Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 27-28)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } هذه الرؤية رؤية القلب والعلم أي ألم ينته علمك ورأيت بقلبك أن الله أنزل فـ « ـأنّ » واسمها وخبرها سدّت مسدّ مفعولي الرؤية . { فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ } هو من باب تلوين الخطاب . { مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا } نصبت « مُخْتَلِفاً » نعتاً لـ « ـثَمَرَاتٍ » . { أَلْوَانُهَا } رفع بمختلف ، وصلح أن يكون نعتاً لـ « ـثَمَرَات » لما عاد عليه من ذكره . ويجوز في غير القرآن رفعه ومثله رأيت رجلاً خارجاً أبوه . { بِهِ } أي بالماء وهو واحد ، والثمرات مختلفة . { وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا } الجدد جمع جُدّة ، وهي الطرائق المختلفة الألوان ، وإن كان الجميع حجراً أو تراباً . قال الأخفش : ولو كان جمع جديد لقال : جُدُد بضم الجيم والدال نحو سرير وسرر وقال زهير : @ كأنه أسفع الخدّين ذو جُدُد طاوٍ ويرتع بعد الصيف عُريانا @@ وقيل : إن الجدد القِطع ، مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته حكاه ابن بحر . قال الجوهريّ : والجُدَّة الخُطّة التي في ظهر الحمار تخالف لونه . والجُدّة الطريقة ، والجمع جدد قال تعالى : { وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا } أي طرائق تخالف لون الجبل . ومنه قولهم : ركب فلان جُدَّةً من الأمر إذا رأى فيه رأياً . وكساء مجدّد : فيه خطوط مختلفة . الزمخشري : وقرأ الزهريّ « جدد » بالضم جمع جديدة ، وهي الجدّة يقال : جديدة وجُدُد وجدائد كسفينة وسفن وسفائن . وقد فسّر بها قول أبي ذُؤيب : @ جَـوْن السَّـراة لـه جـدائـد أربـعُ @@ وروي عنه « جَدَد » بفتحتين ، وهو الطريق الواضح المسفر ، وضعه موضع الطرائق والخطوط الواضحة المنفصل بعضها من بعض . { وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ } وقرِىء : « والدواب » مخففاً . ونظير هذا التخفيف قراءة من قرأ : « وَلاَ الضّألين » لأن كل واحد منهما فرّ من التقاء الساكنين ، فحرّك ذلك أوّلهما ، وحذف هذا آخرهما قاله الزمخشريّ . { وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } أي فيهم الأحمر والأبيض والأسود وغير ذلك ، وكل ذلك دليل على صانع مختار . وقال : « مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ » فذكَّر الضمير مراعاة لـ « ـمن » قاله المؤرِّج . وقال أبو بكر بن عياش : إنما ذكر الكناية لأجل أنها مردودة إلى « ما » مضمرة مجازه : ومن الناس ومن الدواب ومن الأنعام ما هو مختلف ألوانه ، أي أبيض وأحمر وأسود . { وَغَرَابِيبُ سُودٌ } قال أبو عبيدة : الغِربيب الشديد السواد ففي الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : ومن الجبال سود غرابيب . والعرب تقول للشديد السواد الذي لونه كلون الغراب : أسود غربيب . قال الجوهري : وتقول هذا أسود غربيب أي شديد السواد . وإذا قلت : غرابيب سود ، تجعل السود بدلاً من غرابيب لأن توكيد الألوان لا يتقدم . وفي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إن الله يبغض الشيخ الغربيب " يعني الذي يخضِب بالسواد . قال امرؤ القيس : @ العين طامحة واليد سابحة والرِّجْل لافحة والوجه غربيب @@ وقال آخر يصف كَرْماً : @ ومن تعاجيب خلق الله غاطيةٌ يُعصَر منها مُلاحِيٌّ وغِربيب @@ { كَذَلِكَ } هنا تمام الكلام أي كذلك تختلف أحوال العباد في الخشية ، ثم استأنف فقال : { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } يعني بالعلماء الذين يخافون قدرته فمن علم أنه عز وجل قدير أيقن بمعاقبته على المعصية ، كما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس « إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ » قال : الذين علموا أن الله على كل شيء قدير . وقال الربيع بن أنس : من لم يخش الله تعالى فليس بعالِم . وقال مجاهد : إنما العالِم من خشي الله عز وجل . وعن ابن مسعود : كفى بخشية الله تعالى علماً وبالاغترار جهلاً . وقيل لسعد بن إبراهيم : مَن أفقه أهل المدينة ؟ قال أتقاهم لربه عز وجل . وعن مجاهد قال : إنما الفقيه من يخاف الله عز وجل . وعن علي رضي الله عنه قال : إن الفقيه حقَّ الفقيه من لم يُقنط الناس من رحمة الله ، ولم يرخص لهم في معاصي الله تعالى ، ولم يؤمّنهم من عذاب الله ، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره إنه لا خير في عبادة لا علم فيها ، ولا علم لا فقه فيه ، ولا قراءة لا تدبر فيها . وأسند الدارميّ أبو محمد عن مكحول قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن فضل العالِم على العابد كفضلي على أدناكم ثم تلا هذه الآية { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } . إن الله وملائكته وأهلَ سمواته وأهل أرضيه والنونَ في البحر يُصلون على الذين يعلّمون الناس الخير " الخبر مرسل . قال الدارمي : وحدثني أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن يزيد بن حازم قال حدثني عمي جرير بن زيد أنه سمع تُبَيْعاً يحدّث عن كعب قال : إني لأجد نعت قوم يتعلمون لغير العمل ، ويتفقهون لغير العبادة ، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة ، ويلبسون جلود الضأن ، قلوبهم أمرُّ من الصبر فبي يغترّون ، وإياي يخادعون ، فبي حلفت لأتيحنَّ لهم فتنة تذر الحليم فيهم حيران . خرّجه الترمذيّ مرفوعاً من حديث أبي الدرداء وقد كتبناه في مقدّمة الكتاب . الزمخشريّ : فإن قلت : فما وجه قراءة من قرأ « إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهُ » بالرفع « مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءَ » بالنصب ، وهو عمر بن عبد العزيز ، وتُحكى عن أبي حنيفة . قلت : الخشية في هذه القراءة استعارة ، والمعنى : إنما يجلّهم ويعظمهم كما يُجَلّ المهيب المخشيُّ من الرجال بين الناس من بين جميع عباده . { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } تعليل لوجوب الخشية ، لدلالته على عقوبة العصاة وقهرهم ، وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم . والمعاقِب والمثيب حقّه أن يخشى .