Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 30-32)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ } منصوب لأنه نداء نكرة ولا يجوز فيه غير النصب عند البصريين . وفي حرف أُبَيّ « يَا حَسْرَةَ الْعِبَادِ » على الإضافة . وحقيقة الحسرة في اللغة أن يلحق الإنسان من الندم ما يصير به حسيراً . وزعم الفراء أن الاختيار النصب ، وأنه لو رفعت النكرة الموصولة بالصلة كان صواباً . وٱستشهد بأشياء منها أنه سمع من العرب : يا مُهَتمُّ بأمرنا لا تهتمّ . وأنشد : @ يا دارُ غَيَّرها البِـلَى تَغْييرَا @@ قال النحاس : وفي هذا إبطال باب النداء أو أكثره لأنه يرفع النكرة المحضة ، ويرفع ما هو بمنزلة المضاف في طوله ، وبحذف التنوين متوسطاً ، ويرفع ما هو في المعنى مفعول بغير علة أوجبت ذلك . فأما ما حكاه عن العرب فلا يشبه ما أجازه لأن تقدير يا مُهْتَمُّ بأمرنا لا تهتم على التقديم والتأخير ، والمعنى : يأيها المهتم لا تهتم بأمرنا . وتقدير البيت : يأيتها الدار ، ثم حوّل المخاطبة أي يا هؤلاء غيّر هذه الدار البلى كما قال الله جل وعز : { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم } [ يونس : 22 ] . فـ « ـحسرة » منصوب على النداء كما تقول يا رجلاً أقبل ، ومعنى النداء : هذا موضع حضور الحسرة . الطبري : المعنى يا حسرة من العباد على أنفسهم وتندُّماً وتلهُّفاً في ٱستهزائهم برسل الله عليهم السلام . ٱبن عباس : « يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ » أي يا ويلا على العباد . وعنه أيضاً : حلّ هؤلاء محلّ من يتحسر عليهم . وروى الربيع عن أنس عن أبي العالية أن العباد هاهنا الرسل وذلك أن الكفار لما رأوا العذاب قالوا : « يَا حَسْرَةً عَلَى العِبَادِ » فتحسروا على قتلهم ، وترك الإيمان بهم فتمنوا الإيمان حين لم ينفعهم الإيمان وقاله مجاهد . وقال الضحاك : إنها حسرة الملائكة على الكفار حين كذبوا الرسل . وقيل : « يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ » من قول الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ، لما وثب القوم لقتله . وقيل : إن الرسل الثلاثة هم الذين قالوا لما قتل القوم ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ، وحلَّ بالقوم العذاب : يا حسرة على هؤلاء ، كأنهم تمنوا أن يكونوا قد آمنوا . وقيل : هذا من قول القوم قالوا لما قتلوا الرجل وفارقتهم الرسل ، أو قتلوا الرجل مع الرسل الثلاثة ، على ٱختلاف الروايات : يا حسرة على هؤلاء الرسل ، وعلى هذا الرجل ، ليتنا آمنا بهم في الوقت الذي ينفع الإيمان . وتم الكلام على هذا ، ثم ٱبتدأ فقال : { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ } . وقرأ ٱبن هُرْمُز ومسلم بن جُنْدب وعِكرمة : « يَا حَسْرَهْ عَلَى الْعِبَادِ » بسكون الهاء للحرص على البيان وتقرير المعنى في النفس إذ كان موضع وعظ وتنبيه والعرب تفعل ذلك في مثله ، وإن لم يكن موضعاً للوقف . ومن ذلك ما روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يُقَطِّعُ قراءته حرفاً حرفاً حرصاً على البيان والإفهام . ويجوز أن يكون « عَلَى الْعِبَادِ » متعلقاً بالحسرة . ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف لا بالحسرة فكأنه قدر الوقف على الحسرة فأسكن الهاء ، ثم قال : « عَلَى الْعِبَادِ » أي أتحسر على العباد . وعن ٱبن عباس والضحاك وغيرهما : « يَا حَسْرَةَ العِبَادِ » مضاف بحذف « على » . وهو خلاف المصحف . وجاز أن يكون من باب الإضافة إلى الفاعل فيكون العباد فاعلين كأنهم إذا شاهدوا العذاب تحسروا فهو كقولك يا قيام زيدٍ . ويجوز أن تكون من باب الإضافة إلى المفعول ، فيكون العباد مفعولين فكأن العباد يتحّسر عليهم من يشفق لهم . وقراءة من قرأ : « يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ » مقوِّية لهذا المعنى . قوله تعالى : { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ } قال سيبويه : « أنّ » بدل من « كم » ، ومعنى كم هاهنا الخبر فلذلك جاز أن يبدل منها ما ليس باستفهام . والمعنى : ألم يروا أن القرون الذين أهلكناهم أنهم إليهم لا يرجعون . وقال الفراء : « كَمْ » في موضع نصب من وجهين : أحدهما بـ « ـيَرَوْا » وٱستشهد على هذا بأنه في قراءة ٱبن مسعود « أَلَمْ يَرَوْا مَنْ أَهْلَكْنَا » . والوجه الآخر أن يكون « كَمْ » في موضع نصب بـ « ـأَهْلَكْنَا » . قال النحاس : القول الأوّل محال لأن « كَمْ » لا يعمل فيها ما قبلها لأنها ٱستفهام ، ومحال أن يدخل الاستفهام في خبر ما قبله . وكذا حكمها إذا كانت خبراً ، وإن كان سيبويه قد أومأ إلى بعض هذا فجعل « أَنَّهُمْ » بدلاً من كم . وقد ردّ ذلك محمد بن يزيد أشدّ ردّ ، وقال « كَمْ » في موضع نصب بـ « ـأَهْلَكْنَا » و « أَنَّهُمْ » في موضع نصب ، والمعنى عنده بأنهم أي { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ } بالاستئصال . قال : والدليل على هذا أنها في قراءة عبد الله « مَنْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ » . وقرأ الحسن : « إِنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ » بكسر الهمزة على الاستئناف . وهذه الآية ردٌّ على من زعم أن من الخلق من يرجع قبل القيامة بعد الموت . { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } يريد يوم القيامة للجزاء . وقرأ ٱبن عامر وعاصم وحمزة : « وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا » بتشديد « لما » . وخفف الباقون . فـ « ـإن » مخففة من الثقيلة وما بعدها مرفوع بالابتداء ، وما بعده الخبر . وبطل عملها حين تغيَّر لفظها . ولزمت اللام في الخبر فرقاً بينها وبين إن التي بمعنى ما . و « ما » عند أبي عبيدة زائدة . والتقدير عنده : وإن كلٌّ لجميع . قال الفرّاء : ومن شدّد جعل « لما » بمعنى إلا و « إِن » بمعنى ما ، أي ما كلٌّ إلاَّ لَجميع كقوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ } [ المؤمنون : 25 ] . وحكى سيبويه في قوله : سألتك بالله لما فعلت . وزعم الكسائي أنه لا يعرف هذا . وقد مضى هذا المعنى في « هود » . وفي حرف أُبَيّ « وَإِنْ مِنْهُمْ إِلاَّ جَميعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ » .