Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 36-38)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } وقرأ ٱبن عباس وعكرمة « ومن يَعْشَ » بفتح الشين ، ومعناه يعمى يقال منه عَشِيَ يَعْشَى عَشاً إذا عَمِيَ . ورجل أعشى وٱمرأة عشواء إذا كان لا يبصر ومنه قول الأعشى : @ رأتْ رجلاً غائب الوافِدَيْـ ـينِ مختلفَ الخلق أعْشَى ضريرا @@ وقوله : @ أأن رأت رجلاً أعشى أضَرَّ به رَيْبُ المنونِ ودَهْرٌ مُفْنِدٌ خَبِلُ @@ الباقون بالضم من عشا يعشو إذا لحقه ما يلحق الأعشى . وقال الخليل : العشو هو النظر ببصر ضعيف وأنشد : @ متى تأتِه تَعْشُو إلى ضَوْء ناره تَجِد خيرَ نارٍ عندها خيرُ مُوقدِ @@ وقال آخر : @ لنعم الفتى يعشو إلى ضوء ناره إذا الريح هبّت والمكان جديب @@ الجوهرِيّ : والعَشَا مقصور مصدر الأعشى وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار . والمرأة عشواء ، وامرأتان عشواوان . وأعشاه الله فعشِي بالكسر يَعْشى عَشًى ، وهما يَعْشَيان ، ولم يقولوا يَعْشوان لأن الواو لما صارت في الواحد ياء لكسرة ما قبلها تُركت في التثنية على حالها . وتعاشى إذا أَرى من نفسه أنه أعشى . والنسبة إلى أَعْشَى أعْشَوِيّ . وإلى العَشِيّة عَشَوِيّ . والعشواء : الناقة التي لا تبصر أمامها فهي تَخْبِط بيديها كلّ شيء . وركب فلان العشواء إذا خَبَط أمره على غير بصيرة . وفلان خابطٌ خبطَ عشواء . وهذه الآية تتصل بقوله أول السورة : { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً } [ الزخرف : 5 ] أي نواصل لكم الذكر فمن يَعْشُ عن ذلك الذكر بالإعراض عنه إلى أقاويل المضلين وأباطيلهم { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً } أي نسبب له شيطاناً جزاء له على كفره { فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } قيل في الدنيا ، يمنعه من الحلال ، ويبعثه على الحرام ، وينهاه عن الطاعة ، ويأمره بالمعصية وهو معنى قول ابن عباس . وقيل في الآخرة إذا قام من قبره قاله سعيد الجُرَيْرِي . وفي الخبر : أن الكافر إذا خرج من قبره يُشْفع بشيطان لا يزال معه حتى يدخلا النار . وأن المؤمن يُشْفع بملَكَ حتى يقضي الله بين خلقه ذكره المهدويّ . وقال القشيري : والصحيح فهو له قرين في الدنيا والآخرة . وقال أبو الهيثم والأزهري : عَشَوْت إلى كذا أي قصدته . وعشوت عن كذا أي أعرضت عنه ، فتفرق بين « إلى » و « عن » مثل : مِلْتُ إليه ومِلْتُ عنه . وكذا قال قتادة : يَعْشُ ، يُعْرِض وهو قول الفراء . النحاس : وهو غير معروف في اللغة . وقال القُرَظي : يولّي ظهره والمعنى واحد . وقال أبو عبيدة والأخفش : تُظْلِم عينُه . وأنكر العُتْبيّ عشوت بمعنى أعرضت قال : وإنما الصواب تعاشيت . والقول قول أبي الهيثم والأزهري . وكذلك قال جميع أهل المعرفة . وقرأ السلمِيّ وٱبن أبي إسحاق ويعقوب وعِصْمة عن عاصم وعن الأعمش « يقيّض » بالياء لذكر « الرَّحْمَن » أوّلاً أي يقيّض له الرحمٰن شيطاناً . الباقون بالنون . وعن ابن عباس « يُقَيَّضْ لَهُ شَيْطَانٌ فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ » أي ملازم ومصاحب . قيل : « فَهُوَ » كناية عن الشيطان على ما تقدّم . وقيل : عن الإعراض عن القرآن أي هو قرين للشيطان . { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } أي وإن الشياطين ليصدونهم عن سبيل الهدى وذكر بلفظ الجمع لأن « مَن » في قوله : « وَمَنْ يَعْشُ » في معنى الجمع . { وَيَحْسَبُونَ } أي ويحسب الكفار { أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } وقيل : ويحسب الكفار أن الشياطين مهتدون فيطيعونهم . { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا } على التوحيد قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص يعني الكافر يوم القيامة . الباقون « جاءانا » على التثنية ، يعني الكافر وقرينه وقد جُعلا في سلسلة واحدة فيقول الكافر : { يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } أي مشرق الشتاء ومشرق الصيف ، كما قال تعالى : { رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ } [ الرحمٰن : 17 ] ونحوه قول مقاتل . وقراءة التوحيد وإن كان ظاهرها الإفراد فالمعنى لهما جميعاً لأنه قد عرف ذلك بما بعده كما قال : @ وعَيْن لها حَدْرَةٌ بَدْرَةٌ شُقَّت مآقيهما من أخَرْ @@ قال مقاتل : يتمنى الكافر أن بينهما بُعْدَ مشْرِق أطول يوم في السنة إلى مَشْرِق أقصر يوم في السنة ، ولذلك قال : « بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ » . وقال الفراء : أراد المشرق والمغرب فغَلَّب ٱسم أحدهما ، كما يقال : القمران للشمس والقمر ، والعُمَران لأبي بكر وعمر ، والبصرتان للكوفة والبصرة ، والعصران للغداة والعصر . وقال الشاعر : @ أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع @@ وأنشد أبو عبيدة لجرِير : @ ما كان يرضى رسول الله فعلهم والعُمَران أبو بكر ولا عمر @@ وأنشد سيبويه : @ قَدْنِيَ من نَصْر الْخُبَيْبَيْن قدِى @@ يريد عبد الله ومصعباً ابني الزبير ، وإنما أبو خبيب عبد الله . { فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } أي فبئس الصاحب أنت لأنه يورده إلى النار . قال أبو سعيد الخدرِيّ : إذا بُعث الكافِر زوّج بقرينه من الشياطين فلا يفارقه حتى يصير به إلى النار .