Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 50-61)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } أي يتفاوضون فيما بينهم أحاديثهم في الدنيا . وهو من تمام الأُنس في الجنة . وهو معطوف على معنى « يُطَاف عَلَيْهِم » المعنى يشربون فيتحادثون على الشراب كعادة الشُّراب . قال بعضهم : @ وما بَقيتْ من اللّذاتِ إلا أحاديثُ الكِرامِ على المُدامِ @@ فيقبل بعضهم على بعض يتساءلون عما جرى لهم وعليهم في الدنيا إلا أنه جيء به ماضياً على عادة الله تعالى في إخباره . قوله تعالى : { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ } أي من أهل الجنة { إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } أي صديق ملازم { يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } أي بالمبعث والجزاء . وقال سعيد بن جبير : قرينه شريكه . وقد مضى في « الكهف » ذكرهما وقصتهما والاختلاف في ٱسميهما مستوفًى عند قوله تعالى : { وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } [ الكهف : 32 ] وفيهما أنزل الله جل وعز : { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } إلى { مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } وقيل : أراد بالقرين قرينه من الشيطان كان يوسوس إليه بإنكار البعث . وقرىء : « أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَّدِّقِينَ » بتشديد الصاد . رواه عليّ بن كيسة عن سليم عن حمزة . قال النحاس : ولا يجوز « أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَّدِّقِينَ » لأنه لا معنى للصدقة هاهنا . وقال القشيري : وفي قراءة عن حمزة « أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَّدِّقِينَ » بتشديد الصاد . وٱعترض عليه بأن هذا من التصديق لا من التصدّق . والاعتراض باطل لأن القراءة إذا ثبتت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فلا مجال للطعن فيها . فالمعنى « أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَّدِّقِينَ » بالمال طلباً في ثواب الآخرة . { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ } أي مجزيون محاسبون بعد الموت فـ { قَالَ } الله تعالى لأهل الجنة : { هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } . وقيل : هو من قول المؤمن لإخوانه في الجنة هل أنتم مطلعون إلى النار لننظر كيف حال ذلك القرين . وقيل : هو من قول الملائكة . وليس « هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ » بٱستفهام ، إنما هو بمعنى الأمر ، أي ٱطّلِعوا قاله ٱبن الأعرابي وغيره . ومنه لما نزلت آية الخمر ، قام عمر قائماً بين يدي النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ثم رفع رأسه إلى السماء ، ثم قال : يا رب بياناً أشفى من هذا في الخمر . فنزلت : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 91 ] قال : فنادي عمر ٱنتهينا يا ربَّنا . وقرأ ٱبن عباس : « هَلْ أَنْتُمْ مُطْلِعُونَ » بإسكان الطاء خفيفة « فَأُطْلِعَ » بقطع الألف مخفَّفة على معنى هل أنتم مقبلون فأقبل . قال النحاس : « فَأُطْلِعَ فَرَآهُ » فيه قولان : أحدهما أن يكون فعلاً مستقبلاً معناه فأطلع أنا ، ويكون منصوباً على أنه جواب الاستفهام . والقول الثاني أن يكون فعلاً ماضياً ويكون ٱطَّلَع وأُطْلِعَ واحداً . قال الزجاج : يقال طَلَع وأَطْلعَ وَٱطَّلعَ بمعنًى واحد . وقد حكي « هَلْ أَنتُم مُّطْلِعُونِ » بكسر النون وأنكره أبو حاتم وغيره . النحاس : وهو لحن لا يجوز لأنه جمع بين النون والإضافة ، ولو كان مضافاً لكان هل أنتم مُطْلِعيّ ، وإن كان سيبويه والفرّاء قد حكيا مثله ، وأنشدا : @ هُمُ القائلونَ الخيرَ والآمِرونَهُ إذا ما خَشَوا مِن مُحْدَثِ الأمرِ مُعْظَما @@ وأنشد الفراء : والفاعلونه . وأنشد سيبويه وحده : @ ولم يَرْتفِق والناس محتضِرونه @@ وهذا شاذٌ خارج عن كلام العرب ، وما كان مثل هذا لم يحتجّ به في كتاب الله عز وجل ، ولا يدخل في الفصيح . وقد قيل في توجيهه : إنه أجرى ٱسم الفاعل مجرى المضارع لقربه منه ، فجرى « مُطْلِعُون » مجرى يطلعون . ذكره أبو الفتح عثمان بن جني وأنشد : @ أرأيتَ إن جئتُ به أمْلُودَا مُرَجَّلاً ويَلْبَسُ الْبُرُودَا أقائِلُـنَّ أحضِـروا الشُّهُـودَا @@ فأجرى أقائلُنّ مجرى أتَقولُن . وقال ابن عباس في قوله تعالى : { هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ } إنّ في الجنة كُوًى ينظر أهلها منها إلى النار وأهلِها . وكذلك قال كعب فيما ذكر ٱبن المبارك ، قال : إن بين الجنة والنار كُوًى ، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدوّ كان له في الدنيا ٱطلع من بعض الكوى قال الله تعالى : { فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } أي في وسط النار والحسَكُ حواليه قاله ٱبن مسعود . ويقال : تعبت حتى ٱنقطع سَوَائي : أي وسطي . وعن أبي عبيدة : قال لي عيسى بن عمر : كنت أكتب يا أبا عبيدة حتى ينقطع سَوَائي . وعن قتادة قال قال بعض العلماء : لولا أن الله جل وعز عرَّفه إياه لما عرفه ، لقد تغيرّ حِبْرُهُ وسِبْرُهُ . فعند ذلك يقول : { تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } « إِن » مخففة من الثقيلة دخلت على كاد كما تدخل على كان . ونحوه « إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا » واللام هي الفارقة بينها وبين النافية . { وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } في النار . وقال الكسائي : « لَتُرْدِينِ » أي لتهلكني ، والردى الهلاك . وقال المبرد : لو قيل « لتردِينِ » لتوقعني في النار لكان جائزاً . « وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبيِّ » أي عصمته وتوفيقه بالاستمساك بعروة الإسلام والبراءة من القرين السوء . وما بعد لولا مرفوع بالابتداء عند سيبويه والخبر محذوف . « لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ » قال الفراء : أي لكنت معك في النار محضراً . وأحضر لا يستعمل مطلقاً إلا في الشر قاله الماوردي . قوله تعالى : { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ } وقرىء « بِمائِتِين » والهمزة في « أَفَمَا » للاستفهام دخلت على فاء العطف ، والمعطوف محذوف معناه أنحن مخلَّدون منعَّمون فما نحن بميتين ولا معذبين . { إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ } يكون ٱستثناء ليس من الأول ويكون مصدراً لأنه منعوت . وهو من قول أهل الجنة للملائكة حين يُذبَح الموت ، ويقال : يأهل الجنة خلود ولا موت ، ويأهل النار خلود ولا موت . وقيل : هو من قول المؤمن على جهة الحديث بنعمة الله في أنهم لا يموتون ولا يعذّبون أي هذه حالنا وصفتنا . وقيل : هو من قول المؤمن توبيخاً للكافر لما كان ينكره من البعث ، وأنه ليس إلا الموت في الدنيا . ثم قال المؤمن مشيراً إلى ما هو فيه ، { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } يكون « هو » مبتدأ وما بعده خبر عنه والجملة خبر إنّ . ويجوز أن يكون « هو » فاصلاً . { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ } يحتمل أن يكون من كلام المؤمن لما رأى ما أعدّ الله له في الجنة وما أعطاه قال : { لِمِثْلِ هَـٰذَا } العطاء والفضل « فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ » . نظير ما قال له الكافر : { أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } [ الكهف : 34 ] . ويحتمل أن يكون من قول الملائكة . وقيل : هو من قول الله عز وجل لأهل الدنيا أي قد سمعتم ما في الجنة من الخيرات والجزاء ، و « لِمِثِلْ هَذَا » الجزاء { فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ } . النحاس : وتقدير الكلام والله أعلم فليعمل العاملون لمثل هذا . فإن قال قائل : الفاء في العربية تدل على أن الثاني بعد الأول ، فكيف صار ما بعدها ينوى به التقديم ؟ فالجواب أن التقديم كمثل التأخير لأن حق حروف الخفض وما بعدها أن تكون متأخرة .