Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 69-70)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه ثلاث مسائل : الأُولى قوله تعالىٰ : { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } لمّا ذكر تعالىٰ الأمرَ الذي لو فعله المنافقون حين وُعظوا به وأنابوا إليه لأنعم عليهم ، ذَكَر بعد ذلك ثوابَ مَن يفعله . وهذه الآية تفسير قوله تعالىٰ : { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } وهي المراد في قوله عليه السَّلام عند موته : " اللَّهُمَّ الرّفيقَ الأعلىٰ " وفي البخاريّ عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من نَبي يمرض إلا خُيّر بين الدنيا والآخرة " كان في شكواه الذي مرض فيه أخذته بحة شديدة فسمعته يقول : { مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ } فعلمت أنه خُيِّر . وقالت طائفة إنما نزلت هذه الآية لما قال عبدالله ابن زيد بن عبدربّه الأنصاري الذي أرى الأذان ـ : يا رسول الله ، إذا مِتَّ ومِتْنا كنتَ في علِّيين لا نراك ولا نجتمع بك وذكر حزنه على ذلك فنزلت هذه الآية . وذكر مَكِّي عن عبدالله هذا وأنه لما مات النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللَّهُمَّ أعْمِني حتى لا أرى شيئاً بعده فعَمِى مكانه . وحكاه القشيري فقال : اللهم أعميني فلا أرى شيئاً بعد حبيبي حتى ألقى حبيبي ، فعمي مكانه . وحكى الثَّعْلبي . أنها نزلت في ثَوْبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان شديدَ الحُبّ له قليلَ الصبر عنه فأتاه ذات يوم وقد تغيّر لونُه ونَحَل جسمه ، يُعرف في وجهه الحزن فقال له : " « يا ثَوْبَان ما غيّر لونك » فقال : يا رسول الله ما بي ضرّ ولا وجع ، غير أني أذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وَحشة شديدة حتى ألقاك ، ثم ذكرت الآخرة وأخاف ألاّ أراك هناك لأني عرفت أنك تُرفع مع النبييّن وأني إن دخلت الجنة كنتُ في منزلة هي أدنى من منزلتك ، وإن لم أدخل فذلك حِينٌ لا أراك أبداً " فأنزل الله تعالى هذه الآية . ذكره الوَاحِدي عن الكَلْبي . وأسنِد عن مسروق قال : قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدّنيا ، فإنك إذا فارقتنا رُفعت فوقنا فأنزل الله تعالى : { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ } . وفي طاعة الله طاعة رسوله ولكنه ذكره تشريفا لقَدره وتنوِيها باسمه صلى الله عليه وسلم وعلى آله . { فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } أي هم معهم في دار واحدة ونعيم واحد يستمتعون برؤيتهم والحضور معهم ، لا أنهم يساوونهم في الدّرجة فإنهم يتفاوتون لكنهم يتزاورون للاتباع في الدّنيا والاقتداء . وكلّ مَن فيها قد رزق الرضا بحاله ، وقد ذهب عنه اعتقاد أنه مفضول . قال الله تعالى : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } [ الأعرافُ : 43 ] . والصدِّيق فعيل ، المبالغ في الصدق أو في التصديق ، والصدّيق هو الذي يحقق بفعله ما يقوله بلسانه . وقيل : هم فضلاء أتباع الأنبياء الذين يسبقونهم إلى التصديق كأبي بكر الصدّيق . وقد تقدّم في البقرة اشتقاق الصدّيق ومعنى الشهيد . والمراد هنا بالشهداء عمر وعثمان وعلي ، والصالحين سائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين . وقيل : { وَٱلشُّهَدَآءِ } القتلى في سبيل الله . { وَٱلصَّالِحِينَ } صالحي أمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلت : واللفظ يعم كل صالح وشهيد . والله أعلم . والرّفق لين الجانب . وسُمي الصاحب رفيقا لارتفاقك بصحبته ومنه الرّفقة لارتفاق بعضهم ببعض . ويجوز « وحسن أولئك رفقاء » . قال الأخفش « رفيقا » منصوب على الحال وهو بمعنى رفقاء وقال : انتصب على التمييز فوحِّد لذلك فكأن المعنى وحسن كل واحد منهم رفيقا . كما قال تعالى : { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } [ الحج : 5 ] أي نخرج كل واحد منكم طفلا . وقال تعالى : { يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ } [ الشورى : 45 ] وينظر معنى هذه الآية قولُه صلى الله عليه وسلم : " خير الرّفقاء أربعة " ولم يذكر الله تعالى هنا إلا أربعة فتأمله . الثانية في هذه الآية دليل على خلافة أبي بكر رضي الله عنه وذلك أن الله تعالى لما ذكر مراتب أوليائه في كتابه بدأ بالأعلى منهم وهم النبيّون ، ثم ثَنّى بالصدّيقين ولم يجعل بينهما واسطة . وأجمع المسلمون على تسمية أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه صدّيقاً ، كما أجمعوا على تسمية محمد عليه السلام رسولا ، وإذا ثبت هذا وصح أنه الصديق وأنه ثاني رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لم يجز أن يتقدّم بعده أحد . والله أعلم . الثالثة قوله تعالى : { ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ } أخبر تعالى أنهم لم ينالوا الدرجة بطاعتهم بل نالوها بفضل الله تعالى وكرمه . خلافا لما قالت المعتزلة : إنما ينال العبد ذلك بفعله . فلما امتنّ الله سبحانه على أوليائه بما آتاهم من فضله ، وكان لا يجوز لأحد أن يُثْني على نفسه بما لم يفعله دلّ ذلك على بطلان قولهم . والله أعلم .