Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 91-96)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ } قال السّدي : ذهب إليهم . وقال أبو مالك : جاء إليهم . وقال قتادة : مال إليهم . وقال الكلبي : أقبل عليهم . وقيل : عدل . والمعنى متقارب . فراغ يرُوغ رَوْغاً ورَوَغاناً إذا مال . وطريق رائغ أي مائل . وقال الشاعر : ويُرِيكَ مِن طَرَفِ اللسانِ حَلاوةويَرُوغ عنك كما يَرُوغ الثعلبُ فقال : { أَلا تَأْكُلُونَ } فخاطبها كما يخاطب من يعقل لأنهم أنزلوها بتلك المنزلة . وكذا { مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ } . قيل : كان بين يدي الأصنام طعام تركوه ليأكلوه إذا رجعوا من العيد ، وإنما تركوه لتصيبه بركة أصنامهم بزعمهم . وقيل : تركوه للسَّدَنة . وقيل : قرَّب هو إليها طعاماً على جهة الاستهزاء فقال : « أَلاَ تَأْكُلُونَ مَالَكُمْ لاَ تَنْطِقُونَ » . { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } خصّ الضرب باليمين لأنها أقوى والضرب بها أشد قاله الضحاك والربيع بن أنس . وقيل : المراد باليمين اليمين التي حَلَفها حين قال : { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } . وقال الفراء وثعلب : ضرباً بالقوة واليمين القوة . وقيل : بالعدل واليمين ها هنا العدل . ومنه قوله تعالى : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ } [ الحاقة : 44 45 ] أي العدل ، فالعدل لليمين والجور للشمال . ألا ترى أن العدوّ عن الشمال والمعاصي عن الشمال والطاعة عن اليمين ولذلك قال : { إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } [ الصافات : 28 ] أي من قِبل الطاعة . فاليمين هو موضع العدل من المسلم ، والشمال موضع الجور . ألا ترى أنه بايع اللّه بيمينه يوم الميثاق ، فالبيعة باليمين فلذلك يُعطَى كتابه غداً بيمينه لأنه وفّى بالبيعة ، ويُعطَى الناكث للبيعة الهارب برقبته من اللّه بشماله لأن الجور هناك . فقوله : { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } أي بذلك العدل الذي كان بايع اللّه عليه يوم الميثاق ثم وفّى له ها هنا . فجعل تلك الأوثان جُذَاذاً ، أي فُتَاتاً كالجذِيذة وهي السَّوِيق وليس من قبيل القوة ، قاله الترمذي الحكيم . { فَأَقْبَلُوۤاْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ } قرأ حمزة : « يُزِفُّونَ » بضم الياء . الباقون بفتحها . أي يسرعون قاله ٱبن زيد . قتادة والسدي : يمشون . وقيل : المعنى يمشون بجمعهم على مهل آمنين أن يصيب أحد آلهتهم بسوء . وقيل : المعنى يتسللون تسللاً بين المشي والعَدْو ومنه زَفِيف النعامة . وقال الضحاك : يسعون . وحكى يحيى بن سلاّم : يُرعَدون غضباً . وقيل : يختالون وهو مشي الخيلاء قاله مجاهد . ومنه أُخِذ زِفاف العروس إلى زوجها . وقال الفرزدق : @ وجاء قَرِيعُ الشَّولِ قبلَ إِفَالِهَا يَزِفُّ وجاءت خَلْفَه وهي زُفَّفُ @@ ومن قرأ « يُزِفُّون » فمعناه يزفون غيرهم أي يحملونهم على التزفيف . وعلى هذا فالمفعول محذوف . قال الأصمعي : أزففت الإبل أي حملتها على أن تزِف . وقيل : هما لغتان يقال : زَفَّ القوم وأزفُّوا ، وزففت العروسَ وأزففتها وٱزدففتها بمعنىً ، والمِزفّة : المحِفّة التي تُزَفّ فيها العروس حكي ذلك عن الخليل . النحاس : « يُزِفُّون » بضم الياء . زعم أبو حاتم أنه لا يعرف هذه اللغة ، وقد عرفها جماعة من العلماء منهم الفراء وشبّهها بقولهم : أطردت الرجل أي صيّرته إلى ذلك . وطردته نحيته وأنشد هو وغيره : @ تَمنَّى حُصينٌ أن يسودَ جِذَاعةً فأمسى حُصينٌ قد أُذِلَّ وأُقِهَرا @@ أي صُير إلى ذلك فكذلك « يُزِفّون » يصيرون إلى الزفيف . قال محمد بن يزيد : الزفيف الإسراع . وقال أبو إسحق : الزفيف أول عَدْو النعام . وقال أبو حاتم : وزعم الكسائي أن قوماً قرءوا « فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُونَ » خفيفة من وَزَف يَزِف ، مثل وَزَن يَزِن . قال النحاس : فهذه حكاية أبي حاتم وأبو حاتم لم يسمع من الكسائي شيئاً . وروى الفراء وهو صاحب الكسائي عن الكسائي أنه لا يعرف « يَزِفُون » مخففة . قال الفراء : وأنا لا أعرفها . قال أبو إسحق : وقد عرفها غيرهما أنه يقال وَزَف يَزِف إذا أسرع . قال النحاس : ولا نعلم أحداً قرأ « يَزِفون » . قلت : هي قراءة عبد اللّه بن يزيد فيما ذكر المهدوي . الزمخشري : و « يُزَفُّون » على البناء للمفعول . و « يُزْفُونَ » من زَفَاه إذا حَدَاه كأنّ بعضهم يزفو بعضاً لتسارعهم إليه . وذكر الثعلبي عن الحسن ومجاهد وٱبن السَّمَيْقع : « يَرْفُون » بالراء من رفيف النعام ، وهو ركض بين المشي والطيران . قوله تعالى : { قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } فيه حذف أي قالوا من فعل هذا بآلهتنا ، فقال محتجاً : { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } أي أتعبدون أصناماً أنتم تنحتونها بأيديكم تَنجرُونها . والنّحت النجر والبري نحته ينحته بالكسر نحتاً أي براه . والنُّحَاتة البُرَاية والمِنحَت ما ينحت به . { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } « ما » في موضع نصب أي وخلق ما تعملونه من الأصنام ، يعني الخشب والحجارة وغيرهما كقوله : { بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ } [ الأنبياء : 56 ] وقيل : إن « ما » ٱستفهام ومعناه التحقير لعملهم . وقيل : هي نفي ، والمعنى وما تعملون ذلك لكن اللّه خالقه ، والأحسن أن تكون « ما » مع الفعل مصدراً ، والتقدير واللّه خلقكم وعملكم وهذا مذهب أهل السنة : أن الأفعال خلقٌ للّه عز وجل وٱكتسابٌ للعباد . وفي هذا إبطال مذاهب القَدَرية والجَبْرية ، وروى أبو هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " إن اللّه خالق كل صانع وصنعته " ذكره الثعلبي . وخرّجه البيهقي من حديث حُذَيفة قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " إن اللّه عز وجل صنع كل صانع وصنعته فهو الخالق وهو الصانع سبحانه " وقد بيناهما في الكتاب الأسنى في شرح أسماء اللّه الحسنى .