Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 83-90)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ } قال ٱبن عباس : أي من أهل دينه . وقال مجاهد : أي على منهاجه وسنته . قال الأصمعي : الشيعة الأعوان ، وهو مأخوذ من الشياع ، وهو الحطب الصغار الذي يوقد مع الكبار حتى يستوقد . وقال الكلبي والفراء : المعنى وإن من شيعة محمد لإبراهيم . فالهاء في « شيعته » على هذا لمحمد عليه السلام . وعلى الأوّل لنوح وهو أظهر لأنه هو المذكور أوّلا ، وما كان بين نوح وإبراهيم إلا نبيان هود وصالح ، وكان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة حكاه الزمخشري . قوله تعالى : { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } أي مخلص من الشرك والشك . وقال عوف الأعرابي : سألت محمد بن سيرين ما القلب السليم ؟ فقال : الناصح للّه عز وجل في خلقه . وذكر الطبري عن غالب القطان وعوف وغيرهما عن محمد بن سيرين أنه كان يقول للحجاج : مسكين أبو محمد ! إن عذبه اللّه فبذنبه ، وإن غفر له فهنيئاً له ، وإن كان قلبه سليماً فقد أصاب الذنوب من هو خير منه . قال عوف : فقلت لمحمد ما القلب السليم ؟ قال : أن يعلم أن اللّه حق ، وأن الساعة قائمة ، وأن اللّه يبعث من في القبور . وقال هشام بن عروة : كان أبي يقول لنا : يا بَنيّ لا تكونوا لَعَّانِين ، ألم تروا إلى إبراهيم لم يلعن شيئاً قط ، فقال تعالى : { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } . ويحتمل مجيئه إلى ربه وجهين : أحدهما عند دعائه إلى توحيده وطاعته ، الثاني عند إلقائه في النار . { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ } وهو آزر ، وقد مضى الكلام فيه . { وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ } تكون « ما » في موضع رفع بالابتداء و « ذا » خبره . ويجوز أن تكون « ما » و « ذا » في موضع نصب بـ « تعبدون » . { أَإِفْكاً } نصب على المفعول به بمعنى أتريدون إفكا . قال المبرّد : والإفك أسوأ الكذب ، وهو الذي لا يثبت ويضطرب ، ومنه ٱئتفكت بهم الأرض . { آلِهَةً } بدل من إفك { دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ } أي تعبدون . ويجوز أن يكون حالاً بمعنى أتريدون آلهة من دون اللّه آفكين . { فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي ما ظنكم به إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره ؟ فهو تحذير ، مثل قوله : { مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ } [ الانفطار : 6 ] . وقيل : أي شيء أوهمتموه حتى أشركتم به غيره . قوله تعالى : { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } قال ٱبن زيد عن أبيه : أرسل إليه ملكهم إنّ غداً عيدُنا فاخرج معنا ، فنظر إلى نجم طالع فقال : إن هذا يطلع مع سقمي . وكان علم النجوم مستعملاً عندهم منظوراً فيه ، فأوهمهم هو من تلك الجهة ، وأراهم من معتقدهم عذراً لنفسه وذلك أنهم كانوا أهل رعاية وفلاحة ، وهاتان المعيشتان يحتاج فيهما إلى نظر في النجوم . وقال ٱبن عباس : كان علم النجوم من النبوّة ، فلما حبس اللّه تعالى الشمس على يوشع بن نون أبطل ذلك ، فكان نظر إبراهيم فيها عِلماً نبويَّاً . وحكى جُوَيبر عن الضحاك : كان علم النجوم باقياً إلى زمن عيسى عليه السلام ، حتى دخلوا عليه في موضع لا يطلع عليه منه ، فقالت لهم مريم : من أين علمتم بموضعه ؟ قالوا : من النجوم . فدعا ربه عند ذلك فقال : اللهم لا تفهمهم في علمها ، فلا يعلم علم النجوم أحد فصار حكمها في الشرع محظوراً ، وعلمها في الناس مجهولاً . قال الكلبي : وكانوا في قرية بين البصرة والكوفة يقال لها هرمزجرد ، وكانوا ينظرون في النجوم . فهذا قول . وقال الحسن : المعنى أنهم لما كلّفوه الخروج معهم تفكر فيما يعمل . فالمعنى على هذا أنه نظر فيما نجم له من الرأي أي فيما طلع له منه ، فعلم أن كل حيّ يَسْقَم فقال : « إنِّي سَقِيمٌ » . الخليل والمبرّد : يقال للرجل إذا فكّر في الشيء يدبِّره : نظر في النجوم . وقيل : كانت الساعة التي دعوه إلى الخروج معهم فيها ساعةً تغشاه فيها الحمّى . وقيل : المعنى فنظر فيما نجم من الأشياء فعلم أن لها خالقاً ومدبِّراً ، وأنه يتغير كتغيرها فقال : « إنِّي سَقِيمٌ » . وقال الضحاك : معنى « سَقِيمٌ » سأسقم سقم الموت لأن من كتب عليه الموت يسقم في الغالب ثم يموت ، وهذا تورية وتعريض كما قال للملِك لما سأله عن سارّة هي أختي يعني أخوّة الدين . وقال ٱبن عباس وٱبن جبير والضحاك أيضاً : أشار لهم إلى مرض وسقم يُعدي كالطاعون ، وكانوا يهربون من الطاعون ، « فَ » ـلذلك { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } أي فارّين منه خوفاً من العدوى . وروى الترمذيّ الحكيم قال : حدثنا أبي قال حدثنا عمرو بن حماد عن أسباط عن السّديّ عن أبي مالك وأبي صالح عن ٱبن عباس ، وعن سَمُرة عن الهمذاني عن ٱبن مسعود قال : قال إبراهيم : إن لنا عيداً لو خرجت معنا لأعجبك ديننا . فلما كان يوم العيد خرجوا إليه وخرج معهم ، فلما كان ببعض الطريق ألقى بنفسه ، وقال إني سقيم أشتكي رجلي ، فوطئوا رجله وهو صريع ، فلما مضوا نادى في آخرهم { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } [ الأنبياء : 57 ] . قال أبو عبد اللّه : وهذا ليس بمعارِضٍ لما قال ٱبن عباس وٱبن جبير لأنه يحتمل أن يكون قد ٱجتمع له أمران . قلت : وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لم يكذب إبراهيم النبي عليه السلام إلا ثلاث كذبات " الحديث . وقد مضى في سورة « الأنبياء » . وهو يدل على أنه لم يكن سقيماً وإنما عرض لهم . وقد قال جل وعز : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } [ الزمر : 30 ] . فالمعنى إني سقيم فيما أستقبل فتوهموا هم أنه سقيم الساعة . وهذا من معاريض الكلام على ما ذكرنا ، ومنه المثل السائر : « كَفَى بالسلامة داءً » وقول لبيد : @ فدعوتُ ربِّي بالسلامةِ جاهِداً لِيُصِحّني فإذا السَّلامَةُ داءُ @@ وقد مات رجل فجأة فالتّف عليه الناس فقالوا : مات وهو صحيح ! فقال أعرابي : أصحيح من الموت في عنقهٰ فإبراهيم صادق ، لكن لما كان الأنبياء لقرب محلهم وٱصطفائهم عُدَّ هذا ذنباً ولهذا قال : { وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ٱلدِّينِ } [ الشعراء : 82 ] وقد مضى هذا كله مبيّناً والحمد للّه . وقيل : أراد سقيم النفس لكفرهم . والنجوم يكون جمع نجم ويكون واحداً مصدراً .