Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 18-19)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ } هذه بيعة الرضوان ، وكانت بالحديبِية ، وهذا خبر الحديبية على ٱختصار : وذلك " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أقام مُنْصَرَفه من غَزْوة بني المُصْطَلِق في شوّال ، وخرج في ذي القعدة مُعْتَمِراً ، واستنفر الأعراب الذين حول المدينة فأبطأ عنه أكثرهم ، وخرج النبيّ صلى الله عليه وسلم بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن ٱتبعه من العرب ، وجميعهم نحو ألف وأربعمائة . وقيل : ألف وخمسمائة . وقيل غير هذا ، على ما يأتي . وساق معه الْهَدْيَ ، فأحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلم الناسُ أنه لم يخرج لحرب ، فلما بلغ خروجه قريشاً خرج جمْعُهم صادّين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام ودخول مكة ، وإنه إن قاتلهم قاتلوه دون ذلك ، وقدّموا خالد بن الوليد في خيل إلى « كُرَاع الغَمِيم » فورد الخبر بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو « بعُسْفان » وكان المخبر له بشر بن سفيان الكَعْبِي ، فسلك طريقاً يخرج به في ظهورهم ، وخرج إلى الحديبية من أسفل مكة ، وكان دليله فيهم رجل من أسلم ، فلما بلغ ذلك خيلَ قريش التي مع خالد جرت إلى قريش تُعلمهم بذلك ، فلما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية بركت ناقته صلى الله عليه وسلم فقال الناس : خلأت ! خلأت ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « ما خَلأَتْ وما هو لها بخُلُق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة . لا تدعوني قريش اليوم إلى خُطّة يسألوني فيها صلة رَحِم إلا أعطيتهم إياها » . ثم نزل صلى الله عليه وسلم هناك فقيل : يا رسول الله ، ليس بهذا الوادي ماء ! فأخرج عليه الصلاة والسلام سهماً من كِنَانته فأعطاه رجلاً من أصحابه ، فنزل في قَلِيب من تلك القُلُب فغرزه في جوفه فجاش بالماء الرَّواء حتى كفى جميع الجيش . وقيل : إن الذي نزل بالسّهم في القليب ناجية بن جُنْدب بن عمير الأسلمي وهو سائق بُدْن النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ . وقيل : نزل بالسّهم في القَليب البَراء بن عازب ، ثم جرت السُّفَراء بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش ، وطال التراجع والتنازع إلى أن جاء سُهيل بن عمرو العامري ، فقاضاه على أن ينصرف عليه الصلاة والسلام عامَه ذلك ، فإذا كان من قابل أتى مُعْتَمِراً ودخل هو وأصحابه مكة بغير سلاح ، حاشا السيوف في قُرَبها فيقيم بها ثلاثاً ويخرج ، وعلى أن يكون بينه وبينهم صلح عشرة أعوام ، يتداخل فيها الناس ويأمن بعضهم بعضاً ، وعلى أن من جاء من الكفار إلى المسلمين مسلماً من رجل أو امرأة رُدّ إلى الكفار ، ومن جاء من المسلمين إلى الكفار مرتدًّا لم يردوه إلى المسلمين فعظُم ذلك على المسلمين حتى كان لبعضهم فيه كلام ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما علّمه الله من أنه سيجعل للمسلمين فرجاً ، فقال لأصحابه : « اصبروا فإن الله يجعل هذا الصلح سبباً إلى ظهور دينه » فأنِس الناس إلى قوله هذا بعد نفار منهم ، وأَبَى سهيل بن عمرو أن يكتب في صدر صحيفة الصلح : من محمد رسول الله ، وقالوا له : لو صدقناك بذلك ما دفعناك عما تريدٰ فلا بد أن تكتب : بٱسمك اللهم . فقال لعليّ وكان يكتب صحيفة الصلح : « امح يا عليّ ، واكتب بٱسمك اللهم » فأبى عليّ أن يمحو بيده « محمد رسول الله » . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ٱعرضه عليّ » فأشار إليه فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، وأمره أن يكتب « من محمد بن عبد الله » " وأتى أبو جَنْدل بن سهيل يومئذ بأثر كتاب الصلح وهو يَرْسُف في قيوده ، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيه فعظُم ذلك على المسلمين ، فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر أبا جندل « أنّ الله سيجعل له فرجاً ومخرجاً » . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الصلح قد بعث عثمان بن عفان إلى مكة رسولاً ، فجاء خبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أهل مكة قتلوه ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ إلى المبايعة له على الحرب والقتال لأهل مكة فرُوِي أنه بايعهم على الموت . وروي أنه بايعهم على ألاَّ يَفِرّوا . وهي بيعة الرضوان تحت الشجرة ، التي أخبر الله تعالى أنه رضي عن المبايعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها . وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لا يدخلون النار . وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيمينه على شماله لعثمان فهو كمن شهدها . وذكر وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال : أوّل من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية أبو سفيان الأسدي . وفي صحيح مسلم عن أبي الزبير عن جابر قال : كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة فبايعناه وعمر آخِذ بيده تحت الشجرة وهي سَمُرَة ، وقال : بايعناه على ألاّ نفرّ ولم نبايعه على الموت وعنه أنه سمع جابراً يسأل : كم كانوا يوم الحديبية ؟ قال : كنا أربع عشرة مائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سَمُرة فبايعناه ، غيرَ جدّ بن قيس الأنصاري ٱختبأ تحت بطن بعيره . وعن سالم بن أبي الجَعْد قال : سألت جابر بن عبد الله عن أصحاب الشجرة . فقال : لو كنا مائةَ ألفٍ لكفانا ، كنا ألفاً وخمسمائة . وفي رواية : كنا خمس عشرة مائة . وعن عبد الله بن أبي أَوْفى قال : كان أصحاب الشجرة ألفاً وثلثمائة ، وكانت أسْلَم ثُمُن المهاجرين . وعن يزيد بن أبي عبيد قال : قلت لسلمة : على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ؟ قال : على الموت . وعن البَرَاء بن عازب قال : كتب عليٌّ رضي الله عنه الصلح بين النبيّ صلى الله عليه وسلم وبين المشركين يوم الحديبية فكتب : هذا ما كاتب عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : لا تكتب رسول الله ، فلو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك . فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لعليّ : « ٱمْحُه » . فقال : ما أنا بالذي أمحاه فمحاه النبيّ صلى الله عليه وسلم بيده . وكان فيما اشترطوا : أن يدخلوا مكة فيقيموا فيها ثلاثاً ، ولا يدخلها بسلاح إلا جُلُبّان السلاح . قلت لأبي إسحاق : وما جُلُبّان السلاح ؟ قال : القراب وما فيه . وعن أنس : " أن قريشاً صالحوا النبيّ صلى الله عليه وسلم فيهم سهيل بن عمرو فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لعليّ : « اكتب بسم الله الرحمٰن الرحيم » فقال سهيل بن عمرو : أما باسم الله ، فما ندري ما بسم الله الرحمٰن الرحيم ! ولكن ٱكتب ما نعرف : باسمك اللّهُم . فقال : « اكتب من محمد رسول الله » قالوا : لو علمنا أنك رسوله لاْتبعناك ! ولكن ٱكتب ٱسمك وٱسم أبيك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « اكتب من محمد بن عبد الله » فاشترطوا على النبيّ صلى الله عليه وسلم : أن من جاء منكم لم نردّه عليكم ، ومن جاءكم منا رددتموه علينا . فقالوا : يا رسول الله ، أنكتب هذاٰ قال : « نعم إنه مَن ذهب منا إليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً » " وعن أبي وائل قال : قام سهل بن حُنيف يوم صِفِّين فقال يأيها الناس ، ٱتَّهموا أنفسَكم ، لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين . فجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ألسنا على حق وهم على باطل ؟ قال « بلى » قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال « بلى » قال ففيم نعطي الدّنِيّة في ديننا ونرجعُ ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم ؟ فقال " يا بن الخطاب إني رسول الله ولن يُضَيِّعَني الله أبداً " قال : فانطلق عمر ، فلم يصبر مُتَغَيِّظاً فأتى أبا بكر فقال : يا أبا بكر ، ألسنا على حق وهم على باطل ؟ قال بلى قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال بلى . قال : فعلام نعطي الدّنِيّة في ديننا ونرجع ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم ؟ فقال : يا بن الخطاب ، إنه رسول الله ولن يُضيعه الله أبداً . قال : فنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه ، فقال : يا رسول الله ، أوَفَتْحٌ هو ؟ قال « نعم » . فطابت نفسه ورجع . قوله تعالى : { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } من الصدق والوفاء قاله الفراء . وقال ٱبن جريج وقتادة : من الرضا بأمر البيعة على ألا يفرّوا . وقال مقاتل : من كراهة البيعة على أن يقاتلوا معه على الموت { فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ } حتى بايعوا . وقيل : « فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ » من الكآبة بصدّ المشركين إياهم وتخلف رؤيا النبيّ صلى الله عليه وسلم عنهم إذا رأى أنه يدخل الكعبة ، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما ذلك رؤيا منام " وقال الصدّيق : لم يكن فيها الدخول في هذا العام . والسكينة : الطمأنينة وسكون النفس إلى صدق الوعد . وقيل الصبر . { وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } قال قتادة وٱبن أبي ليلى : فتح خيبر . وقيل فتح مكة . وقرىء « وَآتَاهُمْ » { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا } يعني أموال خيبر وكانت خيبر ذات عقار وأموال ، وكانت بين الحديبية ومكة . فـ « ـمَغَانِمَ » على هذا بدل من « فَتْحاً قَرِيباً » والواو مقحمة . وقيل « وَمَغَانِمَ » فارس والروم .