Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 75-82)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ } من النداء الذي هو الاستغاثة ودعا قيل بمسألة هلاك قومه . فقال : { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [ نوح : 26 ] . { فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } قال الكسائي : أي « فَلَنِعْمَ الْمُجِيبونَ » له كنا . { وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ } يعني أهل دينه ، وهم من آمن معه ، وكانوا ثمانين على ما تقدّم . { مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } وهو الغرق . { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } قال ٱبن عباس : لما خرج نوح من السفينة مات مَن معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءه فذلك قوله : { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } . وقال سعيد بن المسيّب : كان ولد نوح ثلاثة والناس كلّهم من ولد نوح : فسام أبو العرب وفارس والروم واليهود والنصارى . وحام أبو السودان من المشرق إلى المغرب : السند والهند والنوب والزنج والحبشة والقبط والبربر وغيرهم . ويافث أبو الصقالبة والترك واللان والخزر ويأجوج ومأجوج وما هنالك . وقال قوم : كان لغير ولد نوح أيضا نسل بدليل قوله : { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } [ الإسراء : 3 ] . وقوله : { قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ هود : 48 ] فعلى هذا معنى الآية : { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } دون ذرية من كفر فإنا أغْرَقنا أولئك . قوله تعالى : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } أي تركنا عليه ثناءً حسناً في كل أمة ، فإنه مُحبَّب إلى الجميع حتى إن في المجوس من يقول إنه أفريدون . روي معناه عن مجاهد وغيره . وزعم الكسائي أن فيه تقديرين : أحدهما « وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ في الآخِرِينَ » يقال : « سَلامٌ عَلَى نُوحٍ » أي تركنا عليه هذا الثناء الحسن . وهذا مذهب أبي العباس المبرّد . أي تركنا عليه هذه الكلمة باقية يعني يسلمون عليه تسليماً ويدعون له وهو من الكلام المحكي كقوله تعالى : { سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا } [ النور : 1 ] . والقول الآخر أن يكون المعنى وأبقينا عليه وتم الكلام ثم ٱبتدأ فقال : « سَلامٌ عَلَى نُوحٍ » أي سلامة له من أن يذكر بسوء « في الآخِرِينَ » . قال الكسائي : وفي قراءة ٱبن مسعود « سلاماً » منصوب بـ « تركنا » أي تركنا عليه ثناء حسناً سلاماً ، وقيل : « في الآخِرِينَ » أي في أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : في الأنبياء إذ لم يبعث بعده نبيّ إلا أمر بالاقتداء به قال الله تعالى : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً } [ الشورى : 13 ] . وقال سعيد بن المسيّب : وبلغني أنه من قال حين يمسي { سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ } لم تلدغه عقرب . ذكره أبو عمر في التمهيد . وفي الموطأ عن خولة بنت حكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من نزل منزلاً فليقل أعوذ بكلمات اللّه التامَّاتِ من شر ما خلق فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل " وفيه عن أبي هريرة " أن رجلاً من أسلم قال : ما نمت هذه الليلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أي شيء » فقال : لدغتني عقرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أَما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات اللّه التامات من شر ما خلق لم تضرّك » " قوله تعالى : { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } أي نبقي عليهم الثناء الحسن . والكاف في موضع نصب أي جزاء كذلك . { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } هذا بيان إحسانه . قوله تعالى : { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } أي من كفر . وجمعه أُخر . والأصل فيه أن يكون معه « مِن » إلا أنها حذفت لأن المعنى معروف ، ولا يكون آخراً إلا وقبله شيء من جنسه . « ثمّ » ليس للتراخي ها هنا بل هو لتعديد النعم كقوله : { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ البلد : 16 - 17 ] أي ثم أخبركم أني قد أغرقت الآخرين ، وهم الذين تأخروا عن الإيمان .