Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 1-5)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ } قرأ العامة « قاف » بالجزم . وقرأ الحسن وٱبن أبي إسحاق ونصر ابن عاصم « قافِ » بكسر الفاء لأن الكسر أخو الجزم ، فلما سكن آخره حرّكوه بحركة الخفض . وقرأ عيسى الثقفيّ بفتح الفاء حرّكه إلى أخف الحركات . وقرأ هارون ومحمد بن السَّمَيْقَع « قافُ » بالضم لأنه في غالب الأمر حركة البناء نحو منذُ وقطُّ وقبلُ وبعدُ . وٱختلف في معنى « قۤ » ما هو ؟ فقال ابن زيد وعكرمة والضحاك : هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضراء ٱخضرت السماء منه ، وعليه طَرَفَا السماءِ والسماء عليه مَقْبِيَّةٌ ، وما أصاب الناسُ من زمرد كان مما تساقط من ذلك الجبل . ورواه أبو الجوزاء عن عبد الله بن عباس . قال الفرّاء : كان يجب على هذا أن يظهر الإعراب في « قۤ » لأنه ٱسم وليس بهجاء . قال : ولعل القاف وحدها ذكرت من ٱسمه كقول القائل : @ قلـتُ لها قِفِـي فقالتْ قـافْ @@ أي أنا واقفة . وهذا وجه حسن وقد تقدّم أوّل « البقرة » . وقال وهب : أشرف ذو القرنين على جبل قاف فرأى تحته جبالاً صغاراً ، فقال له : ما أنت ؟ قال : أنا قاف قال : فما هذه الجبال حولك ؟ قال : هي عروقي وما من مدينة إلا وفيها عرق من عروقي ، فإذا أراد الله أن يزلزل مدينة أمرني فحركت عرقي ذلك فتزلزت تلك الأرض فقال لَه : يا قاف أخبرني بشيء من عظمة الله قال : إن شأن ربِّنا لعظيمٌ ، وإن ورائي أرضاً مسيرة خمسمائة عام في خمسمائة عام من جبال ثلج يحطم بعضها بعضا ، لولا هي لاحترقت من حرّ جهنم . فهذا يدل على أن جهنم على وجه الأرض والله أعلم بموضعها وأين هي من الأرض . قال : زدني ، قال : إن جبريل عليه السلام واقف بين يدي الله تُرْعَد فرائصُه ، يخلق الله من كل رِعدة مائة ألف ملك ، فأولئك الملائكة وقوف بين يدي الله تعالى منكسو رؤوسهم ، فإذا أذن الله لهم في الكلام قالوا : لا إلٰه إلا الله وهو قوله تعالى : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً } [ النبأ : 38 ] يعني قول : لا إلٰه إلا الله . وقال الزجاج : قوله « قۤ » أي قُضِيَ الأمر ، كما قيل في « حمۤ » أي حُمَّ الأمرُ . وقال ٱبن عباس : « قۤ » ٱسم من أسماء الله تعالى أقسم به . وعنه أيضاً : أنه ٱسم من أسماء القرآن . وهو قول قتادة . وقال القُرظيّ : ٱفتتاح أسماء الله تعالى قدير وقاهر وقريب وقاضٍ وقابض . وقال الشَّعبيّ : فاتحة السورة . وقال أبو بكر الورّاق : معناه قِف عند أمرنا ونهينا ولا تَعْدُهما . وقال محمد بن عاصم الأنطاكيّ : هو قرب الله من عباده ، بيانه { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } وقال ٱبن عطاء : أقسم الله بقوّة قلب حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث حمل الخطاب ولم يؤثر ذلك فيه لعلو حاله . { وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ } أي الرفيع القدر . وقيل : الكريم قاله الحسن . وقيل : الكثير مأخوذ من كثرة القدر والمنزلة لا من كثرة العدد ، من قولهم : كثير فلان في النفوس ومنه قول العرب في المثل السائر : في كل شجرٍ نارْ ، وٱسْتَمجدَ المَرْخُ والعَفَارْ . أي ٱستكثر هذان النوعان من النار فزادا على سائر الشجر قاله ابن بحر . وجواب القسم قيل هو : { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضَ مِنْهُمْ } على إرادة اللام أي لقد علمنا . وقيل : هو { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ } وهو ٱختيار الترمذيّ محمد بن عليّ قال : « قۤ » قسم باسم هو أعظم الأسماء التي خرجت إلى العباد وهو القدرة ، وأقسم أيضاً بالقرآن المجيد ، ثم ٱقتص ما خرج من القدرة من خلق السموات والأرضين وأرزاق العباد ، وخلق الآدميين ، وصفة يوم القيامة والجنة والنار ، ثم قال : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } فوقع القسم على هذه الكلمة كأنه قال : « قۤ » أي بالقدرة والقرآن المجيد أقسمت أن فيما ٱقتصصت في هذه السورة { لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } وقال ابن كيسان : جوابه { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ } . وقال أهل الكوفة : جواب هذا القسم { بَلْ عَجِبُوۤاْ } وقال الأخفش : جوابه محذوف كأنه قال : { قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ } لتبعثن يدل عليه { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً } . قوله تعالى : { بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ } « أَنْ » في موضع نصب على تقدير لأن جاءهم منذر منهم ، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ، والضمير للكفّار . وقيل : للمؤمنين والكفار جميعاً . ثم ميّز بينهم بقوله تعالى : { فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ } ولم يقل فقالوا ، بل قبح حالهم وفعلهم ووصفهم بالكفر ، كما تقول : جاءني فلان فأسمعني المكروه ، وقال لي الفاسق أنت كذا وكذا . { هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ } العجيب الأمر الذي يتعجب منه ، وكذلك العُجَاب بالضم ، والعُجَّاب بالتشديد أكثر منه ، وكذلك الأعجوبة . وقال قتادة : عجبهم أن دُعوا إلى إلٰه واحد . وقيل : من إنذارهم بالبعث والنشور . والذي نص عليه القرآن أولى . قوله تعالى : { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً } نبعث ففيه إضمار . { ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ } الرجع الردّ أي هو ردّ بعيد أي محال . يقال : رَجَعْته أَرْجِعه رَجْعاً ، ورَجَع هو يَرجِعُ رُجوعاً ، وفيه إضمار آخر أي وقالوا أنبعث إذا متنا . وذكر البعث وإن لم يجر هاهنا فقد جرى في مواضع ، والقرآن كالسورة الواحدة . وأيضاً ذكر البعث منطوٍ تحت قوله : { بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ } لأنه إنما ينذر بالعقاب والحساب في الآخرة . قوله تعالى : { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضَ مِنْهُمْ } أي ما تأكل من أجسادهم فلا يضل عنا شيء حتى تتعذر علينا الإعادة . وفي التنزيل : { قَالَ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ قَالَ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى } [ طه : 51 - 52 ] وفي الصحيح : " كل ٱبنِ آدم يأكله التراب إلا عَجْبَ الذَّنَبِ منه خُلِقَ وفيه يُرَكَّبُ " وقد تقدّم . وثبت أن الأنبياء والأولياء والشهداء لا تأكل الأرضُ أجسادهم حرم الله على الأرض أن تأكل أجسادهم . وقد بينا هذا في كتاب « التذكرة » وتقدّم أيضاً في هذا الكتاب . وقال السدي : النقص هنا الموت يقول قد علمنا منهم من يموت ومن يبقى لأن من مات دُفِن فكأنّ الأرض تَنقصُ من الناس . وعن ابن عباس : هو من يدخل في الإسلام من المشركين . { وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } أي بعدّتهم وأسمائهم فهو فعيل بمعنى فاعل . وقيل : اللوح المحفوظ أي محفوظ من الشياطين أو محفوظ فيه كل شيء . وقيل : الكتاب عبارة عن العلم والإحصاء كما تقول : كتبت عليك هذا أي حفظته وهذا ترك الظاهر من غير ضرورة . وقيل : أي وعندنا كتاب حفيظ لأعمال بني آدم لنحاسبهم عليها . قوله تعالى : { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ } أي القرآن في قول الجميع حكاه الماورديّ . وقال الثعلبي : بالحق القرآن . وقيل : الإسلام . وقيل : محمد صلى الله عليه وسلم . { فَهُمْ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ } أي مختلط . يقولون مرة ساحر ومرة شاعر ومرة كاهن قاله الضحاك وابن زيد . وقال قتادة : مختلِف . الحسن : ملتبِس والمعنى متقارب . وقال أبو هريرة : فاسد ، ومنه مَرِجت أمانات الناس أي فسدت ومَرِجَ الدينُ والأمرُ ٱختلط قال أبو دؤاد : @ مَرِجَ الدِّينُ فَأَعْدَدْتُ لَهُ مُشْرِفَ الْحَارِكِ مَحْبُوكَ الْكَتَدْ @@ وقال ابن عباس : المريج الأمر المنكر . وقال عنه عمران بن أبي عطاء : « مريج » مختلط . وأنشد : @ فجَالتْ فٱلتمستُ به حَشَاهَا فخَرَّ كأنه خُوطٌ مَرِيجُ @@ الخُوطُ الغصن . وقال عنه العوفيّ : في أمر ضلالة وهو قولهم ساحر شاعر مجنون كاهن . وقيل : متغير . وأصل المَرَج الاضطراب والقلق يقال : مَرِجَ أمرُ الناس ومَرِج أمرُ الدِّين ومرِج الخاتم في إصبعي إذا قَلِق من الهزال . وفي الحديث : " كيف بك يا عبد الله إذا كنت في قوم قد مَرِجت عهودهم وأمانَاتهُم وٱختلفوا فكانوا هكذا وهكذا " وشبك بين أصابعه . أخرجه أبو داود وقد ذكرناه في كتاب « التذكرة » .