وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } [ غافر : 61 ] . وقرأ قتادة : « بل مَكْرٌ الليلَ والنهارَ » بتنوين « مكر » ونصب « الليل والنهار » ، والتقدير : بل مكر كائن في الليل والنهار ، فحذف . وقرأ سعيد بن جبير « بَلْ مكَرُّ » بفتح الكاف وشدّ الراء بمعنى الكرور ، وارتفاعه بالابتداء والخبر محذوف . ويجوز أن يرتفع بفعل مضمر دلّ عليه « أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ » كأنهم لما قالوا لهم أنحن صددناكم عن الهدى قالوا بل صدّنا مكر الليلِ والنهار . وروي عن سعيد بن جبير « بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَار » قال : مرّ الليلُ والنهار عليهم فغفلوا . وقيل : طول السلامة فيهما كقوله : { فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ } [ الحديد : 16 ] . وقرأ راشد « بل مَكَرَّ الليل والنهار » بالنصب ، كما تقول : رأيته مَقْدَمُ الحاج ، وإنما يجوز هذا فيما يعرف ، لو قلت : رأيته مقدَمَ زيد ، لم يجز ذكره النحاس . { إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً } أي أشباهاً وأمثالاً ونظراء . قال محمد بن يزيد : فلانٌ نِدُّ فلانٍ ، أي مثله . ويقال نَدِيد وأنشد : @ أينما تجعلون إليّ ندّاً وما أنتم لذي حسب نديد @@ وقد مضى هذا في « البقرة » . { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ } أي أظهروها ، وهو من الأضداد يكون بمعنى الإخفاء والإبداء . قال امرؤ القيس : @ تجاوزت أحراساً وأهوال مَعْشرٍ علّي حراصا لو يُسِرّون مَقْتَلي @@ وروي « يُشِرون » . وقيل : « وَأَسَرّوا النَّدامَةَ » أي تبينت الندامة في أسرار وجوههم . قيل : الندامة لا تظهر ، وإنما تكون في القلب ، وإنما يظهر ما يتولّد عنها ، حسبما تقدّم بيانه في سورة « يونس ، وآل عمران » . وقيل : إظهارهم الندامة قولُهم : { فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 102 ] . وقيل : أسروا الندامة فيما بينهم ولم يجهروا القول بها كما قال : { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } [ طه : 62 ] . { وَجَعَلْنَا ٱلأَغْلاَلَ فِيۤ أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الأغلال جمع غُلَّ ، يقال : في رقبته غُلّ من حديد . ومنه قيل للمرأة السيئة الخلق : غلٌّ قَمِل ، وأصله أن الغُلّ كان يكون من قِدّ وعليه شعر فيَقْمَل . وغَللتُ يده إلى عنقه وقد غُلَّ فهو مغلول ، يقال : مالَه أُلَّ وغُلَّ . والغُلّ أيضاً والغُلّة : حرارة العطش ، وكذلك الغليل يقال منه : غُلَّ الرجلُ يُغَلَّ غَلَلاً فهو مغلول ، على ما لم يسمَّ فاعله عن الجوهري . أي جعلت الجوامع في أعناق التابعين والمتبوعين . قيل من غير هؤلاء الفريقين . وقيل يرجع « الَّذِينَ كَفَرُوا » إليهم . وقيل : تم الكلام عند قوله : { لَمَّا رَأَوُاْ ٱْلَعَذَابَ } ثم ابتدأ فقال : { وَجَعَلْنَا ٱلأَغْلاَلَ } بعد ذلك في أعناق سائر الكفار . { هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } في الدنيا .