Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 6-8)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ } « ما » لا موضع لها من الإعراب عند أكثر أهل التفسير ، منهم قتادة لأنها نفي والمعنى : لتنذر قوماً ما أتى آباءهم قبلك نذير . وقيل : هي بمعنى الذي فالمعنى : لتنذرهم مثل ما أنذر آباؤهم قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة أيضاً . وقيل : إن « ما » والفعل مصدر أي لتنذر قوماً إنذار آبائهم . ثم يجوز أن تكون العرب قد بلغتهم بالتواتر أخبار الأنبياء فالمعنى لم ينذَروا برسول من أنفسهم . ويجوز أن يكون بلغهم الخبر ولكن غفلوا وأعرضوا ونَسُوا . ويجوز أن يكون هذا خطاباً لقوم لم يبلغهم خبر نبيّ ، وقد قال الله : { وَمَآ آتَيْنَاهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ } [ سبأ : 44 ] وقال : { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [ سجدة : 3 ] أي لم يأتهم نبيّ . وعلى قول من قال بلغهم خبر الأنبياء ، فالمعنى فهم معرضون الآن متغافلون عن ذلك ، ويقال للمعرض عن الشيء إنه غافل عنه . وقيل : { فَهُمْ غَافِلُونَ } عن عقاب الله . قوله تعالى : { لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ } أي وجب العذاب على أكثرهم { فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } بإنذارك . وهذا فيمن سبق في علم الله أنه يموت على كفره . ثم بيّن سبب تركهم الإيمان فقال : { إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً } . قيل : نزلت في أبي جهل ٱبن هشام وصاحبيه المخزوميين وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمداً يصلّي ليرضخنّ رأسه بحجر فلما رآه ذهب فرفع حجراً ليرميه ، فلما أومأ إليه رجعت يده إلى عنقه ، والتصق الحجر بيده قاله ابن عباس وعكرمة وغيرهما فهو على هذا تمثيل أي هو بمنزلة من غُلَّت يدُه إلى عنقه ، فلما عاد إلى أصحابه أخبرهم بما رأى ، فقال الرجل الثاني وهو الوليد بن المغيرة : أنا أرضَخ رأسه . فأتاه وهو يصلّي على حالته ليرميه بالحجر فأعمى الله بصره فجعل يسمع صوته ولا يراه ، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقال : والله ما رأيته ولقد سمعت صوته . فقال الثالث : والله لأشدخنّ أنا رأسه . ثم أخذ الحجر وٱنطلق فرجع القهقرى ينكص على عقبيه حتى خَرَّ على قفاه مغشيّا عليه . فقيل له : ما شأنك ؟ قال شأني عظيم ! رأيت الرجل فلما دنوت منه ، وإذا فَحْل يَخطِر بذنبه ما رأيت فحلا قط أعظم منه حال بيني وبينه ، فوالَّلاتِ والعُزّى لو دنوت منه لأكلني . فأنزل الله تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ } . وقرأ ابن عباس : « إِنَّا جَعَلْنَا فيِ أَيْمَانِهِمْ » . وقال الزجاج : وقرىء « إِنَّا جَعَلْنَا فيِ أَيْدِيهِم » . قال النحاس : وهذه القراءة تفسير ولا يقرأ بما خالف المصحف . وفي الكلام حذف على قراءة الجماعة التقدير : إنا جعلنا في أعناقهم وفي أيديهم أغلالاً فهي إلى الأذقان ، فهي كناية عن الأيدي لا عن الأعناق ، والعرب تحذف مثل هذا . ونظيره : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [ النحل : 81 ] وتقديره وسرابيل تقيكم البرد فحذف لأن ما وقى من الحر وقى من البرد لأن الغُلّ إذا كان في العنق فلا بد أن يكون في اليد ، ولا سيما وقد قال الله عز وجل : { فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ } فقد علم أنه يراد به الأيدي . { فَهُم مُّقْمَحُونَ } أي رافعو رؤوسهم لا يستطيعون الإطراق لأن من غُلّت يده إلى ذَقنه ٱرتفع رأسه . روى عبد الله بن يحيى : أن علي بن أبي طالب عليه السلام أراهم الإقماح ، فجعل يديه تحت لحيته وألصقهما ورفع رأسه . قال النحاس ، وهذا أجلّ ما روي فيه وهو مأخوذ مما حكاه الأصمعي . قال : يقال أقمحت الدابة إذا جذبت لجامها لترفع رأسها . قال النحاس : والقاف مبدلة من الكاف لقربها منها . كما يقال : قَهَرته وكَهَرته . قال الأصمعِي : يقال أكمحتُ الدابَة إذا جذبت عنانها حتى ينتصب رأسها . ومنه قول الشاعر : @ … والـرأسُ مُكَمـحُ @@ ويقال : أكمحتها وأكفحتها وكبحتها هذه وحدها بلا ألف عن الأصمعي . وقَمَح البعير قُمُوُحاً : إذا رفع رأسه عند الحوض وٱمتنع من الشرب ، فهو بعير قامِحٌ وقمِحٌ يقال : شَرِب فتقمّح وٱنقمح بمعنًى إذا رفع رأسه وترك الشرب رِيًّا . وقد قامحت إبلُك : إذا وردت ولم تشرب ، ورفعت رأسها من داء يكون بها أو برد . وهي إبل مُقامحة ، وبعير مقامح ، وناقة مقامح أيضاً ، والجمع قمِاح على غير قياس قال بشر يصف سفينة : @ ونحن على جَوانبها قُعُودٌ نَغُض الطرفَ كالإبل القِمَاحِ @@ والإقماح : رفع الرأس وغض البصر يقال : أقْمَحه الغُلّ إذا ترك رأسه مرفوعاً من ضيقه . وشهرا قمِاح : أشدّ ما يكون من البرد ، وهما الكانونان سميا بذلك لأن الإبل إذا وردت آذاها برد الماء فقامحت رؤوسها ومنه قَمِحتُ السويَق . وقيل : هو مثل ضربه الله تعالى لهم في ٱمتناعهم من الهدى كامتناع المغلول قاله يحيى بن سلاّم وأبو عبيدة . وكما يقال : فلان حمار أي لا يبصر الهدى . وكما قال : @ لهم عـن الرشـدِ أغـلالٌ وأقيـاد @@ وفي الخبر : أن أبا ذؤيب كان يهوى ٱمرأة في الجاهلية ، فلما أسلم راودته فأبى وأنشأ يقول : @ فليس كعهدِ الدارِ يا أُم مَالكٍ ولكن أحاطت بالرقاب السلاسِل وعاد الفتى كالكهلِ ليس بقائلٍ سِوى العدلِ شيئاً فٱستراح العواذِلُ @@ أراد مُنِعْنَا بموانع الإسلام عن تعاطي الزنى والفسق . وقال الفراء أيضاً : هذا ضرب مثل أي حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله وهو كقوله تعالى : { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ } [ الإسراء : 29 ] وقاله الضحاك . وقيل : إن هؤلاء صاروا في الاستكبار عن الحق كمن جُعل في يده غُلٌّ فجمعت إلى عنقه ، فبقي رافعاً رأسه لا يخفضه ، وغاضًّا بصره لا يفتحه . والمتكبر يوصف بانتصاب العنق . وقال الأزهري : إن أيديهم لما غُلَّت عند أعناقهم رَفعت الأغلال أذقانهم ورؤوسهم صُعُداً كالإبل ترفع رؤوسها . وهذا المنع بخلق الكفر في قلوب الكفار ، وعند قوم بسلبهم التوفيق عقوبة لهم على كفرهم . وقيل : الآية إشارة إلى ما يُفعَل بأقوام غداً في النار من وضع الأغلال في أعناقهم والسلاسل كما قال تعالى : { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ } [ غافر : 71 ] وأخبر عنه بلفظ الماضي . « فَهُمْ مُقْمَحُونَ » تقدّم تفسيره . قال مجاهد : « مُقْمَحُونَ » مُغلُّون عن كل خير .