Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 1-5)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يسۤ } في « يۤس » أوجه من القراءات : قرأ أهل المدينة والكسائي { يسۤ * وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } بإدغام النون في الواو . وقرأ أبو عمرو والأعمش وحمزة « يَسِنْ » بإظهار النون . وقرأ عيسى بن عمر « يَسِنَ » بنصب النون . وقرأ ٱبن عباس وٱبن أبي إسحاق ونصر بن عاصم « يسِنِ » بالكسر . وقرأ هارون الأعور ومحمد بن السَّمَيْقَع « يَسِنُ » بضم النون فهذه خمس قراءات . القراءة الأولى بالإدغام على ما يجب في العربية لأن النون تدغم في الواو . ومن بيّن قال : سبيل حروف الهجاء أن يوقف عليها ، وإنما يكون الإدغام في الإدراج . وذكر سبيويه النصب وجعله من جهتين : إحداهما أن يكون مفعولاً ولا يصرفه لأنه عنده ٱسم أعجمي بمنزلة هابيل ، والتقدير ٱذكر يسين . وجعله سيبويه ٱسماً للسورة . وقوله الآخر أن يكون مبنياً على الفتح مثل كيفَ وأينَ . وأما الكسر فزعم الفراء أنه مشبَّه بقول العرب جيرِ لا أفعل فعلى هذا يكون « يسِنِ » قسَما . وقاله ٱبن عباس . وقيل : مشبَّه بأمِس وحذامِ وهؤلاءِ ورقاشِ . وأما الضم فمشبّه بمنذُ وحيثُ وقطُّ ، وبالمنادى المفرد إذا قلت يا رجلُ ، لمن يقف عليه . قال ٱبن السَّمَيْقَع وهارون : وقد جاء في تفسيرها يا رجل فالأولى بها الضم . قال ٱبن الأنباري : « يۤس » وقف حسن لمن قال هو ٱفتتاح للسورة . ومن قال : معنى « يۤس » يا رجل لم يقف عليه . وروي عن ٱبن عباس وٱبن مسعود وغيرهما أن معناه يا إنسان ، وقالوا في قوله تعالى : { سَلاَمٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ } [ الصافات : 130 ] أي على آل محمد . وقال سعيد بن جبير : هو ٱسم من أسماء محمد صلى الله عليه وسلم ودليله « إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ » . قال السيد الحميري : @ يا نفس لا تَمحضِي بالنُّصْحِ جاهدةً عَلَى المودَّةِ إلا آلَ ياسينَ @@ وقال أبو بكر الورّاق : معناه يا سيد البشر . وقيل : إنه ٱسم من أسماء الله قاله مالك . روى عنه أشهب قال : سألته هل ينبغي لأحد أن يتسمّى بياسين ؟ قال : ما أراه ينبغي لقول الله : { يسۤ * وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } يقول هذا ٱسمي يۤس . قال ٱبن العربي هذا كلام بديع ، وذلك أن العبد يجوز له أن يتسمَّى بٱسم الرب إذا كان فيه معنى منه كقوله : عالم وقادر ومريد ومتكلم . وإنما منع مالك من التسمية بـ « ـيسين » لأنه ٱسم من أسماء الله لا يُدْرى معناه فربما كان معناه ينفرد به الربّ فلا يجوز أن يقدم عليه العبد . فإن قيل فقد قال الله تعالى : { سَلاَمٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ } قلنا : ذلك مكتوب بهجاء فتجوز التسمية به ، وهذا الذي ليس بمتهجَّى هو الذي تكلم مالك عليه لما فيه من الإشكال والله أعلم . وقال بعض العلماء : ٱفتتح الله هذه السورة بالياء والسين وفيهما مجمع الخير : ودلّ المفتتح على أنه قلب ، والقلب أمير على الجسد وكذلك « يۤس » أمير على سائر السور ، مشتمل على جميع القرآن . ثم ٱختلفوا فيه أيضاً فقال سعيد بن جُبير وعكرمة : هو بلغة الحبشة . وقال الشّعبي : هو بلغة طيّ . الحسن : بلغة كلب . الكلبي : هو بالسريانية فتكلمت به العرب فصار من لغتهم . وقد مضى هذا المعنى في « طه » وفي مقدّمة الكتاب مستوفى . وقد سرد القاضي عياض أقوال المفسرين في معنى « يۤس » فحكى أبو محمد مكيّ أنه روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " لي عند ربي عشرة أسماء " ذكر أن منها طه ويۤس ٱسمان له . قلت : وذكر الماورديّ عن عليّ رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله تعالى أسماني في القرآن سبعة أسماء محمد وأحمد وطه ويۤس والمزمّل والمدثِّر وعبد الله " قاله القاضي . وحكى أبو عبد الرحمن السُّلَميّ عن جعفر الصادق أنه أراد يا سيد ، مخاطبة لنبيّه صلى الله عليه وسلم . وعن ٱبن عباس : « يۤس » يا إنسان أراد محمداً صلى الله عليه وسلم . وقال : هو قَسَم وهو من أسماء الله سبحانه . وقال الزجاج : قيل معناه يا محمد وقيل يا رجل وقيل يا إنسان . وعن ٱبن الحنفية : « يۤس » يا محمد . وعن كعب : « يۤس » قَسَم أقسم الله به قبل أن يخلق السماء والأرض بألفي عام قال يا محمد « إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ » ، ثم قال : « وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ » . فإن قدر أنه من أسمائه صلى الله عليه وسلم ، وصحّ فيه أنه قَسَم كان فيه من التعظيم ما تقدّم ، ويؤكد فيه القَسَم عطف القَسَم الآخر عليه . وإن كان بمعنى النداء فقد جاء قَسَم آخر بعده لتحقيق رسالته والشهادة بهدايته . أقسم الله تعالى باسمه وكتابه أنه لمن المرسلين بوحيه إلى عباده ، وعلى صراط مستقيم من إيمانه أي طريق لا ٱعوجاج فيه ولا عدول عن الحق . قال النقاش : لم يقسم الله تعالى لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إلا له ، وفيه من تعظيمه وتمجيده على تأويل من قال إنه يا سيِّد ما فيه ، وقد قال عليه السلام : " أنا سيد ولد آدم " ٱنتهى كلامه . وحكى القشيري قال ابن عباس : قالت كفار قريش لست مرسلاً وما أرسلك الله إلينا فأقسم الله بالقرآن المحكم أن محمداً من المرسلين . « والحكيم » المحكَم حتى لا يتعرض لبطلان وتناقض كما قال : { أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } [ هود : 1 ] . وكذلك أحكم في نظمه ومعانيه فلا يلحقه خلل . وقد يكون « الْحَكِيمِ » في حق الله بمعنى المحكِم بكسر الكاف كالأليم بمعنى المؤلم . { عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي دين مستقيم وهو الإِسلام . وقال الزجاج : على طريق الأنبياء الذين تقدموك و قال : { إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } خبر إن ، و { عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } خبر ثانٍ أي إنك لمن المرسلين ، وإنك على صراط مستقيم . وقيل : المعنى لمن المرسلين على ٱستقامة فيكون قوله : { عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } من صلة المرسلين أي إنك لمن المرسلين الذين أرسلوا على طريقة مستقيمة كقوله تعالى : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ ٱللَّهِ } [ الشورى : 52 53 ] أي الصراط الذي أمر الله به . قوله تعالى : { تَنزِيلَ ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } قرأ ٱبن عامر وحفص والأعمش ويحيى وحمزة والكسائي وخلف : « تَنْزِيلَ » بنصب اللام على المصدر أي نزّل الله ذلك تنزيلاً . وأضاف المصدر فصار معرفة كقوله : { فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } [ محمد : 4 ] أي فضربا للرقاب . الباقون « تَنْزِيلُ » بالرفع على خبر ٱبتداء محذوف أي هو تنزيل ، أو الذي أنزل إليك تنزيل العزيز الرحيم . هذا وقرىء : « تَنْزِيلِ » بالجر على البدل من « الْقُرْآن » والتنزيل يرجع إلى القرآن . وقيل : إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم أي إنك لمن المرسلين ، وإنك { تَنزِيلَ ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } . فالتنزيل على هذا بمعنى الإرسال قال الله تعالى : { قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَّسُولاً يَتْلُو } [ الطلاق : 10 11 ] ويقال : أرسل الله المطر وأنزله بمعنى . ومحمد صلى الله عليه وسلم رحمة الله أنزلها من السماء . ومن نصب قال : إنك لمن المرسلين إرسالاً من الْعَزيز الرحيم . و « العزِيزِ » المنتقم ممن خالفه « الرَّحِيم » بأهل طاعته .