Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 25-25)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه إحدى وعشرون مسألة : الأُولى قوله تعالى : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } الآية . نبّه تعالى على تخفيف في النكاح وهو نكاح الأَمَة لمن لم يجد الطَّوْل . واختلف العلماء في معنى الطَّوْل على ثلاثة أقوال : الأوّل السَّعة والغِنَى قاله ٱبن عباس ومجاهد وسعيد بن جُبير والسُّديُّ وٱبن زيد ومالك في المدوّنة . يقال : طال يطول طَوْلاً في الإفضال والقدرة . وفلان ذو طَوْل أي ذو قدرة في ماله بفتح الطاء . وطُولاً بضم الطاء في ضدّ القِصَر . والمراد هٰهنا القدرة على المهر في قول أكثر أهل العلم ، وبه يقول الشافعيّ وأحمد وإسحاق وأبو ثَوْر . قال أحمد بن المُعَذَّل قال عبد الملك : الطَّوْل كلُّ ما يُقدَر به على النكاح من نقد أو عَرَض أو دَين على مَليّ . قال : وكل ما يمكن بيعه وإجارته فهو طَوْل . قال : وليست الزوجة ولا الزوجتان ولا الثلاثة طَوْلا . وقال : وقد سمعت ذلك من مالك رضي الله عنه . قال عبد الملك : لأن الزوجة لا ينكح بها ولا يصل بها إلى غيرها إذ ليست بمال . وقد سئل مالك عن رجل يتزوّج أَمَة وهو ممن يجد الطول ، فقال : أرى أن يفرق بينهما . قيل له : إنه يخاف العنَتَ . قال : السوط يضرب به . ثم خففه بعد ذلك . القول الثاني الطَّوْل الحُرّةُ . وقد ٱختلف قول مالك في الحرّة هل هي طول أم لا فقال في المدوّنة : ليست الحرّة بطوْل تمنع من نكاح الأمة إذا لم يجد سَعة لأُخرى وخاف العَنَت . وقال في كتاب محمد ما يقتضي أن الحُرّة بمثابة الطَّوْل . قال اللَّخْمِيّ : وهو ظاهر القرآن . ورُوي نحو هذا عن ٱبن حبيب ، وقاله أبو حنيفة . فيقتضي هذا أن من عنده حُرّة فلا يجوز له نكاح الأَمَة وإن عدم السَّعَة وخاف العَنَت ، لأنه طالب شهوة وعنده ٱمرأة ، وقال به الطَّبَريّ وٱحتجّ له . قال أبو يوسف : الطوَّلْ هو وجود الحرّة تحته فإذا كانت تحته حُرَّة فهو ذو طول ، فلا يجوز له نكاح الأَمَة . القول الثالث الطَّوْل الجَلَدُ والصّبر لمن أحبّ أَمَة وهَوِيَها حتى صار لذلك لا يستطيع أن يتزوّج غيرها ، فإن له أن يتزوّج الأَمَة إذا لم يملك هواها وخاف أن يَبْغِي بها وإن كان يجد سعَة في المال لنكاح حُرّة هذا قول قَتادة والنَّخَعِيّ وعطاء وسفيان الثّوري . فيكون قوله تعالى : { لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ } على هذا التأويل في صفة عَدم الجَلَد . وعلى التأويل الأوّل يكون تزويج الأَمَة معلَّقاً بشرطين : عَدمَ السَّعَة في المال ، وخَوف العَنت فلا يصح إلا باجتماعهما . وهذا هو نص مذهب مالك في المدونة من رواية ابن نافع وابن القاسم وابن وهب وابن زياد . قال مُطَرِّف وابن الماجِشُون : لا يحل للرجل أن ينكح أَمَة ، ولا يُقرّان إلا أن يجتمع الشرطان كما قال الله تعالى وقاله أَصْبَغ . وروي هذا القول عن جابر بن عبد الله وابن عباس وعطاء وطاوس والزُّهْرِيّ ومكْحول ، وبه قال الشافعيّ وأبو ثَوْر وأحمد وإسحاق ، واختاره ابن المنذر وغيره . فإن وجد المهر وعدم النفقة فقال مالك في كتاب محمد : لا يجوز له أن يتزوّج أَمَة . وقال أَصْبَغ : ذلك جائز إذ نفقة الأَمَة على أهلها إذا لم يضمّها إليه وفي الآية قول رابع قال مجاهد : ممّا وسّع الله على هذه الأمّة . نكاحُ الأَمَة والنّصرانية ، وإن كان موسراً . وقال بذلك أبو حنيفة أيضاً ، ولم يشترط خوف العنت إذا لم تكن تحته حُرّة . قالوا : لأن كل مال يمكن أن يتزوّج به الأَمَة يمكن أن يتزوّج به الحرّة فالآية على هذا أصلٌ في جواز نكاح الأَمَة مطلقاً . قال مجاهد : وبه يأخذ سفيان ، وذلك أني سألته عن نكاح الأمة فحدّثني عن ابن أبي لَيْلَى عن المِنْهال عن عبّاد بن عبد الله عن عليّ رضي الله عنه قال : إذا نُكحت الحُرّة على الأَمَة كان للحرّة يومان وللأَمَة يوم . قال : ولم ير عليٌّ به بأسا . وحجّة هذا القول عمومُ قولِه تعالى : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } . وقولِه تعالى : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } إلى قوله : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } لقوله عز وجل : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً } [ النساء : 3 ] . وقد اتفق الجميع على أن للحُرّ أن يتزوّج أربعاً وإن خاف أَلاَّ يَعدل . قالوا : وكذلك له تزوّج الأَمَة وإن كان واجداً للطَّوْل غير خائف للعَنَت . وقد رُوي عن مالك في الذي يجد طَوْلا لحرّة أنه يتزوّج أَمَة مع قدرته على طَوْل الحُرّة وذلك ضعيف من قوله . وقد قال مرّة أُخرى : ما هو بالحرام البَيِّن ، وأُجَوِّزه . والصحيح أنه لا يجوز للحرّ المسلم أن يَنكِح أَمَةً غيرَ مسلمة بحال ، ولا له أن يتزوّج بالأَمَة المسلمة إلا بالشرطين المنصوص عليهما كما بيّنا . والعَنَت الزِّنى فإن عدِم الطّول ولم يَخْش العَنَت لم يجز له نكاح الأمة ، وكذلك إن وجد الطّول وخشي العنت . فإن قَدَر على طَوْل حرّة كتابيّة وهي المسألة : الثانية فهل يتزوّج الأَمَة اختلف علماؤنا في ذلك ، فقيل : يتزوّج الأَمَة فإن الأَمة المسلمة لا تلحق بالكافرة ، فأَمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من حُرّة مشركة . واختاره ابن العربيّ . وقيل : يتزوّج الكتابية لأن الأَمَة وإن كانت تفضُلها بالإيمان فالكافرة تفضلها بالحرّية وهي زوجة . وأيضاً فإن ولدها يكون حرّاً لا يسترقّ ، وولد الأمة يكون رقيقاً وهذا هو الذي يتمشَّى على أصل المذهب . الثالثة واختلف العلماء في الرجل يتزوّج الحُرّة على الأَمَة ولم تعلم بها فقالت طائفة : النكاح ثابت . كذلك قال سعيد بن المُسَيب وعطاء ابن أبي رَباح والشافعيّ وأبو ثَوْر وأصحاب الرأي ، وروي عن عليّ . وقيل : للحرّة الخيار إذا علمت . ثم في أي شيء يكون لها الخيار فقال الزُّهْرِيّ وسعيد بن المُسَيّب ومالك وأحمد وإسحاق في أن تُقِيم معه أو تفارقه . وقال عبد الملك : في أن تُقِرّ نكاح الأَمَة أو تفسخه . وقال النَّخَعِيّ : إذا تزوّج الحرّة على الأَمَة فارق الأَمَة إلا أن يكون له منها ولد فإن كان لم يُفرّق بينهما . وقال مسروق : يُفسخ نكاح الأمة لأنه أمرٌ أبيح للضرورة كالميتة ، فإذا ٱرتفعت الضرورة ارتفعت الإباحة . الرابعة فإن كانت تحته أَمَتان عَلِمت الحُرّةُ بواحدة منهما ولم تعلم بالأُخرى فإنه يكون لها الخيار . ألا ترى لو أن حُرة تزوّج عليها أَمَة فرضيت ، ثم تزوّج عليها أمة فرضيت ، ثم تزوّج عليها أُخرى فأنكرت كان ذلك لها فكذلك هذه إذا لم تعلم بالأَمَتين وعلمت بواحدة . قال ابن القاسم قال مالك : وإنما جعلنا الخيار للحرّة في هذه المسائل لمَا قالت العلماء قبلي . يريد سعيد بنَ المُسَيَّب وابنَ شهاب وغيرهما . قال مالك : ولولا ما قالوه لرأيتُه حلالاً لأنه في كتاب الله حلال . فإن لم تَكْفِه الحرّة واحتاج إلى أُخرى ولم يقدر على صداقها جاز له أن يتزوّج الأَمَة حتى ينتهي إلى أربع بالتزويج بظاهر القرآن . رواه ابن وهب عن مالك . وروى ابن القاسم عنه : يُرَدّ نكاحه . قال ابن العربيّ : والأوّل أصح في الدليل ، وكذلك هو في القرآن فإن من رضي بالسبب المحقّق رضي بالمسبّب المرتب عليه ، وألاّ يكون لها خيار لأنها قد علِمت أن له نكاح الأربع وعلِمت أنه إن لم يقدر على نكاح حُرّة تزوّج أَمَة ، وما شرط الله سبحانه عليها كما شرطت على نفسها ، ولا يعتبر في شروط الله سبحانه وتعالى عِلمها . وهذا غاية التحقيق في الباب والإنصاف فيه . الخامسة قوله تعالى : { ٱلْمُحْصَنَاتِ } يريد الحرائر يدل عليه التقسيم بينهن وبين الإماء في قوله : { مِّن فَتَيَاتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ } وقالت فرقة معناه العفائف وهو ضعيف لأنّ الإماء يقعن تحته فأجازوا نكاح إماء أهل الكتاب ، وحرّموا البغايا من المؤمنات والكتابيّات . وهو قول ابن مَيْسرة والسُّدِّي . وقد اختلف العلماء فيما يجوز للحُرّ الذي لا يجد الطَّوْل ويخشى العَنَت من نكاح الإماء فقال مالك وأبو حنيفة وابن شهاب الزُّهْرِيّ والحارث العُكْلِيّ : له أن يتزوّج أربعاً . وقال حماد بن أبي سليمان : ليس له أن ينكح من الإماء أكثر من ٱثنتين . وقال الشافعيّ وأبو ثَوْر وأحمد وإسحاق : ليس له أن ينكح من الإماء إلاّ واحدة . وهو قول ابن عباس ومسروق وجماعة واحتجّوا بقوله تعالى : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } وهذا المعنى يزول بنكاح واحدة . السادسة قوله تعالى : { فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم } أي فَلْيَتَزَوّج بأَمَة الغير . ولا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز له أن يتزوّج أَمَةَ نفسه لتعارض الحقوق وٱختلافها . السابعة قوله تعالى : { مِّن فَتَيَاتِكُمُ } أي المملوكات ، وهي جمع فتاة . والعرب تقول للمملوك : فَتًى ، وللمملوكة فتاة . وفي الحديث الصحيح : " لا يقولنّ أحدُكم عَبْدِي وأَمَتِي ولكن ليقل فَتَايَ وفتاتِي " وسيأتي . ولفظ الفتى والفتاة يطلق أيضاً على الأحرار في ابتداء الشباب ، فأما في المماليك فيطلق في الشباب وفي الكِبَر . الثامنة قوله تعالى : { ٱلْمُؤْمِنَاتِ } بيّن بهذا أنه لا يجوز التزوّج بالأَمَة الكتابية ، فهذه الصفة مشترطة عند مالك وأصحابه ، والشافعيّ وأصحابه ، والثوري والأوْزَاعِيّ والحسن البَصْرِيّ والزُّهْرِيّ ومَكْحول ومجاهد . وقالت طائفة من أهل العلم منهم أصحاب الرأي : نكاح الأَمة الكتابية جائز . قال أبو عمر : ولا أعلم لهم سَلَفاً في قولهم ، إلا أبا مَيْسرة عمرو بن شُرَحْبِيل فإنه قال : إماء أهل الكتاب بمنزلة الحرائر منهنّ . قالوا : وقوله { ٱلْمُؤْمِنَاتِ } على جهة الوصف الفاضل وليس بشرط ألاّ يجوز غيرها وهذا بمنزلة قوله تعالى : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً } فإن خاف ألاّ يعدِل فتزوّج أكثر من واحدة جاز ، ولكن الأفضل ألاّ يتزوّج فكذلك هنا الأفضل ألاّ يتزوّج إلا مؤمنة ، ولو تزوّج غير المؤمنة جاز . وٱحتجُّوا بالقياس على الحرائر ، وذلك أنه لما لم يمنع قوله : { ٱلْمُؤْمِنَاتِ } في الحرائر من نكاح الكتابيات فكذلك لا يمنع قوله { ٱلْمُؤْمِنَاتِ } في الإماء من نكاح إماءِ الكتابيات . وقال أشهب في المدوّنة : جائز للعبد المسلم أن يتزوّج أَمَةً كتابية . فالمنع عنده أن يفضل الزوج في الحُرّية والدِّين معاً . ولا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز لمسلم نكاحُ مجوسِيّة ولا وَثَنِيّة ، وإذا كان حراماً بإجماع نكاحُهما فكذلك وطؤهما بِملْك اليَمين قياساً ونظراً . وقد روي عن طاوس ومجاهد وعطاء وعمرو بن دِينار أنهم قالوا : لا بأس بنكاح الأَمَة المجوسيّة بملك اليَمين . وهو قول شاذّ مهجور لم يلتفت إليه أحد من فقهاء الأمصار . وقالوا : لا يحلّ أن يطأها حتى تُسلم . وقد تقدّم القول في هذه المسألة في « البقرة » مستوفًى . والحمد لله . التاسعة قوله تعالى : { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ } المعنى أن الله عليم ببواطن الأُمور ولكم ظواهرها ، وكلّكم بنو آدم وأكرمكم عند الله أتقاكم ، فلا تستنكِفُوا من التزوّج بالإماء عند الضرورة ، وإن كانت حديثةَ عهدٍ بِسِباء ، أو كانت خرساء وما أشبه ذلك . ففي اللفظ تنبيه على أنه ربّما كان إيمان أَمَة أفضل من إيمان بعض الحرائر . العاشرة قوله تعالى : { بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ } ابتداء وخبر كقولك زيد في الدار . والمعنى أنتم بنو آدم . وقيل : أنتم مؤمنون . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير المعنى : ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصناتِ المؤمناتِ فلْينكِح بعضُكم من بعض : هذا فتاة هذا ، وهذا فتاة هذا . فبعضكم على هذا التقدير مرفوع بفعله وهو فلينكح . والمقصود بهذا الكلام تَوْطِئة نفوس العرب التي كانت تستهجن ولد الأَمَة وتُعيّره وتُسمِّيه الهَجِين ، فلما جاء الشرع بجواز نكاحها علموا أن ذلك التهجين لا معنى له ، وإنما انحطت الأَمَة فلم يجز للحرّ التزوّج بها إلا عند الضرورة لأنه تسبب إلى إرقاق الولد ، وأن الأَمَة لا تَفرُغ للزّوج على الدوام ، لأنها مشغولة بخدمة المَوْلَى . الحادية عشرة قوله تعالى : { فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } أي بولاية أربابهن المالكين وإذنهم . وكذلك العبد لا ينكح إلا بإذن سيّده لأن العبد مملوك لا أمر له ، وبدنه كله مستَغرق ، لكن الفرق بينهما أن العبد إذا تزوّج بغير إذن سيده فإن أجازه السيد جاز هذا مذهب مالك وأصحاب الرأي ، وهو قول الحسن البَصْرِيّ وعطاء بن أبي رَباح وسعيد بن المسيِّب وشُريح والشَّعْبِيّ . والأَمَةُ إذا تزوّجت بغير إذن أهلها فُسِخ ولم يجز بإجازة السيد لأن نقصان الأُنوثة في الأَمَة يمنع من ٱنعقاد النكاح الْبَتَّةَ . وقالت طائفة : إذا نكح العبد بغير إذن سيده فسخ نكاحه هذا قول الشافعيّ والأُوْزاعِيّ وداود بن عليّ ، قالوا : لا تجوز إجازة المَوْلَى إن لم يحضره لأن العقد الفاسد لا تصح إجازته ، فإن أراد النكاح استقبله على سُنّته . وقد أجمع علماء المسلمين على أنه لا يجوز نكاح العبد بغير إذن سيده . وقد كان ابن عمر يَعُدّ العبد بذلك زانياً ويحدّه وهو قول أبي ثَوْر . وذكر عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، وعن مَعْمَر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه أخذ عبداً له نكح بغير إذنه فضربه الحدّ وفرّق بينهما وأبطل صداقها . قال : وأخبرنا ابن جُريج عن موسى بن عقبة أنه أخبره عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرى نكاح العبد بغير إذن وَلِيّه زِنًى ، ويرى عليه الحدّ ، ويعاقب الذين أنكحوهما . قال : وأخبرنا ٱبن جريج عن عبد الله ابن محمد بن عقيل قال سمعت جابر بن عبد الله يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيّما عبدٍ نكح بغير إذن سيده فهو عاهِر " وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : هو نكاح حرام فإن نكح بإذن سيده فالطلاق بيد من يستحل الفرج . قال أبو عمر : على هذا مذهب جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق ، ولم يُختَلف عن ابن عباس أن الطلاق بيد السيّد وتابعه على ذلك جابر بن زيد وفرقة . وهو عند العلماء شذوذ لا يُعرَّج عليه ، وأظن ابن عباس تأوّل في ذلك قول الله تعالى : { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ } [ النحل : 75 ] . وأجمع أهل العلم على أن نكاح العبد جائز بإذن مولاه فإن نكح نكاحاً فاسداً فقال الشافعيّ إن لم يكن دخل فلا شيء لها ، وإن كان دخل فعليه المهر إذا عَتَق هذا هو الصحيح من مذهبه ، وهو قول أبي يوسف ومحمد لا مهر عليه حتى يعتِق . وقال أبو حنيفة : إن دخل عليها فلها المهر . وقال مالك والشافعيّ : إذا كان عبد بين رجلين فأذن له أحدهما في النكاح فنكح فالنكاح باطل ، فأما الأمة إذا آذنت أهلها في النكاح فأذنوا جاز ، وإن لم تباشر العقد لكن تُولِّي من يعقده عليها . الثانية عشرة قوله تعالى : { وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } دليلٌ على وجوب المهر في النكاح ، وأنه للأَمَة . { بِٱلْمَعْرُوفِ } معناه بالشرع والسُّنّة ، وهذا يقتضي أنهنّ أحقُّ بمهورهنّ من السادة ، وهو مذهب مالك . قال في كتاب الرّهون : ليس للسيّد أن يأخذ مهر أَمَته ويَدَعها بلا جهاز . وقال الشافعيّ : الصداق للسيّد لأنه عوض فلا يكون للأمة . أصله إجازة المنفعة في الرقبة ، وإنما ذكرت لأن المهر وجب بسببها . وذكر القاضي إسماعيل في أحكامه : زعم بعض العراقيين إذا زوّج أمته من عبده فلا مهر . وهذا خلاف الكتاب والسنة وأطنب فيه . الثالثة عشرة قوله تعالى : « مُحْصِنَاتٍ » أي عفائف . وقرأ الكِسائِي { مُحْصَنَاتٍ } بكسر الصاد في جميع القرآن ، إلا في قوله تعالى : { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ } . وقرأ الباقون بالنصب في جميع القرآن . ثم قال : { غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ } أي غير زوانٍ ، أي مُعْلِنات بالزِّنَى لأن أهل الجاهلية كان فيهم الزّواني في العلانية ، ولهنّ رايات منصوبات كراية البيطار . { وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } أصدقاء على الفاحشة ، واحدهم خِدْن وخدِين ، وهو الذي يخادنك ، ورجل خُدَنَةٌ ، إذا اتخذ أخذاناً أي أصحاباً عن أبي زيد . وقيل : المسافِحة المجاهِرة بالزنَى ، أي التي تكري نفسها لذلك . وذات الخِدْن هي التي تزني سرّاً . وقيل : المسافِحَة المبذولة ، وذات الخدْن التي تزني بواحد . وكانت العرب تعيب الإعلان بالزنَى ، ولا تعيب ٱتخاذ الأخذان ، ثم رفع الإسلام جميع ذلك ، وفي ذلك نزل قوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } [ الأنعام : 151 ] عن ابن عباس وغيره . الرابعة عشرة قوله تعالى : { فَإِذَآ أُحْصِنَّ } قراءة عاصم وحمزة والكِسائيّ بفتح الهمزة . الباقون بضمها . فبالفتح معناه أسْلَمن ، وبالضم زُوِّجن . فإذا زنت الأَمة المسلمة جُلدت نصف جلد الحرة وإسلامها هو إحصانها في قول الجمهور : ابنِ مسعود والشعبيّ والزُّهْرِيّ وغيرهم . وعليه فلا تُحدّ كافرة إذا زنت ، وهو قول الشافعيّ فيما ذكر ٱبن المُنْذِر . وقال آخرون : إحصانها التزوّج بحرّ . فإذا زنت الأَمَة المسلمة التي لم تتزوّج فلا حدّ عليها ، قاله سعيد بن جُبير والحسن وقتادة ، وروي عن ٱبن عباس وأبي الدَّرْدَاء ، وبه قال أبو عبيد . قال : وفي حديث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه سئل عن حَدّ الأَمة فقال : إنّ الأَمَة ألقت فَرْوَة رأسها من وراء الدار . قال الأصمعيّ : الفروة جلدة الرأس قال أبو عبيد : وهو لم يرد الفروة بعينها ، فكيف تلقى جلدة رأسها من وراء الدار ، ولكن هذا مثل ! إنما أراد بالفَرْوة القِناع ، يقول ليس عليها قناع ولا حجاب ، وأنها تخرج إلى كل موضع يرسلها أهلها إليه ، لا تقدر على الامتناع من ذلك فتصير حيث لا تقدر على الامتناع من الفجور ، مثل رعاية الغنم وأداء الضريبة ونحو ذلك فكأنه رأى أن لا حدّ عليها إذا فجرت لهذا المعنى . وقالت فرقة : إحصانها التزوّج ، إلا أن الحدّ واجب على الأَمَة المسلمة غير المتزوّجة بالسنّة كما في صحيح البُخارِيّ ومُسْلم أنه قيل : يا رسول الله ، الأَمَة إذا زنت ولم تُحصن ؟ فأوجب عليها الحدّ . قال الزُّهْرِيّ : فالمتزوّجة محدودةٌ بالقرآن ، والمسلمة غير المتزوّجة محدودة بالحديث . قال القاضي إسماعيل في قول من قال { إِذَآأُحْصِنَّ } أسْلَمْن : بُعْدٌ لأن ذكر الإيمان قد تقدّم لهن في قوله تعالى : { مِّن فَتَيَاتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ } . وأما من قال : { إِذَآأُحْصِنَّ } تزوّجن ، وأنه لا حدّ على الأَمة حتى تتزوّج فإنهم ذهبوا إلى ظاهر القرآن وأحسِبَهم لم يعلموا هذا الحديث . والأمر عندنا أن الأَمَة إذا زنت وقد أحصنت مجلودة بكتاب الله ، وإذا زنت ولم تحصن مجلودةٌ بحديث النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا رجم عليها لأن الرجم لا يتنصّف . قال أبو عمر : ظاهر قولِ الله عز وجل يقتضي ألاّ حدّ على أَمَة وإن كانت مسلمة إلا بعد التزويج ، ثم جاءت السنّة بجلدها وإن لم تحصن ، فكان ذلك زيادة بيان . قلت : ظَهْر المؤمن حِمًى لا يُستباح إلا بيقين ، ولا يقين مع الاختلاف ، لولا ما جاء في صحيح السُّنّة من الجلد في ذلك . والله أعلم . وقال أبو ثَوْر فيما ذكر ابن المنذِر : وإن كانوا اختلفوا في رجمهما فإنهما يُرجمان إذا كانا محصنَيْن ، وإن كان إجماعٌ فالإجماع أوْلى . الخامسة عشرة وٱختلف العلماء فيمن يُقيم الحدَّ عليهما فقال ابن شهاب : مضت السّنّة أن يَحُدَّ العبدَ والأَمَة أهلوهم في الزنى ، إلا أن يُرفع أمرهم إلى السلطان فليس لأحد أن يفتات عليه وهو مقتضى قوله عليه السلام : " إذا زنت أَمَةُ أحدِكم فلْيحدها الحَدّ " وقال عليّ رضي الله عنه في خطبته : يا أيها الناس ، أقِيموا على أرِقّائكم الحدّ ، من أحصن منهم ومن لم يحصِن ، فإن أَمَةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها ، فإذا هي حديث عهد بنفاس ، فخشِيت إن أنا جلدتها أن أقتلها ، فذكرت ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : " أحسنت " أخرجه مسلم موقوفاً عن عليّ . وأسنده النسائي وقال فيه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم من أحصن منهم ومن لم يحصن " وهذا نص في إقامة السادة الحدودَ على المماليك من أحصن منهم ومن لم يحصن . قال مالك رضي الله عنه : يَحُدّ المولى عبده في الزنى وشرب الخمر والقذف إذا شهد عنده الشهود بذلك ، ولا يقطعه في السرقة ، وإنما يقطعه الإمام وهو قول الليث . وروي عن جماعة من الصحابة أنهم أقاموا الحدود على عبيدهم ، منهم ابن عمر وأنس ، ولا مخالِف لهم من الصحابة . ورُوي عن ٱبن أبي لَيْلَى أنه قال : أدركت بقايا الأنصار يضربون الوَلِيدة من ولائدهم إذا زنت ، في مجالسهم . وقال أبو حنيفة : يقيم الحدود على العبيد والإماء السلطانُ دون المَوْلَى في الزنى وسائر الحدود وهو قول الحسن بن حيّ . وقال الشافعيّ : يحدّه المولى في كل حدّ ويقطعه واحتج بالأحاديث التي ذكرنا . وقال الثّوْرِيّ والأُوْزاعِيّ : يحدّه في الزنى وهو مقتضى الأحاديث ، والله أعلم . وقد مضى القول في تغريب العبيد في هذه السورة . السادسة عشرة فإن زَنَت الأَمة ثم عُتقَت قبل أن يحدّها سيّدها لم يكن له سبيل إلى حدّها ، والسلطان يجلدها إذا ثبت ذلك عنده فإن زنت ثم تزوّجت لم يكن لسيدها أن يجلدها أيضاً لحق الزوج إذْ قد يضره ذلك . وهذا مذهب مالك إذا لم يكن الزوج مِلْكاً للسيد ، فلو كان ، جاز للسيد ذلك لأن حقَّهما حقُّه . السابعة عشرة فإن أقرّ العبد بالزنى وأنكره المولى فإن الحدّ يجب على العبد لإقراره ، ولا التفات لما أنكره المولى ، وهذا مجمع عليه بين العلماء . وكذلك المدبَّر وأُمُّ الولد والمكاتَب والمُعْتَق بعضه . وأجمعوا أيضاً على أن الأَمَة إذا زنت ثم أُعتقت حُدّت حدّ الإماء وإذا زنت وهي لا تعلم بالعتق ثم علمت وقد حُدّت أُقيم عليها تمام حدّ الحرّة ذكره ابن المنذر . الثامنة عشرة واختلفوا في عفو السيد عن عبده وأمتَه إذا زنيا فكان الحسن البصري يقول : له أن يعفُوَ . وقال غير الحسن : لا يسعه إلا إقامة الحدّ ، كما لا يسع السلطان أن يعفوَ عن حدّ إذا علمه ، لم يسع السيّد كذلك أن يعفُوَ عن أمته إذا وجب عليها الحدّ وهذا على مذهب أبي ثور . قال ابن المنذر : وبه نقول . التاسعة عشرة قوله تعالى : { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَاتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } أي الجلد ويعني بالمحصَنات هٰهنا الأبكار الحرائر لأن الثيب عليها الرجم والرجم لا يتبعّض . وإنما قيل للبكر محصنة وإن لم تكن متزوجة لأن الإحصان يكون بها كما يقال : أضحِية قبل أن يُضَحَّى بها وكما يقال للبقرة مثيرة قبل أن تُثِير . وقيل : { ٱلْمُحْصَنَاتِ } المتزوّجات لأن عليها الضرب والرّجم في الحديث ، والرّجم لا يتبعّض فصار عليهن نصف الضرب . والفائدة في نقصان حدّهن أنهن أضعف من الحرائر . ويقال : إنهن لا يصِلْن إلى مرادهن كما تصل الحرائر . وقيل : لأن العقوبة تجب على قدر النعمة ألا ترى أن الله تعالى قال لأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم : { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } [ الأحزاب : 30 ] فلما كانت نعمتهن أكثر جعل عقوبتهن أشدّ ، وكذلك الإماء لما كانت نعمتهن أقل فعقوبتهن أقلّ .