Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 89-90)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه خمس مسائل : الأُولى قوله تعالى : { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } أي تمنّوا أن تكونوا كَهُم في الكفر والنفاق شَرَعٌ سواء ، فأمر الله تعالى بالبراءة منهم فقال : { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } كما قال تعالى : { مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } [ الأنفال : 72 ] والهجرة أنواع : منها الهجرة إلى المدينة لنُصرة النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وكانت هذه واجبة أوّل الإسلام حتى قال : " لا هجرة بعد الفتح " وكذلك هجرة المنافقين مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في الغزوات ، وهجرة من أسلم في دار الحرب فإنها واجبة . وهجرة المسلم ما حرّم الله عليه كما قال صلى الله عليه وسلم : " والمهاجر من هجر ما حرم الله عليه " وهاتان الهجرتان ثابتتان الآن . وهجرة أهل المعاصي حتى يرجعوا تأديباً لهم فلا يُكَلَّمون ولا يخالَطون حتى يتوبوا كما فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم مع كعب وصاحبيْه . { فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ } يقول : إن أعرضوا عن التوحيد والهجرة فأسروهم واقتلوهم . { حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } عامّ في الأماكن من حِلٍّ وحَرَم . والله أعلم . ثم استثنى وهي : الثانية فقال : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ } أي يتَّصلون بهم ويدخلون فيما بينهم من الجوار والحلف المعنى : فلا تقتلوا قوماً بينهم وبين مَن بينكم وبينهم عهدٌ فإنهم على عهدهم ثم انتسخت العهود فانتسخ هذا . هذا قول مجاهد وابن زيد وغيرهم ، وهو أصح ما قيل في معنى الآية . قال أبو عبيد : يَصِلون ينتسبون ومنه قول الأعشى : @ إذا ٱتَّصَلَتْ قالتْ لبكرِ بن وائلٍ وَبَكْرٌ سَبَتْها والأنوف رواغِمُ @@ يريد إذا ٱنتسبَتْ . قال المهدوِيّ : وأنكره العلماء لأن النسب لا يمنع من قتال الكفار وقتلهم . وقال النحاس : وهذا غلط عظيم لأنه يذهب إلى أن الله تعالى حظر أن يُقاتل أحد بينه وبين المسلمين نسب ، والمشركون قد كان بينهم وبين السابقين الأوّلين أنساب ، وأشد من هذا الجهلُ بأنه كان ثم نُسخ لأن أهل التأويل مجمعون على أن الناسخ له « بَرَاءَةٌ » وإنما نزلت « براءة » بعد الفتح وبعد أن انقطعت الحروب . وقال معناه الطبريّ . قلت : حمل بعض العلماء معنى ينتسبون على الأمان أي إن المنتسب إلى أهل الأمان آمِنٌ إذا أمن الكل منهم ، لا على معنى النسب الذي هو بمعنى القرابة . واختُلف في هؤلاء الذين كان بينهم وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم ميثاق فقيل : بنو مُدْلجٍ . عن الحسن : كان بينهم وبين قريش عقد ، وكان بين قريش وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد . وقال عِكرمة : نزلت في هلال بن عُويمر وسُراقة بن جُعْشُم وخُزيمة بن عامر بن عبد مناف كان بينهم وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم عهد . وقيل : خزاعة . وقال الضحاك عن ابن عباس : أنه أراد بالقوم الذين بينكم وبينهم ميثاق بني بكر بن زيد بن مَناة ، كانوا في الصلح والهدنة . الثالثة في هذه الآية دليل على إثبات الموادعة بين أهل الحرب وأهل الإسلام إذا كان في الموادعة مَصْلحة للمسلمين ، على ما يأتي بيانه في « الأنفال وبراءة » إن شاء الله تعالى . الرابعة قوله تعالى : { أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } أي ضاقت . وقال لَبِيد : @ أسهلْت وٱنتصبَتْ كجِذْعِ مُنِيفةٍ جَرْداءَ يَحْصُر دونها جُرّامُها @@ أي تضيق صدورهم من طول هذه النخلة ومنه الحصر في القول وهو ضيق الكلام على المتكلم . والحَصِر الكَتُوم للسِّر قال جرير : @ ولقد تَسَقَّطني الوُشاة فصادفوا حَصِراً بِسِّرِك يا أُميْم ضَنِينا @@ ومعنى « حَصِرت » قد حصِرت فأُضمِرَت قد قاله الفراء : وهو حال من المضمر المرفوع في « جاءوكم » كما تقول : جاء فلان ذهب عقله ، أي قد ذهب عقله . وقيل : هو خبر بعد خبر قاله الزجاج . أي جاءوكم ثم أخبر فقال : { حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } فعلى هذا يكون { حَصِرَتْ } بدلاً من { جَآءُوكُمْ } وقيل : { حَصِرَتْ } في موضع خفض على النعت لقوم . وفي حرف أُبَيّ « إلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ » ليس فيه { أَوْ جَآءُوكُمْ } . وقيل : تقديره أو جاءوكم رجالاً أو قوماً حصِرت صدورهم فهي صفة موصوف منصوب على الحال . وقرأ الحسن « أو جاءوكم حَصِرةً صدورهم » نصب على الحال ، ويجوز رفعه على الابتداء والخبر . وحكى « أو جاءوكم حصِراتٍ صدورهم » ، ويجوز الرفع . وقال محمد بن يزيد : { حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } هو دعاء عليهم كما تقول : لعن الله الكافر وقاله المبرد . وضعّفه بعض المفسرين وقال : هذا يقتضي ألاّ يقاتلوا قومهم وذلك فاسد لأنهم كفار وقومهم كفار . وأجيب بأن معناه صحيح فيكون عدم القتال في حق المسلمين تعجيزاً لهم ، وفي حق قومهم تحقيراً لهم . وقيل : { أَوْ } بمعنى الواو كأنه يقول : إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق وجاءوكم ضيقة صدورهم عن قتالكم والقتال معكم فكرهوا قتال الفريقين . ويحتمل أن يكونوا معاهَدين على ذلك فهو نوع من العهد ، أو قالوا نسلم ولا نقاتل فيحتمل أن يقبل ذلك منهم في أول الإسلام حتى يفتح الله قلوبهم للتقوى ويشرحها للإسلام . والأول أظهر . والله أعلم . { أَوْ يُقَاتِلُواْ } في موضع نصب أي عن أن يقاتلوكم . الخامسة قوله تعالى : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ } تسليط الله تعالى المشركين على المؤمنين هو بأن يُقدرهم على ذلك ويقوّيهم إمّا عقوبةً ونقمة عند إذاعة المنكر وظهور المعاصي ، وإما ابتلاء واختباراً كما قال تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ } [ محمد : 31 ] ، وإما تمحيصاً للذنوب كما قال تعالى : { وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ آل عمران : 141 ] . ولله أن يفعل ما يشاء ويسلط من يشاء على من يشاء إذا شاء . ووجه النظم والاتصال بما قبل أي ٱقتلوا المنافقين الذين اختلفتم فيهم إلا أن يهاجروا ، وإلا أن يتصلوا بمن بينكم وبينهم ميثاق فيدخلون فيما دخلوا فيه فلهم حكمهم ، وإلا ٱلَّذين جاءوكم قد حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم فدخلوا فيكم فلا تقتلوهم .