Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 23-23)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : { نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ } يعني القرآن لما قال : { فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } بيّن أن أحسن ما يُسمع ما أنزله الله وهو القرآن . قال سعد بن أبي وقاص قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو حدثتنا فأنزل الله عز وجل : { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ } فقالوا : لو قصصت علينا فنزل : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } [ يوسف : 3 ] فقالوا : لو ذكرتنا فنزل : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } [ الحديد : 16 ] الآية . وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملّوا مَلّة فقالوا له : حدثنا فنزلت . والحديث ما يحدث به المحدِّث . وسمى القرآن حديثاً لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحدّث به أصحابه وقومه ، وهو كقوله : { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } [ الأعراف : 185 ] وقوله : { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ } [ النجم : 59 ] وقوله : { إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [ الكهف : 6 ] وقوله : { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً } [ النساء : 87 ] وقوله : { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } [ القلم : 44 ] قال القشيري : وتوهم قوم أن الحديث من الحدوث فليدل على أن كلامه محدث وهو وهم لأنه لا يريد لفظ الحديث على ما في قوله : { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ } [ الأنبياء : 2 ] وقد قالوا : إن الحدوث يرجع إلى التلاوة لا إلى المتلو ، وهو كالذكر مع المذكور إذا ذكرنا أسماء الربّ تعالى . { كِتَاباً } نصب على البدل من « أَحْسَنَ الْحَدِيثِ » ويحتمل أن يكون حالاً منه . { مُّتَشَابِهاً } يشبه بعضه بعضاً في الحسن والحكمة ويصدق بعضه بعضاً ، ليس فيه تناقض ولا اختلاف . وقال قتادة : يشبه بعضه بعضاً في الآي والحروف . وقيل : يشبه كتب الله المنزلة على أنبيائه لما يتضمّنه من أمر ونهي وترغيب وترهيب وإن كان أعم وأعجز . ثم وصفه فقال : { مَّثَانِيَ } تثنى فيه القصص والمواعظ والأحكام وثني للتلاوة فلا يمل . { تَقْشَعِرُّ } تضطرب وتتحرك بالخوف مما فيه من الوعيد . { ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } أي عند آية الرحمة . وقيل : إلى العمل بكتاب الله والتصديق به . وقيل : « إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ » يعني الإسلام . الثانية : عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا قرىء عليهم القرآن كما نعتهم الله تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم . قيل لها : فإنا أناساً اليوم إذا قرىء عليهم القرآن خَرّ أحدهم مغشيًّا عليه . فقالت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . وقال سعيد بن عبد الرحمن الجمحي : مرّ ابن عمر برجل من أهل القرآن ساقط فقال : ما بال هذا ؟ قالوا : إنه إذا قرىء عليه القرآن وسمع ذكر الله سقط . فقال ابن عمر : إنا لنخشى الله وما نسقط . ثم قال : إن الشيطان يدخل في جوف أحدهم ما كان هذا صنيع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . وقال عمر بن عبد العزيز : ذكر عند ابن سيرين الذين يُصرعون إذا قرىء عليهم القرآن ، فقال : بيننا وبينهم أن يقعد أحدهم على ظهر بيت باسطاً رجليه ، ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره فإن رمى بنفسه فهو صادق . وقال أبو عمران الجوني : وعظ موسى عليه السلام بني إسرائيل ذات يوم فشقّ رجل قميصه ، فأوحى الله إلى موسى : قل لصاحب القميص لا يشق قميصه فإني لا أحبّ المبذرين يشرح لي عن قلبه . الثالثة : قال زيد بن أسلم : قرأ أبيّ بن كعب عند النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه فرقّوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اغتنموا الدعاء عند الرقة فإنها رحمة " وعن العباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا اقشعر جلد المؤمن من مخافة الله تحاتَّت عنه خطاياه كما يَتحاتُّ عن الشجرة البالية ورقُها " وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما اقشعر جلد عبد من خشية الله إلا حرّمه الله على النار " وعن شهر بن حَوْشَب عن أم الدرداء قالت : إنما الوجل في قلب الرجل كاحتراق السعفة ، أما تجد إلا قشعريرة ؟ قلت : بلى قالت : فادع الله فإن الدعاء عند ذلك مستجاب . وعن ثابت البُنَاني قال قال فلان : إني لأعلم متى يستجاب لي . قالوا : ومن أين تعلم ذلك ؟ قال : إذا اقشعر جلدي ، ووجل قلبي ، وفاضت عيناي ، فذلك حين يستجاب لي . يقال : اقشعر جلد الرجل اقشعراراً فهو مقشعر والجمع قشاعر فتحذف الميم ، لأنها زائدة يقال أخذته قشعريرة . قال امرؤ القيس : @ فبِتُّ أكابِدُ ليلَ التِّمَا مِ والقلبُ مِن خشيةٍ مُقْشَعِرُّ @@ وقيل : إن القرآن لما كان في غاية الجزالة والبلاغة ، فكانوا إذا رأوا عجزهم عن معارضته ، اقشعرت الجلود منه إعظاماً له ، وتعجباً من حسن ترصيعه وتهيباً لما فيه وهو كقوله تعالى : { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [ الحشر : 21 ] فالتصدّع قريب من الاقشعرار ، والخشوع قريب من قوله : { ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } ومعنى لين القلب رقته وطمأنينته وسكونه . { ذَلِكَ هُدَى ٱللَّهِ } أي القرآن هدى الله . وقيل : أي الذي وهبه الله لهؤلاء من خشية عقابه ورجاء ثوابه هدى الله . { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } أي من خذله فلا مرشد له . وهو يرد على القَدَرية وغيرهم . وقد مضى معنى هذا كله مستوفى في غير موضع والحمد لله . ووقف ابن كثير وابن محيصن على قوله : « هَادٍ » في الموضعين بالياء ، الباقون بغير ياء .