Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 42-43)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ } هم قريش أقسموا قبل أن يبعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ، حين بلغهم أن أهل الكتاب كذّبوا رسلهم ، فلَعنوا مَن كذّب نبيَّه منهم ، وأقسموا بالله جلّ اسمه { لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ } أي نبيّ { لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } يعني ممن كذّب الرسل من أهل الكتاب . وكانت العرب تتمنى أن يكون منهم رسول كما كانت الرسل من بني إسرائيل ، فلما جاءهم ما تمنَّوْه وهو النذير من أنفسهم ، نفروا عنه ولم يؤمنوا به . { ٱسْتِكْبَاراً } أي عُتُوًّا عن الإيمان { وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ } أي مكر العمل السيىء وهو الكفر وخَدْع الضعفاء ، وصدّهم عن الإيمان ليكثر أتباعهم . وأنّث « مِن إِحدى الأمم » لتأنيث أُمّة قاله الأخفش . وقرأ حمزة والأخفش « ومكر السَّيِّىء وَلا يَحِيق الْمَكْرُ السَّيِّىءُ » فحذف الإعراب من الأوّل وأثبته في الثاني . قال الزجاج : وهو لحن وإنما صار لحناً لأنه حذف الإعراب منه . وزعم المبرِّد أنه لا يجوز في كلام ولا في شعر لأن حركات الإعراب لا يجوز حذفها ، لأنها دخلت للفرق بين المعاني . وقد أعظم بعض النحويين أن يكون الأعمش على جلالته ومحله يقرأ بهذا ، قال : إنما كان يقف عليه ، فغلط من أدّى عنه ، قال : والدليل على هذا أنه تمام الكلام ، وأن الثاني لما لم يكن تمام الكلام أعرب باتفاق ، والحركة في الثاني أثقل منها في الأوّل لأنها ضمة بين كسرتين . وقد احتج بعض النحويين لحمزة في هذا بقول سيبويه ، وأنه أنشد هو وغيره : @ إذا اعـوجـجـن قـلـتُ صاحِـبْ قَـوِّمِ @@ وقال الآخر : @ فاليوم أشْرَبْ غيرَ مُسْتَحْقِبٍ إثماً مِن الله ولا واغلِ @@ وهذا لا حجة فيه لأن سيبويه لم يجزه ، وإنما حكاه عن بعض النحويين ، والحديث إذا قيل فيه عن بعض العلماء لم يكن فيه حجة ، فكيف وإنما جاء به على وجه الشذوذ ولضرورة الشعر وقد خولف فيه . وزعم الزجاج أن أبا العباس أنشده : @ إذا اعـوجـجـن قـلـت صـاح قـوّم @@ وأنه أنشد : @ فـالـيـوم اشـرب غيـر مستـحقِـبٍ @@ بوصل الألف على الأمر ذكر جميعه النحاس . الزمخشريّ : وقرأ حمزة « ومكر السَّيّىءْ » بسكون الهمزة ، وذلك لاستثقاله الحركات ، ولعله اختلس فظن سكوناً ، أو وقف وقفة خفيفة ثم ابتدأ « ولا يحِيق » . وقرأ ابن مسعود « ومَكْراً سيئاً » . وقال المهدويّ : ومن سكّن الهمزة من قوله : { وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ } فهو على تقدير الوقف عليه ، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف ، أو على أنه أسكن الهمزة لتوالي الكسرات والياءات ، كما قال : @ فـالـيـوم اشـرب غيـر مستـحقـب @@ قال القشيريّ : وقرأ حمزة « ومكر السيىءْ » بسكون الهمزة ، وخطّأه أقوام . وقال قوم : لعله وقف عليه لأنه تمام الكلام ، فغلط الراوي وروي ذلك عنه في الإدراج ، وقد سبق الكلام في أمثال هذا ، وقلنا : ما ثبت بالاستفاضة أو التواتر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأه فلا بدّ من جوازه ، ولا يجوز أن يقال : إنه لحن ، ولعل مراد من صار إلى التخطئة أن غيره أفصح منه ، وإن كان هو فصيحاً . { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } أي لا ينزل عاقبة الشرك إلا بمن أشرك . وقيل : هذا إشارة إلى قتلهم ببدر . وقال الشاعر : @ وقد دفعوا المنية فاستقلت ذراعاً بعد ما كانت تحيق @@ أي تنزل ، وهذا قول قُطْرُب . وقال الكلبيّ : « يَحِيق » بمعنى يُحيط . والحَوْق الإحاطة ، يقال : حاق به كذا أي أحاط به . وعن ابن عباس أن كعباً قال له : إني أجد في التوارة « من حفَر لأخيه حُفرةً وقع فيها ؟ » فقال ابن عباس : فإني أوجِدُك في القرآن ذلك . قال : وأين ؟ قال : فاقرأ « ولا يَحِيق المكر السيىء إلا بِأهلِهِ » . وفي أمثال العرب « من حفَر لأخيه جُبًّا وَقع فيه مُنْكَبّاً » وروى الزُّهريّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " لا تَمكر ولا تُعِن ماكراً " فإن الله تعالى يقول : { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } ، ولا تَبْغِ ولا تُعنْ باغياً فإن الله تعالى يقول { فَمن نَكَث فإنما يَنْكُثُ على نفسِهِ } [ الفتح : 10 ] وقال تعالى : { إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } [ يونس : 23 ] وقال بعض الحكماء : @ يأيها الظالم في فعله والظلم مردود على من ظلم إلى متى أنت وحتى متى تُحصي المصائب وَتنسى النِّعم @@ وفي الحديث : " المكر والخديعة في النار " فقوله : « في النار » يعني في الآخرة تدخل أصحابها في النار لأنها من أخلاق الكفار لا من أخلاق المؤمنين الأخيار ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في سياق هذا الحديث : " وليس من أخلاق المؤمن المكر والخديعة والخيانة " وفي هذا أبلغ تحذير عن التخلق بهذه الأخلاق الذميمة ، والخروج عن أخلاق الإيمان الكريمة . قوله تعالى : { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ } أي إنما ينتظرون العذاب الذي نزل بالكفار الأولين . { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً } أي أجرى الله العذاب على الكفار ، ويجعل ذلك سُنة فيهم ، فهو يعذب بمثله من استحقه ، لا يقدر أحد أن يبدّل ذلك ، ولا أن يحوّل العذاب عن نفسه إلى غيره . والسُّنّة الطريقة ، والجمع سُنَن . وقد مضى في « آل عمران » وأضافها إلى الله عز وجل . وقال في موضع آخر : { سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا } [ الإسراء : 77 ] فأضاف إلى القوم لتعلّق الأمر بالجانبين وهو كالأجل ، تارة يضاف إلى الله ، وتارة إلى القوم قال الله تعالى : { فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ } [ العنكبوت : 5 ] وقال : « فإذا جاء أجلهم » .