Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 41-49)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ } يعني المخلصين أي لهم عطية معلومة لا تنقطع . قال قتادة : يعني الجنة . وقال غيره : يعني رزق الجنة . وقيل : هي الفواكه التي ذكر . قال مقاتل : حين يشتهونه . وقال ٱبن السائب : إنه بمقدار الغداة والعشي قال الله تعالى : { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } [ مريم : 62 ] . { فَوَاكِهُ } جمع فاكهة قال الله تعالى : { وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ } [ الطور : 22 ] وهي الثمار كلها رطبها ويابسها قاله ٱبن عباس . { وَهُم مُّكْرَمُونَ } أي ولهم إكرام من الله جل وعز برفع الدرجات وسماع كلامه ولقائه . { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } أي في بساتين يتنعمون فيها . وقد تقدّم أن الجنان سبع في سورة « يونس » منها النعيم . قوله تعالى : { عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } قال عكرمة ومجاهد : لا ينظر بعضهم في قفا بعض تواصلاً وتحابباً . وقيل : الأسِرَّة تدور كيف شاءوا فلا يرى أحد قفا أحد . وقال ٱبن عباس : على سرر مكلّلة بالدرّ والياقوت والزبرجد السرير ما بين صنعاء إلى الجابية ، وما بين عدن إلى أيلة . وقيل : تدور بأهل المنزل الواحد . والله أعلم . قوله تعالى : { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } لما ذكر مطاعمهم ذكر شرابهم . والكأس عند أهل اللغة ٱسم شامل لكل إناء مع شرابه فإن كان فارغاً فليس بكأس . قال الضحاك والسدي : كل كأس في القرآن فهي الخمر ، والعرب تقول للإناء إذا كان فيه خمر كأس ، فإذا لم يكن فيه خمر قالوا إناء وقدح . النحاس : وحكى من يوثق به من أهل اللغة أن العرب تقول للقدح إذا كان فيه خمر : كأس فإذا لم يكن فيه خمر فهو قدح كما يقال للخوان إذا كان عليه طعام : مائدة فإذا لم يكن عليه طعام لم تقل له مائدة . قال أبو الحسن بن كيسان : ومنه ظعينة للهودج إذا كان فيه المرأة . وقال الزجاج : « بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ » أي من خمر تجري كما تجري العيون على وجه الأرض . والمعين : الماء الجاري الظاهر . { بَيْضَآءَ } صفة للكأس . وقيل : للخمر . { لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } قال الحسن : خمر الجنة أشدّ بياضاً من اللبن . « لَذَّةٍ » قال الزجاج : أي ذات لذة فحذف المضاف . وقيل : هو مصدر جعل ٱسماً أي بيضاء لذيذة يقال شراب لذٌّ ولذيذ ، مثل نبات غَضٌّ وغضيض . فأما قول القائل : @ ولذٍ كطَعْمِ الصَّرْخَدِيِّ تركتُهُ بأرض العِدَا مِنْ خَشيةِ الحَدَثَانِ @@ فإنه يريد النوم . وقيل : « بَيْضَاءَ » أي لم يعتصرها الرجال بأقدامهم . { لاَ فِيهَا غَوْلٌ } أي لاتغتال عقولهم ، ولا يصيبهم منها مرض ولا صداع . { وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } أي لا تذهب عقولهم بشربها يقال : الخمر غَوْل للحِلْم ، والحرب غول للنفوس أي تذهب بها . ويقال : نُزِف الرجلُ يُنْزَف فهو منزوفٌ ونزيفٌ إذا سكر . قال ٱمرؤ القيس : @ وإذ هي تمشِي كمشي النَّزيـ ـفِ يَصْرَعُه بالكثيب البَهَرْ @@ وقال أيضاً : @ نَزيفٌ إذا قامتْ لِوجهٍ تمايلت تُراشِي الفؤادَ الرَّخْصَ أَلاَّ تَختَّرَا @@ وقال آخر : @ فلثمتُ فاهَا آخِذاً بقرونها شُرْبَ النَّزِيفِ ببرد ماءِ الحَشْرَجِ @@ وقرأ حمزة والكسائي بكسر الزاي من أنزف القومُ إذا حان منهم النَّزْف وهو السّكر . يقال : أحصدَ الزرعُ إذا حان حَصادُه ، وأَقطفَ الكرمُ إذا حان قِطافُه ، وأَركبَ المهرُ إذا حان ركوبه . وقيل : المعنى لا ينفدون شرابهم لأنه دأبهم يقال : أَنزف الرجل فهو منزوف إذا فنيت خمره . قال الحطيئة : @ لَعَمْرِي لئن أَنزفتمُ أو صَحَوْتُمُ لبئس النَّدامَى كنتمُ آلَ أَبْجَرَا @@ النحاس : والقراءة الأولى أبين وأصح في المعنى لأن معنى « يُنْزَفُونَ » عند جِلة أهل التفسير منهم مجاهد لا تذهب عقولهم فنفى الله عز وجل عن خمر الجنة الآفات التي تلحق في الدنيا من خمرها من الصداع والسكر . ومعنى « يُنْزِفُونَ » الصحيح فيه أنه يقال : أنزف الرجل إذا نفد شرابه ، وهو يبعد أن يوصف به شراب الجنة ولكن مجازه أن يكون بمعنى لا ينفد أبداً . وقيل : « لاَ يُنْزِفُونَ » بكسر الزاي لا يسكرون ذكره الزجاج وأبو علي على ما ذكره القُشَيري . المهدوي : ولا يكون معناه يسكَرون لأن قبله « لاَ فِيهَا غَوْلٌ » . أي لا تغتال عقولهم فيكون تكراراً ويسوغ ذلك في « الواقعة » . ويجوز أن يكون معنى « لاَ فِيهَا غَوْلٌ » لا يمرضون فيكون معنى « وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ » لا يسكَرون أو لا ينفد شرابهم . قال قتادة : الغول وجع البطن . وكذا روى ٱبن أبي نجيح عن مجاهد « لاَ فِيهَا غَوْلٌ » قال لا فيها وجع بطن . الحسن : صداع . وهو قول ٱبن عباس « لاَ فِيهَا غَوْلٌ » لا فيها صداع . وحكى الضحاك عنه أنه قال : في الخمر أربع خصال : السكر والصداع والقيء والبول فذكر الله خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال . مجاهد : داء . ٱبن كيسان : مغص . وهذه الأقوال متقاربة . وقال الكلبي : « لاَ فِيهَا غَوْلٌ » أي إثم نظيره : { لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } [ الطور : 23 ] . وقال الشعبي والسدي وأبو عبيدة : لا تغتال عقولهم فتذهب بها . ومنه قول الشاعر : @ وما زالتِ الكأَسُ تغتالُنا وتَذهبُ بالأولِ الأولِ @@ أي تصرع واحداً واحداً . وإنما صرف الله تعالى السكر عن أهل الجنة لئلا ينقطع الالتذاذ عنهم بنعيمهم . وقال أهل المعاني : الغول فساد يلحق في خفاء . يقال : ٱغتاله ٱغتيالاً إذا أفسد عليه أمره في خفية . ومنه الغَوْل والغِيلة : وهو القتل خفية . قوله تعالى : { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ } أي نساء قد قصَرْن طرفهنّ على أزواجهنّ فلا ينظرن إلى غيرهم قاله ٱبن عباس ومجاهد ومحمد بن كعب وغيرهم . عكرمة : { قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ } [ الرحمن : 56 ] أي محبوسات على أزواجهنّ . والتفسير الأوّل أبين لأنه ليس في الآية مقصورات ولكن في موضع آخر { مَّقْصُورَاتٌ } يأتي بيانه . و « قاصرات » مأخوذ من قولهم : قد ٱقتصر على كذا إذا ٱقتنع به وعدل عن غيره قال ٱمرؤ القيس : @ من القاصراتِ الطَّرْفِ لو دَبَّ مُحْوِلٌ من الذَّرِّ فَوْقَ الإتْب منها لأَثَّرا @@ ويروى : فوق الخد . والأوّل أبلغ . والإتب القميص ، والمحول الصغير من الذر . وقال مجاهد أيضاً : معناه لا يَغَرْنَ . { عِينٌ } عظام العيون الواحدة عيناء وقاله السّدي . مجاهد : « عِينٌ » حسان العيون . الحسن : الشديدات بياض العين ، الشديدات سوادها . والأوّل أشهر في اللغة . يقال : رجل أعين واسع العين بيِّن العَيَن ، والجمع عِين . وأصله فعل بالضم فكسرت العين لئلا تنقلب الواو ياء . ومنه قيل لبقر الوحش عِين ، والثور أعين ، والبقرة عيناء . { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } أي مصون . قال الحسن وٱبن زيد : شُبِّهن ببيض النعام ، تكنها النعامة بالريش من الريح والغبار ، فلونها أبيض في صفرة وهو أحسن ألوان النساء . وقال ٱبن عباس وٱبن جبير والسدي : شبهن ببطن البيض قبل أن يقشر وتمسه الأيدي . وقال عطاء : شبهن بالسِّحاء الذي يكون بين القشرة العليا ولباب البيض . وسَحَاةُ كل شيء : قشره والجمع سَحاً قاله الجوهري . ونحوه قول الطبري ، قال : هو القشر الرقيق ، الذي على البيضة بين ذلك . وروي نحوه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم . والعرب تشبه المرأة بالبيضة لصفائها وبياضها قال ٱمرؤ القيس : @ وبيضةِ خِدْرٍ لا يرامُ خِباؤها تَمتعت من لَهْوٍ بها غيرَ مُعْجَلِ @@ وتقول العرب إذا وصفت الشيء بالحسن والنظافة : كأنه بيض النعام المغطَّى بالريش . وقيل : المكنون المصون عن الكسر أي إنهن عذارى . وقيل : المراد بالبيض اللؤلؤ كقوله تعالى : { وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } [ الواقعة : 22 23 ] أي في أصدافه قاله ٱبن عباس أيضاً . ومنه قول الشاعر : @ وهي بيضاءُ مِثلُ لُؤْلُؤة الغـ ـوّاصِ مِيزَتْ مِن جَوْهَرٍ مَكْنونِ @@ وإنما ذكر المكنون والبيض جمع لأنه ردّ النعت إلى اللفظ .