Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 78-78)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه أربع مسائل : الأُولى قوله تعالى : { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ } شرط ومجازاة ، و « ما » زائدة وهذا الخطاب عام وإن كان المراد المنافقين أو ضَعَفة المؤمنين الذين قالوا : { لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } أي إلى أن نموت بآجالنا ، وهو أشبه بالمنافقين كما ذكرنا ، لقولهم لما أُصيب أهل أُحُد ، قالوا : { لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ } [ آل عمران : 156 ] فردّ الله عليهم { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } قاله ابن عباس في رواية أبي صالح عنه . وواحد البروج بُرْج ، وهو البناء المرتفع والقصر العظيم . قال طَرَفة يصف ناقة : @ كأنها بُرْج رُومِيٍّ تكفّفها بانٍ بشيدٍ وآجُرٍّ وأحجار @@ وقرأ طلحة بن سليمان « يُدْرِكُكُم » برفع الكاف على إضمار الفاء ، وهو قليل لم يأت إلا في الشعر نحو قوله : @ من يفعلِ الحسناتِ اللَّهُ يشكُرُها @@ أراد فالَّله يشكرها . واختلف العلماء وأهل التأويل في المراد بهذه البُرُوج ، فقال الأكثر وهو الأصح : إنه أراد البروج في الحصون التي في الأرض المَبْنِيّة ، لأنها غاية البَشَر في التحصُّن والمنعة ، فمثّل الله لهم بها . وقال قتادة : في قصور محصَّنة . وقاله ابن جُريج والجمهور ، ومنه قول عامر بن الطُّفيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم : هل لك في حصن حصين ومَنَعة ؟ وقال مجاهد : البروج القصور . ابن عباس : البروج الحصون والآطام والقلاع . ومعنى { مُّشِيَّدٍة } مطوَّلة ، قاله الزجاج والقُتَبي . عِكرِمة : المزيّنة بالشِّيدِ وهو الجِص . قال قتادة : محصّنة . والمُشَيَّد والمَشِيد سواء ، ومنه { وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } [ الحج : 45 ] والتشديد للتكثير . وقيل : المُشَيَّد المُطَوَّل ، والمَشِيد المَطْليّ بالشّيد . يقال : شاد البنيان وأشاد بذكره . وقال السُّدِّي : المراد بالبروج بروج في السماء الدنيا مبنية . وحكى هذا القول مَكِّيّ عن مالك وأنه قال : ألا ترى إلى قوله تعالى : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } [ البروج : 1 ] و { جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً } [ الفرقان : 61 ] { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً } [ الحجر : 16 ] . وحكاه ٱبن العربيّ أيضاً عن ابن القاسم عن مالك . وحكى النقاش عن ابن عباس أنه قال : { فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } معناه في قصور من حديد . قال ابن عطية : وهذا لا يعطيه ظاهر اللفظ . الثانية هذه الآية تردّ على القدرية في الآجال ، لقوله تعالى : { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } فعرفهم بذلك أن الآجال متى انقضت فلا بد من مفارقة الروح الجسَد ، كان ذلك بقتل أو موت أو غير ذلك مما أجرى الله العادة بزُهُوقها به . وقالت المعتزلة : إن المقتول لو لم يقتله القاتل لعاش . وقد تقدّم الردّ عليهم في « آل عمران » ويأتي فوافقوا بقولهم هذا الكفارَ والمنافقين . الثالثة اتخاذ البلاد وبنائها ليُمتنع بها في حفظ الأموال والنفوس ، وهي سُنّة الله في عباده . وفي ذلك أدلّ دليل على ردّ قول من يقول التوكُّلُ ترك الأسباب ، فإن اتخاذ البلاد من أكبر الأسباب وأعظمها وقد أمرنا بها ، واتخذها الأنبياء وحفروا حولها الخنادق عُدّة وزيادة في التمنع . وقد قيل للأحنف : ما حكمة السُّور ؟ فقال ليردع السفيه حتى يأتي الحكيم فيحميه . الرابعة وإذا تنزلنا على قول مالك والسُّدِّي في أنها بروج السماء ، فبروج الفَلَك اثنا عشر بُرْجاً مشيّدة من الرفع ، وهي الكواكب العظام . وقيل للكواكب بروج لظهورها ، من بَرِج يَبْرَج إذا ظهر وٱرتفع ومنه قوله : { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ } [ الأحزاب : 33 ] . وخلقها الله تعالى منازل للشمس والقمر وقدّره فيها ، ورتّب الأزمنة عليها ، وجعلها جنوبية وشمالية دليلاً على المصالح وعلَما على القِبلة ، وطريقاً إلى تحصيل آناء الليل وآناء النهار لمعرفة أوقات التهجُّد وغير ذلك من أحوال المعاش . قوله تعالى : { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي إن يصب المنافقين خِصب قالوا : هذا من عند الله . { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } أي جَدْب ومحَلْ قالوا : هذا من عندك ، أي أصابنا ذلك بشؤمك وشؤم أصحابك . وقيل : الحسنة السلامة والأمن ، والسيئة الأمراض والخوف . وقيل : الحسنة الغنى ، والسيئة الفقر . وقيل : الحسنة النعمة والفتح والغنيمة يوم بدر ، والسيئة البلية والشدّة والقتل يوم أُحد . وقيل : الحسنة السراء ، والسيئة الضراء . هذه أقوال المفسرين وعلماء التأويل ابنِ عباس وغيره في الآية . وأنها نزلت في اليهود والمنافقين ، وذلك أنهم لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة عليهم قالوا : ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا مذْ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه . قال ابن عباس : ومعنى { مِنْ عِندِكَ } أي بسوء تدبيرك . وقيل : { مِنْ عِندِكَ } بشؤمك ، كما ذكرنا ، أي بشؤمك الذي لَحِقنا ، قالوه على جهة التطيُّر . قال الله تعالى : { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي الشدة والرخاء والظَّفَر والهزيمة من عند الله ، أي بقضاء الله وقَدَره . { فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ } يعني المنافقين { لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } أي ما شأنهم لا يفقهون أنّ كلا من عند الله .