Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 69-70)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } فيه أربع مسائل : الأولى : أخبر تعالى عن حال نبيّه صلى الله عليه وسلم ، وردّ قول من قال من الكفار إنه شاعر ، وإن القرآن شعر ، بقوله : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول الشعر ولا يزِنه ، وكان إذا حاول إنشاد بيت قديم متمثلاً كسر وزنه ، وإنما كان يحرز المعاني فقط صلى الله عليه وسلم . من ذلك أنه أنشد يوماً قول طرفة : @ سَتُبدِي لكَ الأيام ما كنتَ جاهلاً ويأتيكَ من لم تزوّدْه بالأخبار @@ وأنشد يوماً وقد قيل له من أشعر الناس فقال الذي يقول : @ ألم ترياني كلّما جئت طارقاً وجدتُ بها وإن لم تطيَّب طيبَا @@ وأنشد يوماً : @ أتجعلُ نَهْبي وَنْهبَ العبـ ـيدِ بين الأقرعِ وعُيَيْنَة @@ وقد كان عليه السلام ربما أنشد البيت المستقيم في النادر . روي أنه أنشد بيت عبد الله بن رواحة : @ يَبيتُ يُجافي جَنْبَهُ عن فراشهِ إذا ٱستثقلت بالمشركين المضاجِعُ @@ وقال الحسن بن أبي الحسن : أنشد النبي عليه السلام : @ كَفَى بالإسلام والشيبِ للمرء ناهياً @@ فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله إنما قال الشاعر : @ هريرةَ ودِّعْ إن تَجهزْتَ غاديا كَفَى الشيبُ والإسلامُ للمرء نَاهيَا @@ فقال أبو بكر أو عمر : أشهد أنك رسول الله ، يقول الله عز وجل : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } . وعن الخليل بن أحمد : كان الشعر أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثير من الكلام ، ولكن لا يتأتَّى له . الثانية : إصابته الوزن أحياناً لا يوجب أنه يعلم الشعر ، وكذلك ما يأتي أحياناً من نثر كلامه ما يدخل في وزن ، كقوله يوم حُنين وغيره : @ هل أنتِ إلا إصبعٌ دَمِيتِ وفي سبيلِ اللَّهِ ما لَقِيتِ @@ وقوله : @ أنا النبيُّ لا كَذِبْ أنا ٱبن عبدِ المطلبْ @@ فقد يأتي مثل ذلك في آيات القرآن ، وفي كل كلام وليس ذلك شعراً ولا في معناه كقوله تعالى : { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [ آل عمران : 92 ] ، وقوله : { نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } [ الصف : 13 ] ، وقوله : { وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ } [ سبأ : 13 ] إلى غير ذلك من الآيات . وقد ذكر ٱبن العربي منها آيات وتكلم عليها وأخرجها عن الوزن ، على أن أبا الحسن الأخفش قال في قوله : « أنا النبيّ لا كَذِبْ » ليس بشعر . وقال الخليل في كتاب العين : إن ما جاء من السجع على جزءين لا يكون شعراً . وروي عنه أنه من منهوك الرَّجَز . وقد قيل : لا يكون من منهوك الرجز بالوقف على الباء من قوله : « لا كذب » ، ومن قوله : « عبد المطلب » . ولم يعلم كيف قاله النبي صلى الله عليه وسلم . قال ٱبن العربي : والأظهر من حاله أنه قال « لا كَذِبُ » الباء مرفوعة ، وبخفض الباء من عبد المطلبِ على الإضافة . وقال النحاس قال بعضهم : إنما الرواية بالإعراب ، وإذا كانت بالإعراب لم يكن شعراً لأنه إذا فتح الباء من البيت الأوّل أو ضمها أو نوَّنها ، وكسر الباء من البيت الثاني خرج عن وزن الشعر . وقال بعضهم : ليس هذا الوزن من الشعر . وهذا مكابرة العيان لأن أشعار العرب على هذا قد رواها الخليل وغيره . وأما قوله : « هل أنتِ إلا إصبعٌ دَمِيتِ » فقيل إنه من بحر السريع ، وذلك لا يكون إلا إذا كسرت التاء من دميت ، فإن سكن لا يكون شعراً بحال لأن هاتين الكلمتين على هذه الصفة تكون فعول ، ولا مدخل لفعول في بحر السريع . ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قالها ساكنة التاء أو متحركة التاء من غير إشباع . والمعوّل عليه في الانفصال على تسليم أن هذا شعر ، ويسقط الاعتراض ، ولا يلزم منه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم عالماً بالشعر ولا شاعر أن التمثل بالبيت النزر وإصابة القافيتين من الرجز وغيره ، لا يوجب أن يكون قائلها عالماً بالشعر ، ولا يسمّى شاعراً باتفاق العلماء ، كما أن من خاط خيطاً لا يكون خياطاً . قال أبو إسحاق الزجاج : معنى « وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ » وما علمناه أن يشعر أي ما جعلناه شاعراً ، وهذا لا يمنع أن ينشد شيئاً من الشعر . قال النحاس : وهذا من أحسن ما قيل في هذا . وقد قيل : إنما خبَّر الله عز وجل أنه ما علمه الله الشعر ، ولم يخبر أنه لا ينشد شعراً ، وهذا ظاهر الكلام . وقيل فيه قول بيِّن زعم صاحبه أنه إجماع من أهل اللغة ، وذلك أنهم قالوا : كل من قال قولاً موزوناً لا يقصد به إلى شعر فليس بشعر وإنما وافق الشعر . وهذا قول بيّن . قالوا : وإنما الذي نفاه الله عن نبيه عليه السلام فهو العلم بالشعر وأصنافه ، وأعاريضه وقوافيه والاتصاف بقوله ، ولم يكن موصوفاً بذلك بالاتفاق . ألا ترى أن قريشاً تراوضت فيما يقولون للعرب فيه إذا قدموا عليهم الموسم ، فقال بعضهم : نقول إنه شاعر . فقال أهل الفطنة منهم : والله لتكذبنكم العرب ، فإنهم يعرفون أصناف الشعر ، فوالله ما يشبه شيئاً منها ، وما قوله بشعر . وقال أنيس أخو أبي ذرّ : لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم أنه شعر . أخرجه مسلم ، وكان أنيس من أشعر العرب . وكذلك عتبة بن أبي ربيعة لما كلمه : والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر على ما يأتي بيانه من خبره في سورة « فصلت » إن شاء الله تعالى . وكذلك قال غيرهما من فصحاء العرب العرباء ، واللُّسْن البلغاء . ثم إن ما يجري على اللسان من موزون الكلام لا يعدّ شعراً ، وإنما يعدّ منه ما يجري على وزن الشعر مع القصد إليه فقد يقول القائل : حدّثنا شيخ لنا وينادي يا صاحب الكسائي ، ولا يعدّ هذا شعراً . وقد كان رجل ينادي في مرضه وهو من عُرض العامة العقلاء : ٱذهبوا بي إلى الطبيب وقولوا قد ٱكتوى . الثالثة : روى ٱبن القاسم عن مالك أنه سئل عن إنشاد الشعر فقال : لا تكثرن منه فمن عيبه أن الله يقول : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } قال : ولقد بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري : أن ٱجمع الشعراء قِبلك وسَلْهم عن الشعر ، وهل بقي معهم معرفة وأحضر لَبِيداً ذلك قال : فجمعهم فسألهم فقالوا إنا لنعرفه ونقوله . وسأل لبيداً فقال : ما قلت شعراً منذ سمعت الله عز وجل يقول : { الۤمۤ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ } [ البقرة : 1 - 2 ] قال ٱبن العربي : هذه الآية ليست من عيب الشعر كما لم يكن قوله : { وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } [ العنكبوت : 48 ] من عيب الكتابة ، فلما لم تكن الأمية من عيب الخط ، كذلك لا يكون نفي النظم عن النبي صلى الله عليه وسلم من عيب الشعر . روي أن المأمون قال لأبي عليّ المِنْقري : بلغني أنك أميّ ، وأنك لا تقيم الشعر ، وأنك تلحن . فقال : يا أمير المؤمنين ، أما اللحن فربما سبق لساني منه بشيء ، وأما الأمية وكسر الشعر فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكتب ولا يقيم الشعر . فقال له : سألتك عن ثلاثة عيوب فيك فزدتني رابعاً وهو الجهل ، يا جاهل ! إن ذلك كان للنبي صلى الله عليه وسلم فضيلة ، وهو فيك وفي أمثالك نقيصة . وإنما منع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لنفي الظنة عنه ، لا لعيب في الشعر والكتابة . الرابعة : قوله تعالى : { وَمَا يَنبَغِي لَهُ } أي وما ينبغِي له أن يقوله . وجعل الله جل وعز ذلك علَماً من أعلام نبيه عليه السلام لئلا تدخل الشبهة على من أرسل إليه فيظن أنه قوِي على القرآن بما في طبعه من القوّة على الشعر . ولا ٱعتراض لملحد على هذا بما يتفق الوزن فيه من القرآن وكلام الرسول لأن ما وافق وزنه وزن الشعر ، ولم يقصد به إلى الشعر ليس بشعر ولو كان شعراً لكان كل من نطق بموزون من العامة الذين لا يعرفون الوزن شاعراً على ما تقدم بيانه . وقال الزجاج : معنى « وَمَا يَنْبَغِي لَهُ » أي ما يتسهل له قول الشعر لا الإنشاء . { إِنْ هُوَ } أي هذا الذي يتلوه عليكم { إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } . قوله تعالى : { لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً } أي حيّ القلب قاله قتادة . الضحاك : عاقلاً . وقيل : المعنى لتنذر من كان مؤمناً في علم الله . هذا على قراءة التاء خطاباً للنبي عليه السلام ، وهي قراءة نافع وٱبن عامر . وقرأ الباقون بالياء على معنى لينذر الله عز وجل أو لينذر محمد صلى الله عليه وسلم ، أو لينذر القرآن . وروي عن ٱبن السَّمَيْقَع « لِيَنْذَر » بفتح الياء والذال . { وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } أي وتجب الحجة بالقرآن على الكفرة .